وليدجنبلاط يطوي صفحة النيابة: حقبة جديدة!

زاهي توفيق وهبي

أنباء الشباب

إنتهت ولاية المجلس النيابي القديم، بعد إقامةٍ مطوّلة لتسع سنوات، سئمت فيها جدران البرلمان الشّح في الجلسات التشريعية وإقرار القوانين، ناهيك عن تعطيل جلسات لأهداف سياسية استمر أكثر من سنتين ونصف. وإذا كان اللبنانيون يستبشرون خيراً بمرحلة ما بعد الإنتخابات، وبالوجوه الشابة الجديدة التي دخلت المعترك السياسي، فإنّ ساحة النجمة ستفتقد نجماً من نجومها الكبار، لطالما كان مالئ الدنيا وشاغل الناس: وليد جنبلاط، الذي قلّما يحضر جلسة نيابية ولا يكون نجمها الأول، بحنكته السياسية، وسرعة بديهته، وقدرته الفائقة على إيصال فحوى رسائل سياسية ببضع كلمات. ولعلّ أكثر من سيفتقد زعيم الجبل، صديقه دولة الرئيس نبيه بري، والذي تجمعه وإياه نضالات قديمة مشتركة، ورؤى سياسية موحّدة قلّما تتعارض، وكيمياء شخصية لا مثيل لها بين رجال السياسة في لبنان.

يغادر رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي مجلس النواب، ولا يغادر المسيرة. يغادر وليد بك المجلس، ولا يغادر السياسة: ترى كيف يغادرها وهو الأذكى في ممارستها، وهو الأخبرُ في خباياها، وسبر أغوارها، وتخطّي مطبّاتها الكثيرة؟ كيف يغادر السياسة اللبنانية من حمى لبنان في أصعب الظروف وأحلك الأزمات من الوقوع في الهاوية، ومن يدعو دوماً إلى الشراكة والتوافق في البلد، وعدم عزل أي مكوّن سياسي او طائفي؟

ينظر وليد جنبلاط كما كلّ اللبنانيين، إلى النائب تيمور جنبلاط، بكثير من الأمل: الشابّ الثلاثينيّ آثر، ومنذ تسلّمه الزعامة في آذار 2017، الإبتعاد عن حفلات “الدجل” الإعلامي، وفوضى التصريحات الفارغة، مردّداً بأنّه يهتمّ أكثر لهموم الناس وسماع معاناتهم. يستقبلهم السبت في المختارة، والثلاثاء في بيروت، يجلس بجانبهم و يسمع حتى النهاية، و يعدُ ويفي، وكم التقيت بمن أخبروني بأنّ تيمور بك قد حلّ مشكلاتهم الناتجة عن تقصير الدولة في الأساس، يرددون: إنّه الزعيم المتواضع، فيه من مثالية المعلّم كمال، ومن واقعية وليد بك، مع فكرٍ شبابي معاصر.

إذاً، وبعد 41 عاماً قضاها في تفاصيل السياسة وتشعّباتها، يجد وليد جنبلاط وقتاً أكثر للقراءة وللعائلة، ويترك لتيمور واللقاء الديمقراطي، بعد نيل ثقة الشعب، متابعة شؤون البلاد وهمومها، مع كتلةٍ نجحت رغم المحاصرة، في تثبيت موقع المختارة الوطنيّ، العابر للمناطق والطوائف.

صحيح بأنّه كان نائباً، ولكنّه قبل النيابة قائد، وقامة وطنية، وصانع معادلات. هو رجل سياسة عن حقّ، لا سياسيّ في زحمة الطّارئين على السياسة. هكذا سيبقى وليد جنبلاط في قلب المعادلة الوطنية، تجده عند كلّ استحقاق مفصليّ، وعند كلّ موقفٍ يستدعي حزماً ومسؤولية، حفاظاً على هذا اللبنان الذي يحبّ، وآخر الدلائل موقفه الصارم في حادثة الشويفات والذي حمى الجبل وأطفىء نار الفتنة في مهدها.

جلّ ما أتمنّى وما تتمنّى السياسة في لبنان: رجلٌ محنّك، يتنازل دوماً لمصلحة البلد. رجلٌ بحجم مصالحة الجبل، وثورة ١٤ آذار .

باختصار، وبعد عمرٍ طويل: وليد جنبلاط آخر.

(أنباء الشباب، الأنباء)