“سيركوبوليس” يحبس انفاس ختام “بيت الدين”

خطف عرض “سيركوبوليس” العالمي أنفاس الحاضرين في ختامية ليالي بيت الدين للعام 2018، ففي عرض فني مبهر يمزج بين العاب الأكروبات والرقص والمسرح قدمت فرقة سيرك “إيلواز” الكندية عرضا ممتعا يختلف عن أنواع السيرك التقليدية التي اعتدنا على مشاهدتها داخل الخيمة الكبيرة وحول حلبة المبارزة الفسيحة حيث الحيوانات المروضة والعاب السحر والخفة.

“سيركوبوليس” عرض مسرحي من وحي قصة الفيلم الشهير “ميترو بوليس” من إخراج ديف سان بيير وجانوا بنشو، ومصمم الرقص ديف سان بيار، سبق تقديمه في أكثر من 23 دولة منذ انتاجه علام 2012، حيث جال على عدد من الدول العربية بينها السعودية والأردن والإمارات، قبل ان يختتم مهرجانات بيت الدين هذا العام. يحمل العرص في طياته المرح واللهو ورؤية إنسانية عن حرية الفرد وسط ضغوط الحياة ويومياتها المشحونة برتابة العمل في المدن الصناعية الكبيرة.

يبدأ العرض بمشهد رمادي قاتم في مدينة صناعية مجهولة تبدو من خلال مشاهد الفيديو المرافقة في الخلفية والأصوات الضخمة التي تعبر عن حركة الآلات الحديدية والممتزجة مع الموسيقى التي تؤشر الى اننا امام مشهد لمدينة رتيبة حزينة ينكب أهلها على العمل ليل نهار.

على مدى ساعة ونصف متواصلة، تناغمت فيه بانسجام دقيق حركة الممثلين العشرة الذي اتقنوا فن الأكروبات وفنون السيرك المختلفة مع الموسيقى التصويرية الساحرة وعروض الفيديو المبهرة، عاكسين ثقافات دولهم وجنسيات ولغاتهم المتنوعة على العرض حيث نجح المخرج في توليف هذا التنوع المتجانس في كسر حاجز الرتابة التي عاشتها تلك المدينة ليتخطى منها حدود الحياة الصناعية الثقيلة التي فرضت نفسها على المدينة، حيث ترمز المعدات العملاقة وألوان البوابات القاتمة، والمستوحاة من أفلام شارلي شابلن الصامتة وملصقات الاتحاد السوفييتي الدعائية، إلى قوة الآلة التي تُسحقً فيها المشاعر الإنسانية للفرد الذي يصبح جزءاً من الآلة في قلب عالم صلب ومدينة حديدية صناعية تفرض نفسها في كل شيء.

لكن الانسان المتحول دائما والتواق الى الحرية والذي نجح عبر العصور في تغيير واقعه والخروج من رتابته الى رحاب أخرى جسدها المخرج في “سيركو بوليس” بإدخاله الألوان كرمز للتغير وكسر للرتابة، فمع دخول الألوان، الأحمر والأصفر والأزرق، تتغير أحوال المدينة الغارقة في ضغوط الحياة، لننتقل منه الى عالم آخر يتحدى فيه الخيال الواقع ليكشف النقاب عن المستور والعزلة فيتواجه الروتين والتسلية، الرومانسية والحياة العملية، وتدخل المرأة كعنصر آخر لما لها من رونق وسحر وتكامل ولمسات بديعة مفعمة بالحياة تنشر الفرح والسعادة بدلاً من الرمادية والرتابة الثقيلة، مع قالب جاذب من الموسيقي راقصة وألعاب الجمنا ستيك واللوحات البهلوانية الملفتة والحركات الاستعراضية الفردية والجماعية المتقنة وفنون الأداء التي تعتمد على التوازن واللياقة البدنية والذهنية، تتحول المدينة الى عالم آخر من الجنون والفرح والسعادة والحب.

وتتالى المشاهد البهلوانية واللوحات الراقصة والمشاهد التمثيلية الضاحكة وتحتلّ العجلات والدواليب والديا بولو والحبال والعواميد وألعاب الخفة، الخشبة التي حولتها أجساد الراقصين والفنانين المرِنة، إلى تحفة فنية مليئة بالدهشة والمرح والتسلية. لتحبس أنفاس الحاضرين صغاراً وكبارا حتى يصح قول المثل الشائع ختامها مسك.

فمهرجانات بيت الدين التي بدأت لياليها هذا العام مع إطلالة مميزة للفنان زياد الرحباني، واستضافت في واحدة من أجمل لياليها الفنانة الفرنسية كارلا بروني، إضافة إلى قيصر الغناء العربي كاظم الساهرة غيرها من الليالي الساحرة، احسنت اختيار خاتمتها المبهرة في عرض “سيركوبوليس” من سيرك “إيلواز” الكندي.

*فوزي ابو ذياب- “الأنباء”