أيها الآذاريون… لا خلاص لكم دون العودة إلى وليد جنبلاط!

عشية الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وقبل أيامٍ قليلة من الإحتفاء في هذه المناسبة في الـ “البيال” كما أصبح مقرراً، وفي ظلّ التجاذب السياسي المعطل لقيام الدولة ومؤسساتها، مع إستمرار الشغور الرئاسي منذ سنة وتسعة أشهر؛ بدأت ترتسم في الأفق بوادر أزمة سياسية معقدة قد تطيح بكل الواقع القائم، إذا ما عاد البعض إلى رشدهم، وأعادوا تقويم مواقفهم بإتجاه بناء الدولة، وذلك بالتخلي عن أنانياتهم، وتغليب مصلحة وطنهم على مصالحهم الخاصة والضيقة.

وفي هذا السياق، على الكتل النيابية المنضوية تحت شعاري 8 و14 آذار من دون أن يبقى لهذين الشعارين أية مضامين مفيدة تخدم لبنان واللبنانيين، بسبب الخلافات والإنقسامات القائمة ما بينهم فاوصلت البلد إلى هذا الأفق السدود.

ولم يكن أحداً يتوقع أن تصل الأمور فيما بين هذين الفريقين إلى هذا الحدّ من العناد العقيم، بحيث لم يعد أحدهم يرى أبعد من الشعار الذي يحمله، وكأن البلد له دون سواه. فأين الشركة والشراكة التي نادى بها البطريرك بشارة الراعي، وما بقي من شعار لبنان الرسالة التي تحدث عنها البابا يوحنا بولس الثاني عندما زار لبنان في العام 1996؟

من يرى صورة المشهد السياسي، والطريقة التي تتم بها مقاربة الملف الرئاسي من قبل الفريق المسيحي المعني به بالدرجة الأولى، ومواقف الأقطاب الموارنة الأربعة الأقوياء الذين تعهدوا في بكركي بحضور الراعي إنقاذ الرئاسة الأولى من أجل إنقاذ الجمهورية، وأين أصبح كل فريق منهم؟ وتعاطي القوى السياسية الأخرى معهم يدرك إلى أي مستوى من التراجع والإنحدار نحو الأسوأ بلغه التعاطي السياسي في لبنان.

اقطاب الموارنة

أين المشكلة إذا رشحّ رئيس أكبر كتلة نيابية، الرئيس سعد الحريري، رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، حتى تقوم الدنيا ولا تقعد، وتنهال الإنتقادات عليه من داخل 14 آذار وخارجها؟ ولماذا لم يلاق فريق 8 آذار مبادرة الحريري إلى منتصف الطريق والقول له: أنتم بادرتم ونحن تلقفنا مبادرتكم إنقاذاً للوطن؟ وما هو السبب الذي دفع بالقوات اللبنانية إلى تبني ترشيح العماد ميشال عون؟ ولماذا الذهاب بإتجاه تعقيد الأمور بدل حلها، وأين موقف القوى الأخرى وفي مقدمهم حزب الله الذي يدعي الحرص على لبنان بعد الموقف غير الواضح  في ما خصّ ترشيح كل من عون وفرنجية لحسم الأمر وملاقاة الفريق الأخر، وقطع الطريق على المصطادين بالمياه العكرة؟

ألم يكف ما قدمه حزب الله للعماد عون حتى الآن من دعم إنتخابي ساعده على تشكيل أكبر كتلة نيابية مسيحية يتحكم من خلالها بكل المفاصل  السياسية  في البلد، أثناء تشكيل الحكومات، وإختلاق الأزمات بسبب أو بغير سبب بما يؤكد الإمعان بالتعطيل، والإستمرار بالشغور الرئاسي. فأين هم رجالات الدولة الذين سيخلدهم التاريخ؟

من هنا يجب العودة إلى وليد جنبلاط، أو التشبه به إذا كان البعض يعتبر العودة إليه إنتقاصاً لكرامته، وذلك للإستفادة من خبرته في السياسة وأخذ الدروس في الوطنية. وللذين لم تعد تسعفهم ذاكرتهم نذكرهم، إنّ وليد جنبلاط  كما يقول عنه صديقه رئيس مجلس النواب نبيه بري، لا يمكن أن يضيع البولصة السياسية أبداً منذ أن قال للرئيس الشهيد رفيق الحريري: “أنت يمكنك أن تسير بالتمديد للرئيس لحود لأسباب كثيرة. أما أنا فلن أسير به”.

