للتذكير فقط…

ريما صليبا (الأنباء)

نصت مقدمة الدستور اللبناني تحت عنوان الاحكام الاساسية في الفقرة (ب) “لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء.”

بالتالي من الاحكام الأساسية للدستور اللبناني، أن لبنان ملتزم الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وقد خص هذا الإعلان بالاسم ولم يعتبره كأي إعلان آخر من الإعلانات التي يلتزم بها.

وحيث أن الدستور هو النص القانوني الأسمى ويقدّم تطبيقه على سائر النصوص الأخرى التي لا يجوز لها مخالفته، وحيث أن المعاهدات الدولية تأتي في المرتبة الثانية من حيث قوتها في التطبيق، ويعتبر الاعلان العالمي لحقوق الانسان من أهم تلك المعاهدات، لا سيما أن الدستور اللبناني خصّه في مقدمته مميزاً إياه عن سواه، بالتالي رفعه الى مستوى المبادئ الدستورية التي يفترض أن تتقدم على أي نص قانوني آخر، نرى أنه لا بدّ من توجه بعض الأسئلة أو الاستفسارات حول الحكم الصادر بحق قاتل المجني عليها منال عاصي.

باستعراض بعض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومقاربتها مع هذه القضية يقفز إلى الذهن بعض التساؤلات.

إذا كانت المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق.

وإذا كان الطبيب الشرعي قد ذكر في تقريره بأن منال عانت جراء الضرب المبرّح من كدمات في الجبين والعينين والخدين وجرح بعرض 7 سنتم في الفم، وجروح في الكتفين والرقبة والثديين والخاصرتين والمؤخرة وأصابع اليدين، كما أقدم المجرم على سحلها من شعرها ورماها بطنجرة الضغط، ليقوم أخيراً بامتصاص الدم من فمها وبصقه في وجه والدتها.

أين كرامة منال وأهلها، خاصة والدتها، في هذا العمل الهمجي الذي أقدم عليه القاتل الذي نال اسباباً تخفيفية في الحكم الصادر بحقه؟

وإذا كانت المادة الثانية من الاعلان عينه تقرر أنه لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، وغير ذلك.

هنا نسأل لو أقدم زوج منال على خيانتها وأقدمت على هذا التصرف، هل كانت المحكمة ستراعي غضبها وتمنحها الأسباب التخفيفية عينها ملتزمةً بالإعلان العالمي لحقوق الأنسان؟

وإذا كانت المادة الثالثة تنص على أنه لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه. فهل تنبهت المحكمة إلى حق منال في أمانها على نفسها؟

وإذا كانت المادة الرابعة تنص على أنه لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده. فكيف تغاضت المحكمة عن استعباد منال من قبل زوجها واعتبر أنها سلعة يمكن الاستغناء عنها إذا لم تلب حاجته ونزعاته؟

وإذا كانت المادة الخامسة تنص على أنه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. فهل أن المحكمة تعتبر ما أقدم عليه الجاني عملاً لا يصنف من أعمال التعذيب والمعاملة القاسية؟ وإذا كان كذلك فما هي أعمال التعذيب والمعاملات القاسية في نظرها؟

وإذا كانت المادة السادسة تنص على أنه لكل إنسان، في كل مكان، الحق بأن يعترف له بالشخصية القانون.

ألم تر المحكمة أن تصرف القاتل يجرد منال من شخصيتها القانونية ويعتبرها مملوكة من قبل زوجها، له الحق التصرف بها، نعم بها، كما يشاء ويحلو له وكأننا في عهود ما قبل التاريخ يوم لم يكن للرقيق من شخصية قانونية؟

manal

وإذا كانت المادة السابعة تنص على أن الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز. فاين حق الحماية من قبل القانون لمنال التي نرى أن الحكم أتى مخففاً حتى لو كان عقاباً عن أعمال التعذيب التي أقدم عليها القاتل ولو لم يرتكب جريمة القتل العمد.

وإذا كانت المادة العاشرة تنص على أنه لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظراً منصفاً وعلنياً، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه. هل لنا أن نسأل أين هي تلك المحكمة، التي تناولتها هذه المادة، والتي حاكمت منال محاكمة عادلة منصفة وأدانتها بتهمة الزنا؟

وإذا كانت المادة الحادية عشر تنص على أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.

