حقّ الأم اللبنانية بمنح الجنسية .. عين “تقدّمية” على حقوق الإنسان!

عادت قضيّة حق الأم اللبنانية المتزوجة من غير لبناني بمنح الجنسية لأولادها إلى الواجهة بعد تمرير مرسوم التجنيس الأخير الذي “وهب” الجنسية لعدد من الأجانب منهم فلسطينيين وسوريين لاعتبارات ومعايير ما زالت حتى الساعة ملتبسة، ما طرح أكثر من علامة استفهام حول مفهوم القيادات العليا في دولتنا العليّة لحقوق الإنسان والمواطن، ودورها في تكريس مبدأ “ناس بسمنة وناس بزيت” تحت سقف الوطن الواحد، ناهيك عن ضرب هيبة الهوية اللبنانية خصوصاً بعد ان اثبتت مراجعة الاسماء التي شملها المرسوم عدم أهلية بعضها لنيل الجنسية اللبنانية لاعتبارات أمنية غير مشرّفة!
ولعل الأكثر فظاعة في مشهد التجنيس الأخير هو تمسّك الذين أقرّوه بالمقابل برفض إعطاء المرأة اللبنانية المتزوّجة من أجنبي حقّ منح الجنسية لأولادها على الأقل ، إذا كانت المطالبة بالجنسية للزوج تدخل بازار التوطين الذي يتلطّون خلفه!

هذه القضيّة شكّلت محط اهتمام كبير من قبل نواب “اللقاء الديمقراطي”، وقد أعلن عضو اللقاء النائب هادي أبو الحسن مؤخراً عن بدء التحضير للتقدّم باقتراح قانون للجنسية يشمل حق الأم بمنح جنسيتها لأولادها ويقدّم حلاً لقضيّة مكتومي القيد. وليست هذه المرة الأولى التي يتطرق فيها الحزب التقدمي الإشتراكي لقانون الجنسية، بل إن نضاله يأتي استكمالاً لمسيرة المعلم الشهيد كمال جنبلاط، الذي كان تقدّم باقتراح قانون بشأن الجنسية اللبنانية في العام 1962، كما قدّم نواب اللقاء مراجعة للطعن بقانون استعادة الجنسية الذي تم إقراره في العام 2015. ويبرز دور كل من الحزب والإتحاد النسائي التقدمي مؤخراً في رفع هذه القضية الى الواجهة والنضال من أجل تثبيت هذا الحق لإنصاف المرأة اللبنانية.

وفي معرض التدقيق بقضيّة حق المرأة المتزوجة بإعطاء جنسيتها لعائلتها، لا بد من الإطلالة على الإطار القانوني الناظم لوضع المرأة في لبنان . ونذكر في هذا الإطار:

أولاً: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الامم المتّحدة والذي ينصّ بدايةً على ان “لكل إنسان حق التّمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة فيه، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو المولد، أو أي وضع آخر”، كما ينصّ في المادة 30 منه على أنه :لا يجوز تعسّفاً حرمان أي شخص من جنسيّته ولا من حقه في تغير جنسيته.

ثانياً: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي انضمّ إليه لبنان في 3 تشرين الثاني من العام 1972، يلزم كل الدول الأطراف باحترام جميع الحقوق الواردة في هذه الإتفاقية التي تنصّ في المادة الثالثة منها على “ضمان حق الرجل والمرأة على قدم المساواة في التمتّع بجميع الحقوق المدنية والسياسية”، كما تنص المادة 20 في الفقرة الثانية منها على “منع أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية تؤدي إلى التمييز او العداوة أو العنف”.

ثالثاً، وانطلاقاً من انضمام لبنان إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في 16 نيسان عام 1997، فإن هذه الإتفاقية تلزم الدولة اللبنانية بالنقاط الآتية:

1. حظر التمييز في الدساتير والتشريعات الوطنية.
2. تجسيد المساواة في الدساتير والتشريعات.
3. تعديل وإلغاء القوانين والأنظمة والاعراف والممارسات الإجتماعية والثقافية التي تشكّل تمييزاً ضد المرأة.
4. إتخاذ كل التدابير للقضاء على التمييز الذي يصدر عن أي شخص أو جهة.
5. أهمية اتخاذ تدابير أبعد من القانون لضمان المساواة للمرأة بحكم الواقع.

هذا الإطار القانوني العام يثبت أن قانون الجنسية اللبناني يكرّس العنف والتمييز المبنيّين على أساس النوع الإجتماعي ضد النساء.

كيف لا والمادة الأولى من قانون الجنسية اللبنانية تقول بوضوح تام “يعتبر الطفل لبنانياً إذا كان مولوداً لأب لبناني”. وبعبارة أخرى، فإن هذا القانون يجرد المرأة اللبنانية من حقها في منح جنسيتها لأطفالها في حال لم يكن الزوج لبنانياً”.
أخيراً، ولمّا كان قانون الجنسية يعود إلى عهد الإنتداب الفرنسي في العام ١٩٢٥. فلقد آن الأوان لإنهاء 93 عاماً من التمييز بحق الأم اللبنانية، ولإرساء منظومة قوانين جديدة تؤمن حقوق المواطنة الكاملة للنساء، بما يسهم بتحقيق وتعزيز العدالة الإجتماعية والسلم الأهلي.

(*) غنوة غازي – “الأنباء”