أي أولوية للصحافة اليوم: القيم أم المبيعات؟

بقلم سامر بو كروم

أنباء الشباب

بين الصَّحافة والقارئ علاقةٌ معقدةٌ تفاعلية، تغيَّرت كثيرًا مع نهوض وسائل التَّواصل الإجتماعي. كانت الجريدة مصدر الأخبار العالمية والمحلية، تٌلقي بنشرتها الإخبارية على القارئ، وتُغنيه ببعض المعلومات الثقافية والاقتصادية والفنية وغيرها. أمَّا اليوم، ضعفت الصحيفة الورقية، ونمت الصفحات الالكترونية التي تعتمد على عدد المُشاهدين وزائري هذه الصفحات.

ومع تسارع الأحداث الأمنيَّة والاقتصادية اقليميًّا وعالميًّا، وسهولة التَّواصل، أصبح الخبر القصير سيِّد الموقف، وأضحى دور الصحف تحليليًّا لا اخباريًّا. لكنَّ التغيير المؤسف يكمن في نوعية الأخبار المُنشرة، والصُّور المُعلَّقة، والتَّعابير المُستعملة. بعيدًا عن أخبار السياسيين والمشاهير، تعتمد بعض الصفحات الالكترونية اليوم لجذب القُرّاء وزائري الصفحة على إثارة الغرائز والشهوات، غير آبهين لما في ذلك من تأثيرٍ سلبي على القيم الإجتماعية والهوية الوطنية والأوضاع الأمنية.

على الصَّعيد الأمني، بدل أن تلعب اليوم دور الحكيم الحريص على السِّلم الأهلي، تستثمر الصحافة الحقد الطَّائفي والسِّياسي والمناطقي الموجود بين مختلف الأطراف للحصول على أكبر عدد من القراء. فعندما تتصفَّح الأخبار والصُّحف اللبنانية، نقرأ عن مقتل شابٍّ “شيعي” بعد إصابته بطلقة نارية أطلقها شاب “سني” في المنطقة الفلانية، وآخر سوري “داعمٌ للنظام” توفِّي في حادث سير… إلخ، فتنتقل المشاكل من مشاكل فردية إلى مشاكل مناطقية، ممّا يُعزِّز الإنقسام العاموديَّ والتَّعصُّب الأعمى داخل البلد.

Untitled1

أمَّا على الصعيد الفنِّي والثقافي، تنتشر الأخبار الإباحية الرَّخيصة. كثيرًا ما نقرأ عن حادثة اغتصاب أو خيانة أو دعارة. فهل تُعدُّ هذه الأخبار الإباحية انفتاحًا على الغرب وتطورًا حضاريًّا، أم أنَّها تردٍّ ثقافي وأخلاقي؟ إذا رحنا نتمعَّن في هذه الأخبار، يمكننا الاستنتاج بأنَّها بعيدة كل البعد عن التحضُّر. ليس من المعيب أن نتحدث عن التحرش والجنس والإباحية، إنَّما بطريقة لائقةٍ محترمة للأشخاص المذكورين، ومع عنوان منطقيٍّ متعلق بالخبر، على أن يكون هدف المقال المكتوب التَّوعية والتَّثقيف، لا التَّردي الأخلاقي وجذب القرَّاء بصورة جذابة أو خبر مبالغ به.

وهنا يجب أن نسأل، على من يقع اللوم؟ هل نلوم القارئ على تفضيله للمقالات الرخيصة التي تثير الغرائز والشهوات، أم نلوم الصَّحافة على ابتعادها عن القيم الاجتماعية والأخلاق العليا، مما ساهم في زعزعة القيم والرُّوح الوطنية لدى الشَّباب اللبناني؟ هل الصحافة هي من تقود الرأي العام وتوجهِّهُ، أم أنَّها مرآة عن الشعب، تعكس الوضع الثقافي والاجتماعي القائم؟

مما لا شك فيه أن وضع الصحافة متعلِّقٌ بوضع القرَّاء، ولكنَّنا لا يجب أن ننكر دورها القيادي في تثبيت القيم الوطنية والأخلاق الاجتماعية ونقل الصورة الأجمل عن لبنان. إنَّها، ببساطة، حلقةٌ متكاملة يتفاعل فيها القارئ مع الصحافة، يؤثِّر عليها وتؤثِّر عليه، تغنيه بالمعلومات والتحليل، فيرتقي القارئ لمستوى ثقافي أعلى. وفي الوقت عينه، لا يجب أن تكون الصحافة بعيدًا كل البعد عن المجتمع، فالصحافة بلا قرَّاء لا قيمة لها ولا تأثير.

 وفي ظلِّ الضعف الثقافي الذي نعيشه، على الكتَّاب الصحفيين، وهم من يمثِّلون الشباب الواعي والمُثقف، وعلى محرِّري الجرائد اعتماد نهجًا إصلاحِيًّا، وتخفيف حقن التَّعصُّب الطَّائفي والمناطقي واللَّعب على الغرائز والشهوات، لعلَّنا نصحو من غيبوبتنا ونبتعد عن النَّعرات الطائفية ونستبدلها بنتاجٍ أدبيٍّ وثقافي مثمر.