أنا هيك… ماذا عنكم؟

بقالبٍ مختلفٍ تمامًا، يطلّ الإعلامي المُجيد نيشان ديرهاروتيونيان على جمهوره. هذه المرة هو “المايسترو” وأكيد أكيد أن لا مايسترو سواه. قد يبدو البرنامج الذي يحمل عنوان “أنا هيك” بعيدًا من الفضاءات التي اعتاد نيشان التحليق فيها. حلقتان أوليان كان الجنس عنوانهما استجرّا وابلًا من الانتقادات القائلة إنه ليس ملعب نيشان وإن الإعلامي جنى على نفسه ببرنامج مماثل، وإن التوق إلى الإطلالة قاده إلى حلقاتٍ تحمل كثيرًا من الابتذال والكليشيهات.

ليس فعلًا. فنيشان الذي لطالما تسلّح بالرقي في برامجه، لا يغيب شخصه المثقف عن برنامج يطرح قضايا وحالاتٍ فردية مجتمعية موجودة ولكنها أقرب إلى المحظورات. من حلقة الرقص المتعرّي، إلى المثلية الجنسية مرورًا بخلع الحجاب وصولًا إلى الطمع بالمال، يتنقل نيشان بين ضيوفه بخفةٍ لا يهجرها عرضُ عضلات صريح على مستويَي المعرفة الشاملة واللغة. لا يريد الإعلامي أن يؤطّر نفسه في خانة برامج “النقّ” الاجتماعي، ولا هو هنا ليقدّمَ حلولًا لمعضلةٍ مستعصية، بل ليعرض الحالة من دون مقاضاتها، وليواجهها مع الآخر الذي لا يشبهها لا بل هو نقيضُها.

على قاعدة “الخير والشرّ” يسير البرنامج من دون إلباس أي من بطل المشهدية أو نقيضه صورة الخير والشرّ. للجمهور كلمة من خلال تصويت أبطاله خمسةٌ وعشرون حاضرًا، كثيرًا ما يسقط تصويتهم على أسئلة مختلفة في خانة الأحكام المنمّطة، وهذا الاستنتاج وليد أربع حلقاتٍ تبين من خلالها أن المجتمع من خلال عينة صغيرة لكن متنوعة ليس جاهزًا لتقبُّل الآخر المختلف سواء كان راقصًا متعريًّا أم مثليًّا أم مسلمةً بلا حجاب أم طمّاعةً بالمال. وحيثما يحضر رأي أهل الاختصاص من علماء وأطباء نفسيين وأستاذة علم اجتماع، تُختتم الحلقة في كلّ مرة بدعوة نيشان المشاهدين إلى قراءة كتابٍ قرأه هو وقدّم لنا موجزًا عنه.

قد يجد بعضهم أن البرنامج مجرّد تعليب لحالاتٍ هدفها مزيدٌ من الشهرة شأنها شأن مقدّم البرنامج، ولكنّ التعامي عن هذه الحالات الموجودة لا يجعل من البرنامج “فورمات” أفضل ولا من المجتمع أكثر صلاحيّة. فكلّ ضيفٍ يطلّ يقولها بالفم الملآن: “أنا هيك” وما شأني إن كنتم “هيك” أم لم تكونوا؟

رامي قطار- “الأنباء”