لبنان يستحقّ المحاولة وهذه رسالة تيمور جنبلاط!

وليد صفير 

إنطلاقًا من كلمة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط فــي الذكرى الاربعين لاستشهاد كمال جنبلاط في 19 آذار، لا سيما عنوانها “إدفنوا موتاكم وانهضوا”، هناك دعوة واضحة وقرار واضح بالنهوض والانطلاق والعمل والنضال وفقًا لركائز تضمّنها هذا الخطاب التاريخي، في هذا اليوم الكبير المخصّص لمناسبة استشهاد المعلم، وقد كانت الرسائل مصيرية، بل واضحة وصريحة، وارزها:

– يدعو جنبلاط إلى النهوض وتجاوز المحن والانطلاق، وبالتالي لا بدّ أن تتمظهر هذه الدعوة وتنتقل إلى حيّز التنفيذ باتجاهات ومبادرات عدّة.

– تضمّن الخطاب رسالةً واضحةً، ليس فقط إلى المسيحين والدروز، بل إلى كافة شرائح المجتمع اللبناني وطوائفه وأحزابه، عندما قال: “إنّه مهما كانت التضحيات فتبقى أقلّ ضررًا بكثير من أضرار الحرب…”. وهذه الرسالة هي، وكالعادة، دعوة إلى وأد أية فتنة، ودعوة إلى التواصل والحوار، وتحذير من الصراعات.

– وتضمّن الخطاب فيما خصّ مناسبة استشهاد المعلّم، نقطةً مهمّةً جدًّا، تتجلّى بتوحيد المصيبة، أو الذكرى الحزينة، أو الحادثة، التي حصلت في ذاك اليوم، عندما قال: إنّه ارتدى عباءةً ملطّخةً بالدم، دم والده ورفاقه ودم الشهداء الأبرار الذين سقطوا في هذا اليوم المشؤوم، وإنّها رسالة تدلّ على أنّ المصيبة واحدة في هذا اليوم. وفي هذا السياق، تتمّ دراسة مبادرة مهمّة تجري بلورة تفاصيلها، بالاشتراك مع المرجعيات الروحية والحزبية، وبمشاركة فعاليات متعدّدة، وسيُعلن عنها في حينه.

– هناك إصرار على تثبيت المصالحة والعيش الواحد والمشاركة والسير بمرحلة جديدة من التاريخ بقيادة تيمور جنبلاط، لا سيّما وأنّ رئيس الحزب قد ألبسه الكوفية وأشار عليه بالانطلاق والنهوض، وفقًا لتوصيات عدّة وردَت في خطابه.

وإنطلاقاً ممّا ذُكر، وعملاً به، ووفقًا له، بادر تيمور جنبلاط إلى زيارة أبرشية صيدا ودير القمر للموارنة حيث التقى المطران مارون العمار، كما زار أبرشية صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك وإلتقى المطران إيلي الحداد، وكان لافتًا شعور المحبّة المتبادل خلال اللقاءين، وقد تمّ التعبير عن هذا الشّعور، مع الاتفاق وبإصرار، على ضرورة إستمرارية التواصل والمتابعة الفعّالة لكافة الشؤون وتكرار اللقاءات، إن كان في صيدا أو في دير القمر أو في المختارة أو في بيت الدين أو في غيرها من المناطق، مع الإصرار على أن تنسحب هذه اللقاءات المتوّجة بالمحبّة، وهي الأساس، على جميع شرائح المجتمع اللبناني عامّةً، وفي الجبل خاصّةً.

فإنّ رئيس الحزب وتيمور جنبلاط والمختارة، والكنيسة بشكل عام، والبطريركية المارونية بشكل خاص، وعبر التاريخ والعصور، كان وما زال همُّهم الأول والأخير لبنان، وهم على يقين بأنّنا جميعًا على هذه السفينة التي دعا رئيس الحزب إلى إنقاذها… كيف لا، وتاريخيًّا، وعلى مرّ مئات السنين، كان الانصهار والعيش الواحد المبدأ والأساس، وهما السائدان، بل أكثر من ذلك، فقد كان للكنيسة دورًا رائدًا في ترسيخ الانصهار والعيش الواحد، إلى درجة أنّه كان يُطلق في الفاتيكان على رهبان لبنان لقب (الرهبان الدروز)، وهذا موثّق، أمّا ما حصل في الأيام السوداء فهو استثناء ولن ندخل في تفاصيله وأسبابه، ولكنّ المبدأ هو الأساس ولا بد من ترسيخه.