هل أن منال تمت محاكمتها علناً أمام هكذا محكمة؟ وهل أعطيت الحق بأي من هذه الضمانات للدفاع عن نفسها؟ أم تمت محاكمتها غيابياً ودون علمها بهذه المحاكمة التي أدانتها بحكم مبرم؟ رغم ان هذا الحق مقدس يجب أن يناله المتهم وإلا كان الحكم باطلاً بطلاناً مطلقاً؟

ما سبق ذكره لا يعفينا من تناول المواد ذات الصلة بالجريمة الشنيعة من قانون العقوبات اللبناني، لا سيما التعديلات التي لحقت به.

من المعروف فقهاً واجتهاداً، عند عدم وضوح النص، أن تلجأ المحكمة الى نية المشرع في تفسير النص القانوني الواجب تطبيقه. وفي قضية منال إذا كان الأمر التبس على المحكمة نلفت إلى ما يلي:

بتاريخ 20/2/1999 صدر القانون رقم 7 الذي عدّل المادة 562 فقضى باستفادة القاتل من العذر المخفف من فاجأ زوجه او أحد اصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود أو في حالة ……، بعد أن كانت هذه المادة تنص على العذر المحل من العقوبة، بالتالي توجه المشرع حينها الى فرض عقوبة مخففة بدل الإعفاء من العقوبة في هذه الجريمة. ولكن ما غاب عن بال المحكمة في قصية منال ان المشرع عاد بتاريخ 17/8/2011 وأقر القانون رقم 162 فألغى المادة 562 من قانون العقوبات، مما يدل بشكل واضح على نيته في معاقبة القاتل الذي يقدم على جريمة القتل في هذه الحالة كأي قاتل آخر في أي جريمة أخرى.

كما أنه بتاريخ 7/5/2014 صدر القانون رقم 293 الذي تناول بعض مواد قانون العقوبات بالتعديل، يهمنا هنا أن نتناول منها المادتين 547 و 549.

المادة 547 اصبحت بعد هذا التعديل تنص على ما يلي:

من قتل انسانا قصدا عوقب بالأشغال الشاقة من خمس عشرة سنة الى عشرين سنة.

تكون العقوبة من عشرين سنة الى خمسة وعشرين سنة إذا ارتكب فعل القتل أحد الزوجين ضد الآخر.

هذه المادة 547 تدل بشكل جلي على نيّة المشرع في توجهه إلى التشدد في حماية أفراد الأسرة من خلال اضافة نص الفقرة الثانية. فهل تنبّهت المحكمة إلى التدرج الذي اتبعه المشرع لجهة التشدد في حماية الأسرة لا سيما النساء فيها؟

أما المادة 549 اصبحت تنص على ما يلي:

يعاقب بالإعدام على القتل قصدا اذا ارتكب:

1- ………

3- على أحد أصول المجرم أو فروعه.

4- في حالة أقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الاشخاص

5- ……

المادة 549 هذه قررت بشكل واضح وجلي نية المشرع على عقوبة الاعدام لمن أقدم على أعمال التعذيب أو الشراسة كما فعل قاتل منال عاصي. بالطبع لسنا مع عقوبة الإعدام ونحن من المطالبين بإلغائها ولكن ذكرناها هنا لنقول أنه ولو رأت المحكمة أن تمنح القاتل أسباباً تخفيفية في هذه الجريمة، رغم وضوح نية المشرع بعدم منح أسباب تخفيفية في جرائم التي سميت خطأ (جريمة الشرف) من خلال الغائه المادة 562، فإن المادة 253 عقوبات التي تناولت الاسباب المخففة في الجنايات قررت بأن تستبدل عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة أو بالأشغال الشاقة المؤقتة من سبع سنوات إلى عشرين سنة.

بالتالي وإن تجاوزت المحكمة نية المشرع في عدم اعتبار هذه الجريمة من الجرائم التي يمكن منح أسباب كان الأحرى بها أن تصدر عقوبة لا يمكن أن تقل عن سبع سنوات أشغال شاقة كحد ادنى، هذا إذا كان لها الحق بمنح العذر المخفف.

“…للتذكير فقط..”

اقرأ أيضاً بقلم ريما صليبا (الأنباء)

ويبقى لنا أمل …