حرب الفيتوات المتقابلة تهدر فرص تأليف الحكومة وتعوق انطلاقة العهد!
ناجي مصطفى (الأنباء)
18 نوفمبر 2016
لا يمكن وصف المشهد السياسي اليوم الذي يواكب عملية تأليف الحكومة بأقل من حرب “الفيتوات” المتبادلة بين معظم القوى السياسية التي تلهث جاهدة وراء تحصيل هذه الحقيبة الوزارية ام تلك، فيما كان يأمل غالبية اللبنانيين ان يروا اندفاعة في التأليف تجاري الاندفاعة التي شهدتها عملية انتخاب رئيس الجمهورية او تكليف الرئيس الحريري لترؤس الحكومة الاولى للعهد الجديد.
ولعل الافراط في التفاؤل الذي عم شرائح واسعة من اللبنانيين قد بدأ يتراجع تدريجيا مع كل يوم يمر دون تمكن الرئيس المكلف من اعداد توليفة حكومية مقبولة تشكل صدمة، ولو بحدها الادنى، للرأي العام المحلي الذي مل من حالة الفراغ والشلل التي عاشها على امتداد الثلاثين شهرا الماضية.
والانكى ان شريحة واسعة من الاعلاميين قد جارت وروجت لموجة الافراط في التفاؤل بحيث راحت ترسم سيناريوهات حالمة عن صورة جامعة لاركان الحكومة يحيطون بالرئيس المنتخب على منصة عرض الاستقلال في الاحتفال المركزي الذي من المقرر ان يقام في وسط العاصمة الثلاثاء المقبل، وكأنه لم يمر على هؤلاء الاعلاميين مشاهد استعصاءات ومناكفات واكبت عمليات التأليف الوزاري في السنوات الماضية والتي بلغت حد التعطيل والشلل ارضاء لدلال هذا الطرف او ذاك.
ولعل أكثر ما يؤلم في كل ما هو حاصل ان الخلاف المانع للتأليف حتى الساعة ليس اختلافا على البرامج التي ستعتمدها الحكومة او في المقاربات المختلفة للملفات السياسية او الاقتصادية او المالية او الاجتماعية، انما خلافات على الحصص والاحجام والحقائب، وكأن اهتراء الاوضاع في البلاد يحتمل مثل هذا الترف الطفولي المراهق، حيث ازمة المديونية العامة والبطالة وهجرة الشباب بلغت حدودا غير مسبوقة تهدد ما تبقى من كيان ودولة قبل ان يجري تصنيف لبنان نهائيا في عداد الدول المارقة غير القابلة للحياة.
انها أزمة طبقة سياسية تنظر الى المواطنين بوصفهم رعايا والى الدولة بوصفها باب المغانم الذي منه يجري النفاذ الى “جنة” السلطة لجني المكاسب والارباح عبر مشاريع وتلزيمات تحقق المنافع الخاصة لها على حساب المنفعة العامة لعموم المواطنين. القوى التي لم تبد شراهة في الاستيزار معروفة، وهي قليلة في كل الاحوال، ولعل حزبنا يأتي في مقدمتها، فالحزب التقدمي الإشتراكي منذ ان فتح بازار الحقائب ابدى تعففا وترفعا يحسب له، لم يطلب حقيبة بذاتها كما لم يتوقف عند شكل الحكومة العتيدة ثلاثينية كانت أم من أربع وعشرين وزيرا، المهم كان ولا يزال لديه ان تجري الاستفادة من الزخم الذي انطلق فيه العهد، والاهم الاستفادة من اللحظة الدولية والاقليمية التي اتاحت اقتناص التوافق على الاستحقاق الرئاسي بعد طول استعصاء وعلى عودة الرئيس الحريري على رأس الحكومة الموعودة.
وهذا ان دل على شيء انما يدل على تبصر وحرص كبيرين على توطيد الاستقرار الداخلي في لحظة اشتعال المنطقة وفي لحظة تحولات كبيرة وخطيرة قد تغير وجه الاقليم لعشرات قادمة من السنين. فهل من يلتقط الفرصة ويعيد النظر في سياساته والكف عن اعتبار عملية تأليف الحكومة ملعبا لتصفيةالحسابات الصغيرة؟ فالوقت وقت العمل والانتاج وما ينتظر هذه الحكومة كثير كثير من الملفات الصعبة والشاقة، من التصدي لمشكلة التنامي الخطير للدين العام في مقابل تضاؤل حجم الاقتصاد الوطني اضافة الى ارتفاع معدلات البطالة وتقلص حجم الاستثمار المحلي والخارجي وارتفاع وتائر الهجرة للكفاءات المتخصصة، ناهيك عن استمرار أزمات الكهرباء ومياه الشفة والنفايات وضعف الاجور وغيرها الكثير التي تحيل حياة اللبنانيين جحيما لا يطاق.
لقد شكل اداء الحزب التقدمي الاشتراكي في الحكومة الحالية علامة فارقة في الاداء الاحترافي الرفيع سواء في وزارة الصحة ام على مستوى وزارة الزراعة حيث توجه الجهد كله من قبل وزيرينا الى خدمة اوسع شرائح من الشعب اللبناني لا سيما من محدودي الدخل ناهيك عن تنكب وزير الزراعة عبء المسؤولية عن ملف النفايات الخطير الذي تقاذفته جميع القوى وتنصلت من تحمل تبعاته، رغم ان هذا الملف لا يدخل في صلاحيات وزارته.
واذا كان نجاح التجربة هو معيار التوزير فان الحزب يفترض به اول من يطالب بالحقائب السيادية او الخدماتية استنادا الى نجاحاته التي يشهد عليها جميع اللبنانيين ومع ذلك ترفع الحزب عن الدخول في بازار المساومات. انه انموذج الحزب الطليعي الذي اراده كمال جنبلاط ان يكون في خدمة المواطن لا عالة عليه، وان يكون القدوة في الاداء والممارسة ومدرسة في التضحية والعطاء في سبيل الوطن.
(الأنباء)