إيران تنتظر أخذ حصتها في المنطقة لتسهّل انتخاب رئيس توافقي للبنان

اميل خوري (النهار)

يمكن القول إن أسباب استمرار الشغور الرئاسي باتت معروفة لدى القاصي والداني وما لم تلتق إرادة الخارج مع إرادة الداخل لانتخاب رئيس فإن هذا الشغور سيستمر الى أجل غير معروف أو الى حين يصير اتفاق على أي لبنان نريد.

أما الأسباب فهي الآتية:
أولاً: إيران التي اختطفت رئاسة الجمهورية وجعلتها رهينة لا تفرج عنها الا بثمن غير معروف حتى الآن. ولكي تضع ايران نفسها خارج المسؤولية فإنها تلقيها على عاتق القادة في لبنان بتكرار القول لكل من يتصل بها سعياً للإفراج عن الرئاسة “إن الانتخابات الرئاسية هي شأن اللبنانيين وحدهم ولا تدخل لأي خارج فيها”. وتنسى إيران بقولها المضلل هذا أنها هي التي طلبت من “حزب الله” إرسال مقاتليه الى سوريا كي يقاتلوا الى جانب جيش النظام دفاعاً عنه ولم تقل إن هذا هو شأن اللبنانيين الذين اتفقوا على أن ينأوا بأنفسهم عن الحرب في سوريا وعن كل ما يجري حولهم، وهي السياسة التي اعتمدتها حكومة الرئيس ميقاتي وقد عرفت بحكومة “حزب الله”، ورغم ذلك فإن إيران فرضت على الحزب مخالفة هذه السياسة وإغراق لبنان في أزمة تشكيل حكومة جديدة خلفاً لها وقد ساعدت إيران في تأليفها بعد مرور 11 شهراً على أزمة التأليف لتجعلها بديلاً من رئاسة جمهورية شاغرة مهما طال أمد شغورها ولتظل قادرة على التحكم بقرارات هذه الحكومة ومصيرها بغية ترك باب الفراغ الشامل مفتوحاً ساعة تريد إيران فتحه. وما من دولة كبرى أو صغرى استطاعت أن تؤثر على إيران حتى الآن لتفرج عن رئاسة لبنان أو تساعد على فصل الاتفاق على هذه الرئاسة عن أزمات المنطقة ولا سيما في سوريا، مكررة القول عند كل اتصال لهذه الغاية: إن رئاسة لبنان هي شأن اللبنانيين وحدهم، وتقول لفريق منهم مرتبط بها وهو “حزب الله” ألا يسهّل انتخاب رئيس للجمهورية حتى ولو كان من خطه السياسي فيستمر نواب الحزب في مقاطعة جلسات الانتخاب الى أن تقول إيران كلمتها ولا أحد يعرف متى تقولها وما هو الثمن…
ثانياً: العماد عون الذي يحظى ترشيحه للرئاسة بتأييد قوتين مهمتين: “حزب الله” و”القوات اللبنانية”، ورغم ذلك فإنه يظل متضامناً مع الحزب في مقاطعة جلسات الانتخاب إرضاءً له وخوفاً من أن يخسر تأييده ولم يتضامن مع “القوات اللبنانية” المؤيدة له أيضاً أقلّه التزاماً منه لورقة “إعلان النيات” التي نصّت بوضوح وصراحة على “التزام وثيقة الوفاق الوطني واحترام أحكام الدستور من دون انتقائية وبعيداً من الاعتبارات السياسية والتفسيرات الخاطئة”. فلماذا يبقى العماد عون متضامناً مع “حزب الله” في مقاطعة جلسات الانتخاب ولا يتضامن مع رئيس القوات اللبنانية بحضورها خصوصاً أنه بمجرد حضوره يتأمن النصاب، أليس في ذلك خدمة لأهداف إيران وسياستها في المنطقة وانتصاراً لهذه السياسة وهو قد يكون أهم من الرئاسة ذاتها؟ وكيف يستطيع العماد عون أن يجمع بين تحالفه مع “حزب الله” وتحالفه في الوقت نفسه مع “القوات اللبنانية”، ولكل منهما خط سياسي يتعارض مع خط الآخر وكأنه يريد الزواج من اثنين ولكل زوجة وظيفة…؟
ثالثاً: المرشح سليمان فرنجيه المؤيَّد من “تيار المستقبل” لا يزال يقاطع جلسات انتخاب رئيس الجمهورية تضامناً مع “حزب الله” ولا يتضامن مع “تيار المستقبل” بحضورها لئلا يخسر تأييد “حزب الله” ولا يريد بالتالي إذا حضر وانتخب رئيساً أن يكون رئيساً طرفاً يعاديه طرف آخر هو “حزب الله” الذي لمعارضته شأن كبير فينزع عن فرنجية صفة الرئيس التوافقي الذي لا يستطيع أن يحكم خصوصاً في ظل سلاح الحزب الذي منع رؤساء قبله من الحكم أيضاً.
رابعاً: إن “حزب الله” ليس جاهزاً بالوقت الحاضر لانتخاب أي رئيس حتى ولو كان من خطه السياسي الى أن تقول إيران كلمتها، وهذه الكلمة لن تقولها إلا بعد أن تقبض ثمناً يحدد حجم دورها ونفوذها في المنطقة ولا سيما في سوريا.
الواقع أن إيران عندما تأخذ ما يرضيها في المنطقة فإنها تصبح مستعدة لأن تعطي في لبنان رئيساً من خطها السياسي أو حتى من غير خطها أي رئيس مستقل يكيّف سياسته مع ما تقضي به الظروف والتطورات والمعطيات. وما دامت إيران لم تحصل حتى الآن على ما تريد فإنها لن تعطي لبنان ما يريده… فلا انتخاب اذاً لأي من المرشحين الموالين لها وهما عون وفرنجية ولا اتفاق على مرشح مستقل في انتظار أن تقرر إيران أي ثمن تريد حتى إذا حصلت عليه فإنها تتدخل عندئذ لسحب أحد المرشحين عون أو فرنجية للآخر. حتى اذا كان ذلك مرفوضاً بعد حصولها على الثمن الذي تريده فإنها تسحب عندئذ هذين المرشحين لمصلحة مرشح آخر تنطبق عليه مواصفات التوافق ليفوز بالتزكية…
فلننتظر إذاً إيران، ولكن الى متى يبقى لبنان حياً؟…