14march-2005

وبعد إستشهاده وولادة ثورة الأرز رفض أثناء تلاوة البيان الختامي لمؤتمر بريستول 3 التعرض لحزب الله، وتوجيه أي إتهام له. وفي الإنتخابات النيابية التي جرت في ربيع 2005 بعد إنسحاب الجيش السوري من لبنان، أصرّ بقوة على قيام ما سمي بالتحالف الرباعي، مع تيار المستقبل و14 آذار وحزب الله وحركة أمل، ولولا رفض العماد عون المشاركة في هذا التحالف لكان التيار الوطني الحر من ضمن المشاركين به، رغم معرفته بأنه كان ممنوع على عون أن يتحالف معه ومع الحريري.

وبعد أحداث السابع من أيار، عندما تلمّس أنّ الخلاف العامودي قد يؤدي إلى المواجهة المسلحة، ذهب بإتجاه الحلول السلمية وكان من أشد المتحمسين لإتفاق الدوحة، وإنتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية ويوم إعلانه التموضع في الوسطية في الثاني من آب 2009، كان يدرك أن إستمرار الخلاف العامودي قد يقود البلد إلى الخراب، ولا بدّ من إتخاذ موقف جريء لدرء فتيل الفتنة.

jonblat-car1

اليوم، ما يقوم به النائب جنبلاط لا يخرج عن المسلمات التي يؤمن بها كزعيم سياسي آمن بالديمقراطية والتنوع ضمن الوحدة البعض يعيّب عليه ترشيحه لعضو اللقاء الديمقراطي النائب هنري الحلو لرئاسة الجمهورية، ألا يحق لزعيم بحجم وليد جنبلاط زعامته على إمتداد هذا الوطن أن يرشح من يشاء لهذا المنصب ووالده المعلم الشهيد كمال جنبلاط كان يلقب بصانع الرؤساء؟

ومن قال أنّ هنري الحلو أقلّ مارونية من المرشحين الأقوياء ولو قبل والده المرحوم بيار الحلو بالرئاسة لكان إنتخب رئيساً للجمهورية بدلاً من الرئيس إلياس الهراوي ومن الذي يعتبر إنّ رئيس الجمهورية هو خيار مسيحي أو ماروني من دون مشاركة الشريك الآخر؟

إنه رئيس جمهورية لبنان، وصوره سترتفع في كل الدوائر الرسمية في لبنان، وأحياناً في البيوت والساحات العامة، وهو الرئيس الوحيد الذي يشارك بإنتخابه كل اللبنانيين من خلال ممثليهم في المجلس النيابي.

أيها الآذاريون، الشخص الذي يقبل به اللبنانيون رئيساً عليهم يجب أن تكون يده غير ملوثة بدماء اللبنانيين. اللبنانيون يريدون رئيساً يصنع لهم السلام، وليس رئيساً يذكرهم بالحرب، وإلغاء الآخر. لذلك مطلوب من كل الحالمين في الرئاسة أن يغيروا خطابهم السياسي أولاً، حتى تصدق الناس أنّ سلوكهم في الرئاسة لا يشبه سلوكهم في السياسة.

 يعيب البعض على وليد جنبلاط، التغيير في مواقفه السياسية، وهذا قطعاً ليس عيباً، طالما أنها تصب في مصلحة لبنان، فيا جماعة 8 و 14 آذار، نقولها لكم بكل محبة، وخاصة أولئك الذين يعيشون عقدة وليد جنبلاط، وينتظرونه على كل فاصلة ونقطة لتوجيه الإنتقاد اليه ظناً منهم أن ذلك قد يخدمهم في السياسة، فالناس أحجام ومقامات.

أما وضع البلد فلم يعد يحتمل المزاح والمناورة، فإنتخاب الرئيس أولوية بالنسبة لوليد جنبلاط، ومن لا يقدر أن يتخذ المواقف التي يتخذها هذا الرجل فليفعل مثله، أو يتشبه به لأنّ التشبه بالكرام فلاح، فتشبهوا به إن كنتم تستطيعون لإنقاذ لبنان حتى لا يأتي يوم تقولون فيه على لبنان السلام.

—————————–

(*) صبحي الدبيسي