كما أنّه من المعروف لدى الجميع، ولدى المختارة بشكل خاص، أنّ الكنيسة لم تساوم يومًا على وجود لبنان ووجود المسيحيين فيه، فهي الحامي الأول لهم والمرجع الأساس، وكل ذلك ثابت عبر محطّات تاريخية معروفة، ولا بدّ أن يستمرَّ هذا الدور الجوهري وأن يفعل أكثر فأكثر. ونذكر أنّه ليس منذ زمن بعيد، كان الإرشاد الرسولي الذي وصف لبنان ببلد الرسالة، رسالة العيش الواحد، ودعا إلى التدخّل الفعّال والمستمرّ، كما دعا إلى التوعية اليومية في المجتمع وفي المدارس والكليات من أجل ذلك، وبالتالي إنّ التواصل مع الكنيسة في هذا الإطار طبيعيّ ومهمّ جدًّا، ودور الكنيسة رائد في ترسيخ الوحدة الوطنية والحفاظ على لبنان والمسيحيين فيه.

والكنيسة موضع ثقة وأحترام كبيرين بالنسبة إلى المختارة، إذ إنّ المختارة كلّها آذان صاغية للكنيسة وتأخذ في رأيها وتستمع إلى ملاحظاتها في تصويب أي خلل أو أي شائبة، لا سمح الله.

وانطلاقاً من ذلك، كان من الطّبيعي أن يقوم تيمور جنبلاط بزيارات مهمّة كهذه، والتي ستُتابَع لتشملَ كافّةَ مرجعيات الطوائف المسيحية الأخرى، إضافةً إلى كافة المرجعيات الدينية اللبنانية.

هذا بالاضافة إلى كون الحزب التقدمي الإشتراكي نحترم كافّة الأحزاب بما تُمثّل، قيادةً وقاعدةً وجمهورًا، صغرت أم كبرت، والتعارف والتواصل مع القواعد الحزبية ضروريّ وأساسيّ، لأنّنا معها أيضًا نُحقّق المشاركة الفعّالة، ولكن القاعدة الحزبية بشكل عام يكون حزبها وقيادته مرجعيّةً لها، ومن ممكن أن تتعدّد الأحزاب، والقواعد الحزبية، إلاّ أنّه أحياناً في الوقت نفسه، يكون لأفراد القاعدة  الحزبية المتعدّدة مرجعية دينية واحدة، وبالتالي نرى أنّ ثمّة فارقًا بين الحزبيّة، التي نُقدّر ونحترم، وبين المرجعية الدينية التي ينحصر بها حق التحدّث باسم الطائفة وباسم رعاياها، كما ينحصر بها حق إدارة شؤون الطائفة.

ونحن نرى أنّ دورَ الأحزاب مهمّ، ويجب أن يكونَ شاملاً وعابرًا للطوائف ويهتمّ بشؤون اللبنانين على اختلاف طوائفهم. وعندما نرى الحزب التقدمي الاشتراكي يطالب بحقوق الناس وبحماية مصالحهم على مستوى الدولة، فهو لا يطالب بحقوق طائفة ما، إنّما بحقوق مواطن، ولن يسمح الحزب ورئيسه بحصره بطائفة ما، فنحن حزب جماهيري عابر للطوائف لا يُمثّل طائفة وليس من شأننا أن نتحدّثَ باسم طائفة معيّنة.

من هذا المنطلق، نحن نرى أنّ من الأجدى ان تكون المرجعيات الدينية هي المتكلمة باسم طائفتها ورعاياها، إذ هي الأعلم بمصالحهم كطوائف وأديان، وبالعودة إلى شعار حزبنا، نرى اللون الأزرق فيه يرمز إلى أنّ الحزب لا يتنكّر للظاهرة الروحانية في حياة الكائن البشري، بل يعتبر هذه الظاهرة دائمةً على مدى العصور في حياة الفرد والجماعة.

لذا، نحن نفهم كافة الخصوصيات، ومن هذا المنطلق سوف نتحاور مع الجميع ونلاقيهم ونتشارك وإياهم في بناء هذا الوطن وتثبيت العيش الواحد على مستوى القاعدة والمجتمع، ونعمل الى إنقاذ لبنان (السفينة)، كما قال رئيس الحزب، ولا خيار لنا إلا الدولة والقانون وحفظ حقوق الجميع، على قاعدة أن ينال كل مواطن حقوقه، مهما كان المسؤول عنها، ومهما كانت طائفته، وحينها يشعر المواطن بالأمان والاستقرار، ولا يعود أمرًا مهمًّا لديه هوية الأشخاص الذين سيتبؤون المراكز ولا يعد مهم ما هي طوائفهم ، أو لمن هذا المركز…. أو ذاك إلخ… إذا كان هذا حلمنا، فلولا الحلم لا أمل ولولا الأمل لا أهداف.

لا شك في أنّ عمل مستمرّ وجهود جبّارة تنتظرنا للسّير نحو هذه الأهداف وتحقيقها… ولكن، وكما قال رئيس الحزب، لبنان يستحقّ المحاولة.

(*) عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي