القدس الضائعة في حروب العرب! / بقلم ايهاب نصر

رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب إعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وطلب نقل سفارة بلاده إليها خلال ستة أشهر، حملات إستنكار عربية ودولية وتاكيد على حل الدولتين، دعوات لعقد اجتماعات فلسطينية وعربية وإسلامية، دعوات لتظاهرات واعتصامات أمام السفارات الأميركية في بلدان عدة، وماذا بعد؟

ماذا سيغير في حقيقة أن القدس منذ العام 1967 محتلة من قبل إسرائيل وتعمل على تغيير هويتها الديمغرافية والعمرانية، إلا تشريع أميركي لهذا الإحتلال بعدما غض النظر عنه منذ وقوعه؟

ماذا سيغير في حقيقة أن قرارات الشرعية الدولية تقف عند عتبة موافقة الدول الكبرى، وأنه يكفي أن تكون محمياً من دولة تملك حق النقض لتفعل ما تشاء تحتل بلداً أو ترتكب مجازر؟

ماذا سيغير في حقيقة أن الأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج، تعرف أن القدس محتلة واستغلت احتلالها في تثبيت دعائم حكمها وتشييد جدران سجونها ومعتقلاتها؟

ماذا سيغير في حقيقة أن الشعب العربي يعرف أن القدس محتلة ولكنه ينوء تحت عبء القمع والفقر والخوف، يعرف أن الفلسطينيين مظلومون ولكنه أيضا مظلوم كل في بلده؟

انتفاضة

منذ منتصف القرن الماضي، الأنظمة العربية قمعت شعوبها باسم تحرير فلسطين، وصادرت الحريات وعطلت الديمقراطية وفرضت حالة الطوارئ باسم فلسطين والقدس، وكانت الشعوب العربية تتفاعل مع القضية الفلسطينية وتنزل في تظاهرات وتشارك في فعاليات ليس فقط بدافع القناعة بأحقية الشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته وليس لايمانهم بالعروبة فقط بل لأنه الباب الوحيد الذي فتحته الأنظمة ويمكن من خلاله أن يعبروا عن ذواتهم وقناعاتهم وألمهم دون أن يتعرضوا لاعتقال ومساءلة.

منذ منتصف القرن الماضي، كانت القومية والوحدة العربية ورفض تقسيم سايكس بيكو أساساً في ثورات إستقلال البلاد العربية وفي إرساء أنظمة الحكم فيها الذي غلب عليها الطابع العسكري، وبعد إنجاز الإستقلال أصبح كل نظام منشغل في تثبيت حكمه وحذر من أطماع الأنظمة الأخرى، الوحدة بين مصر وسوريا فشلت لأن السوريين اعتبروا أن الوحدة هي إحتلال مصري ناصري مقنع، النظام السعودي والخليجي بشكل عام رأى في عبد الناصر خطراً على النظام الملكي، ونظامي البعث في سوريا والعراق شعرا باطماع أحدهما بالآخر ورغبة كل منهما في قيادة الآخر، والنظام المغربي شعر بتهديد النظام الجزائري لنظام حكمه وهكذا دواليك.

والشعوب العربية كانت تنام وتصحو على شعارات الوحدة العربية من جهة وتخوين الأنظمة الاخرى الشقيقة من جهة أخرى فلم تعد تعرف من هو العدو إسرائيل أم النظام الشقيق؟

وبعد قيام الربيع العربي وسقوط بعض الأنظمة وانسحاب أميركا من العراق، غرقت الشعوب العربية من سوريا إلى العراق وليبيا واليمن في دوامة الحروب الأهلية التي فتحت شهية الدول الإقليمية للسيطرة وبسط نفوذها، ولا سيما إيران التي حضرت بقوة في كل الساحات في سوريا والعراق واليمن والبحرين وأصبحت تحاصر دول الخليج العربي التي حافظت على انظمة الحكم فيها.

فدول الخليج تستشعر اليوم خطراً إيرانياً أكبر بكثير من الخطر الإسرائيلي وأصبح هدفها الأول وضع حد للنفوذ الإيراني وحماية نفسها من تمدده، قلق وصل إلى حد فقدان الثقة والتخبط بصراعات داخلية وبتسرع في السياسات الخارجية.

اليوم لم تعد إسرائيل قوة إحتلال وحيدة في المنطقة فايران وتركيا وسوريا دخلوا في نادي المحتلين، والشعوب العربية لا سيما تلك التي تشهد نزاعات وحروب فقدت هويتها الوطنية قبل القومية، وأصبح لكل شعب ماساة تعادل ماساة الفلسيطينيين من قتل وتهجير وتعذيب.

لم يبقَ لفلسطين إلا أهلها للدفاع عنها وعن هويتها العربية، والمطلوب من السلطة الفلسطينية اليوم أكثر من أي وقت أن تحصن جبهتها الداخلية وأن تدير هذا الصراع بتأن وصبر وحكمة وتشتري الوقت على أمل قيامة العرب!

(الأنباء)