تحديث معاصر “الدبس” أحال الأسطوانات الحجرية والأجران الصخرية على التقاعد

راشيا – عارف مغامس

إذا صح قول الأقدمين “دبس العنب مسامير الركب” فإن لدبس راشيا مزية حكايات معاصر حجرية قديمة لم يبق منها إلا الذكريات والقصص المشوقة وبعض الآثار الدارسة في عدد من قرى المنطقة، خصوصا عاصمة القضاء راشيا، التي لم تتخل عن هويتها وعن تراثها ولم تخن ذاكرتها بل حافظت على صناعة دبس العنب فتطورت المعاصر تدريجيا حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من قيمة مضافة في الصناعات التحويلية.

فقد شهدت صناعة دبس العنب انتقالاً نوعياً في هذه الحرفة الزراعية فأخلت أقدام البشر التي كانت تسحل عناقيد العنب مكانها ودورها للمكبس الكهربائي الآلي، وأحيلت الخزانات المجوفة في الصخر على التقاعد لتصبح الخزانات المصنوعة من الستنلس ومن الحديد المزيبق الوريث التقني لها. وحضرت آلة الضغط لعصر «الجمجول» لتكون البديل الآلي لأثقال الإسطوانات الحجرية. واستعيض عن الحطب بمادة المازوت او الغاز واستخدام البخار، واستغني عن رزم أغصان جبجوب البطم بالعجانة الكهربائية.

القضماني
وبحسب ما لفت إليه مدير معصرة راشيا الحديثة “بهاء ابراهيم القضماني” الذي أكد أن دبس راشيا بات منتجا فريدا تخطى حدود الوطن منذ سنوات وغزا الأسواق العربية والأوروبية والعالمية، بوصفه منتجا طيب المذاق ومتعدد الفوائد، ودخل في كثير من مكونات الصناعات الغذائية خصوصا الحلويات، نظراً لجودته العالية والامتيازات التي اكتسبها خلال السنوات العشر الاخيرة بموازاة تحديث المعاصر والخبرات العلمية والمخبرية وعمليات التحويل والحفظ والتخزين والتصدير، حتى تحول الى ركيزة اقتصادية مهمة في اقتصاد المنطقة، نظرا لانتشار كروم العنب والعرائش في غالبية قرانا.

القضماني الذي كان يشرف على سير عمل معصرته وصف الموسم بالجيد نتيجة الإقبال الكثيف على تحويل العنب الى دبس، خصوصا أن أزمة تصدير العنب إلى الخارج اشتدت مع الأزمة السورية وانعكاسها المحلي دونها عقبات جمة، نتيجة المشاكل الحدودية عبر المعابر البرية مع سوريا، وربط القضماني ارتفاع كلفة التصنيع بارتفاع أسعار المحروقات ورواتب العمال والأعباء التي يتكبدها المزارعون من حراثة وري وتقليم وأدوية.

وإذ لفت إلى أن التسويق يرتكز على السوق اللبنانية المحلية بشكل أساسي أوضح القضماني إلى أن قسما من الانتاج يذهب إلى أسواق الخليج العربي عن طريق مؤسسات للتوزيع، ونحن نشارك في معارض دولية ومحلية، في وقت دخلنا إلى المؤسسات التجارية الكبرى في العاصمة وفروعها في المناطق ان في دبس العنب أو سيروب العنب أو في عسل جبل الشيخ.

وعن الإنتاج لفت الى أن “سعر الكلغ الواحد من الدبس يتراوح بين سبعة الى ثمانية آلاف ليرة لبنانية، كما يتراوح الإنتاج السنوي في منطقة راشيا من مادة الدبس بين 500 و550 قنطاراً، وتعمل في هذه الصناعة التحويلية أربع معاصر حديثة وبعض المعاصر التقليدية”
وأوضح القضماني أن جميع أنواع العنب يمكن تحويلها الى دبس، لكن أميزها هو الدبس المستخرج من العنب “الشموطي” و”السرعيني”، بينما عنب الدوالي يتم حفظه في البرادات، ليصدر الى الخارج أو يسوق في الداخل”.

