“ثورةُ” فلاحين… ودراما!

“إبهار”… بهذه الكلمة اليتيمة يمكن اختصار مسلسل “ثورة الفلاحين” الذي تحتضنه شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال. وكأني بعناصر النجاح كلّها تضافرت لترسم الطريق إلى واحدٍ من أضخم الإنتاجات المحلية إن لم يكن أضخمها على الإطلاق.

هي ثورةٌ في الدراما الوطنيّة قرر المنتج جمال سنان أن يقودها منذ أكثر من سنةٍ ونصف السنة، فاختار كادرًا تمثليًّا رهيبًا، شديدَ التجانس والإتقان. كثيرةٌ هي العناصر التي تجعل من العمل ناجحًا ومن المشاهدين حائرين أمام سرّ الإبهار في هذا المسلسل الذي يُعرَض من الأحد إلى الخميس بعد نشرة الأخبار المسائيّة:

أولًا، القصّة المؤثرة في ذاتها والتي طبعت حقبة تاريخية في لبنان يوم قاد طانيوس شاهين ثورةً أبطالها فلاحون ثاروا على ظلم الإقطاعية وهبشوا حريّتهم بأيديهم.

ثانيًا، السيناريو المحترف وغير السطحي الذي تولت كتابته الجميلة كلوديا مرشليان.

ثالثًا، يمكن التماس نجاح العمل برمّته يوم يعجز المشاهد عن القول: هذا هو البطل. الجميع أبطالٌ في “ثورة الفلاحين”، وكلما أقنعنا ممثلٌ بدوره جاء آخر ليغطي عليه.

رابعًا، سخاء الإنتاج على العمل التاريخي لجهة أماكن التصوير والأزياء والديكورات والأكسسورات والتي أبقت العمل نظيفًا بلا أخطاء وهفوات مكانية وزمانيّة تُذكر.

خامسًا والأهم، عدسة المخرج الشاب فيليب أسمر المبدعة والتي تتركك لوهلةٍ تظنّ نفسك بأنك أمام عمل هوليوودي مصوّر بتقنيات عالية وبعينٍ تحترم عينَ المشاهد وذوقه.

يروي المسلسل حكاية فلاحين يعيشون ظلم عائلةٍ إقطاعية كبيرُها نسر بكّ (نقولا دانيال)، فيحاول هؤلاء بلورة ثورةٍ تطيح الإقطاع وتحررهم من الظلم. وتعجّ الحبكة بكثير من فصول الحبّ الطبقي المستحيل والطمع بين أولاد العائلة الواحدة والانتقام. كلّ هذه الصعودات والنزلات تجعل من التشويق عنصرًا حاضرًا في كلّ حلقة. وإذا كانت مشاركة فادي ابراهيم ونقولا دانيال وجناح فاخوري وتقلا شمعون وختام لحام وورد الخال وسواهم من الممثلين القديرين إضافة حتمية، فإنّ الممثلين الشباب يصرون على ترك بصمة وعلى رأسهم سارة أبي كنعان وإيميه صياح، ليأتي بين الجيلين جيلٌ شابٌ هو الآخر يلامس خضرمة الكبار وبين صفوفه كارلوس عازار وفيفيان أنطونيوس ووسام حنا وباسم مغنية الذي شكل صدمة لمتابعيه الذين ما اعتادوا عليه بأدوار شريرة كدور “رامح”، الا انه وكالعادة يبدع في إتقان الشخصية.

“ثورة الفلاحين” عملٌ متكامل رغم بعض الاعتراضات على تصويره الإقطاعية على أنها وحش كاسر. عملٌ يستحقّ المشاهدة لواقعيته وضخامته. عملٌ يرفع من شأن الدراما الوطنية ويحجز لها موقعًا حتميًّا بين الدرامات المنافسة في المنطقة.

 

رامي قطار- “الأنباء”