راشيا التي باتت متخصصة بهذه الصناعة التحويلية، فهي بحسب القضماني تعد باب رزق لعشرات العائلات التي تعمل في الموسم، وهناك ثقة لبنانية ومحلية به، لا سيما بعد اختباره على مدى سنوات وهويشهد تطوراً مهما، لذلك ندعو الدولة والوزارات المعنية الى “دعم هذا القطاع وتوفير مقومات استمراره وتطوره وصموده لتبقى المناطق الجبلية والقرى النائية تحافظ على هذا الإرث هذه الثروة البيئية النظيفة.

وإذ اعتبر أن دبس راشيا هو الأكثر جودة واتقانا أكد القضماني أننا حصلنا على شهادة “أيزو 22 الف” وفقا لمقاييس الجودة والفائدة والمطابقة للمواصفات العالمية.

سيروب العنب
وعن “سيروب العنب” اشار القضماني إلى ان تجربتنا مع هذا المنتج ناجحة واثبتت جدواها وحاجتها وانتشارها بوصفها بديلا من السكر والقطر، واصبح المنتج موجودا في كل فروع سبينس، مشيرا الى ان مفهوم السيروب عند اللبنانيين ليس جزءا اساسيا من نظامهم الغذائي، ففي اميركا يباع كمنتج اساسي في السلم الغذائي، مشيرا الى ان الهدف من تحويل العنب الى سيروب لا ترسبات فيه وهو صناعة غير تقليدية ويحافظ على شكله ولونه وطعمه، خاصة في محلات البيع وهو يساهم في ترويج منتوجات اخرى واصفا اياه بـ”حصان طروادة” حيث هناك انواع كثيرة ترتكز عليه لتباع في السوق، مشيرا الى منتج صحي جديد يدخل دبس العنب كمكون اساسي فيه سنطلقه قريبا.

واشار القضماني الى ان السيروب منتج يحتوي على عناصر غذائية طبيعية وصحية وبات يدخل في صنع الحلويات ويستخدمه مرضى السكر لتحلية بعض المأكولات ومن شأنه حل مشكلة تصريف انتاج العنب في السوق المحلية والخارجية.

السيقلي
عضو نقابة مزارعي العنب في لبنان مدير وكالة التنمية الاميركية في البقاع كمال السيقلي يصنع قسما من عنب عرائشه في معاصر راشيا لا سيما في ظل عدم التمكن من تصدير الانتاج الى الخارج، وهو إذ يصف عنب مرج كفرمشكي بـ”ذهب لبنان” نظرا لجودته ومطابقته للمواصفات زبعده عن التلوث أكد أن العنب يشكل مصدرا مهما لمعيشة عشرات العائلات من ابناء قرى راشيا خاصةكفرمشكي، ونحن نصنع دبس العنب حيث يتم تصدير قسم منه الى أهلنا المقيمين في كندا.

وإذ لفت الى أن تحويل العنب الى دبس مهنة قديمة في قرى راشيا ورثها الآباء عن الاجداد والابناء عن آبائهم، أكد السيقلي أن كروم العنب شهدت نهضة زراعية ايضا مع دخول انواع جديدة من العنب الى عرائش راشيا لا سيما سهل كفرمشكي الذي يعد واحدا من اوسع السهول الزراعية التي تنتج العنب في لبنان وهي عرائش تخضع لعناية دائمة في معظم فصول السنة ونحن نستفيد منخبرات الغرب ونفيد المزارعين.

وقال السيقلي: ” نتعرض في السنوات الأخيرة لازمات كبيرة وكساد اثر سلبا على التصدير نتيجة الاوضاع الامنية والاحداث المؤلمة في سوريا، الأمر الذي دفع بعشرات المزارعين الى تصنيع العنب دبساً لا سيما الابيض منه، اذ يتكبد المزارع عناء القطف والنقل والتصنيع، في حين أن سوق التصريف تخضع أحياناً لمعوقات كثيرة”.

بالمقابل نوه السيقلي بدبس كفرمشكي حيث له وجهته المعروفة وهو مطلوب لارتفاع مستوى جودته وتوضيبه وطريقة تصديره، الى كندا والى الاسواق العربية، وهو قطاع يحتاج الى دعم الدولة وسهرها وايجاد الاسواق الدائمة وبالتالي دعم القطاع الزراعي برمته وعقد اتفاقيات زراعية تساهم في تسهيل عملنا وعدم عرقلة هذا القطاع واعتباره ثانويا او بعيدا من اهتمام الدولة.

خاص – “الأنباء”