لا استراتيجية دولية أو إقليمية للحرب على «داعش»… حتى الآن

نزار عبد القادر (الحياة)

ردّت «الدولة الإسلامية» على الهجمة الدولية المتصاعدة والهادفة الى احتوائها وتفكيكها، بشن مجموعة من الهجمات الإرهابية القاتلة، امتدت من سيناء، حيث فجّرت طائرة روسية متسبّبة بمقتل 244 راكباً على متنها، الى أنقرة وبيروت وباريس. وإذا صدّقنا الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام عن مسؤولية «داعش» عن الجريمة الإرهابية التي ارتُكِبت في كاليفورنيا فهذا يعني أن الإرهاب تحوّل إلى تهديد شامل. وتؤكد كثافة الهجمات الإرهابية ونتائجها الدراماتيكية على الرسالة الواضحة التي أرادت «الدولة الإسلامية» توجيهها إلى القوى الدولية والإقليمية، بأنها إذا لم تكن قادرة على مواجهة الحرب الجوية فإنها قادرة على التعويض عن قصورها باعتماد استراتيجية الإرهاب الشامل.

وأثبتت سلسلة العمليات الإرهابية قدرة «داعش» على توسيع مسرح عملياتها ليشمل قارات عدة، كما أثبتت مدى جاذبيتها لضم أعضاء جدد إلى صفوفها لا شبهة جرمية عليهم لدى الأجهزة الأمنية، ويمكنهم بالتالي الوصول الى الأهداف الحساسة ومهاجمتها.

يتحدث المسؤولون في الدول الغربية وفي روسيا عن الهواجس والمخاوف التي تراودهم من تنامي الأخطار الإرهابية داخل مجتمعاتهم بعد عودة المقاتلين الأجانب المنضمين إلى «الدولة الإسلامية» إلى بلدانهم. ويستند هؤلاء في تقييمهم لهذه التهديدات على نتائج التحقيقات التي جرت في فرنسا وبلجيكا، والتي أثبتت أن الإرهابيين هم مواطنون من هاتين الدولتين وسبق أن قاتلوا في صفوف «داعش» في سورية.

دفعت نتائج التحقيقات هذه، الحكومةَ الفرنسية الى اتخاذ قرار بفرض رقابة على المعابر الحدودية، وهو تدبير يتعارض مع اتفاقية الحدود المفتوحة بين دول الاتحاد الأوروبي، ويشكل بالتالي خطوة على طريق العودة عن إنجاز تاريخي سعت إليه دول الاتحاد خلال عقود.

بات العالم يعيش في ظل تهديدين مصدرهما الحرب في سورية: الأول يتمثل بأزمة تدفّق مئات آلاف اللاجئين السوريين نحو الدول الأوروبية. والثاني، قرار «الدولة الإسلامية» بالرد على الحرب الجوية من خلال شن حرب إرهابية شاملة، للثأر من خصومها وإقناعهم بتغيير استراتيجيتهم العدائية تجاهها.

لم تُظهر القوى الغربية خلال ما يقارب خمس سنوات أي رغبة في اعتماد استراتيجية فاعلة لإنهاء الأزمة السورية سياسياً أو عسكرياً، وبالتالي إحداث التغيير اللازم في بنية النظام السوري. لقد تراجعت أميركا عن الخطوط الحمر التي كان حدّدها الرئيس باراك أوباما شخصياً في الاقتصاص من نظام بشار الأسد في حال استعماله السلاح الكيماوي ضد شعبه.

في المقابل استمرت روسيا في دعمها الديبلوماسي والعسكري للنظام، ولم تكتفِ موسكو بالاستمرار في تسليح الجيش النظامي، بل تجاوزت ذلك إلى التدخُّل بصورة مباشرة في محاولة مكشوفة لإنقاذ النظام ومنع سقوطه.

كان من الطبيعي أن تلجأ القوى الدولية والإقليمية للرد على مسلسل الهجمات الإرهابية من خلال تكثيف هجماتها الجوية ضد «الدولة الإسلامية»، وأن تتجاوب بريطانيا وألمانيا مع دعوات الرئيس الفرنسي هولاند للمشاركة في هذه الحرب.

وتدرك القوى الدولية والإقليمية أنه لا يمكن حسم المعركة مع «الدولة الإسلامية» من خلال الحرب الجوية، وأنه لا بد من البحث عن استراتيجية بديلة تؤمن القوى البرية اللازمة لاستغلال مفاعيل القصف الجوي لاحتواء «داعش» وتفكيك بنيتها السياسية والعسكرية. لكن، لا يجب أن يحجب هذا الخيار العسكري ضرورة البحث عن مخرج سياسي لإنهاء الأزمة من خلال تكثيف العمل لتنفيذ ما اتفق عليه في اجتماعات فيينا.

في رأينا، لن يكون من السهل إيجاد الآليات والمخارج العملية لتطبيق مثل هذه الاستراتيجية الكبرى المتعددة الأبعاد والأهداف، خصوصاً إذا قررت «الدولة الإسلامية» توسيع حربها الإرهابية باتجاه روسيا والدول الغربية والإقليمية، في محاولة حثيثة لإقناع عدد من هذه الدول بالتراجع عن قراراتها بالمشاركة في الحرب.

ولا بد في هذا السياق من التذكير بنقاط الضعف في الاستراتيجية العسكرية الراهنة ضد «الدولة الإسلامية» والتي تقوم على وجود معسكرين مختلفين، يخوضان الحرب من دون أي تنسيق في عملياتهما الجوية والبرية: الأول يضم التحالف الدولي ومعه قوات الحماية الكردية وفصيل صغير من المعارضة السورية، والثاني يضم روسيا وإيران وحلفاءها وقوات النظام السوري. في الوقت الذي تعتمد فيه فصائل المعارضة المسلحة أجندتها الخاصة في محاربة النظام من أجل إسقاطه.

لا يبدو في الأفق، في ظل المصالح والأهداف المتعارضة بين هؤلاء اللاعبين، وخـــصوصاً بين روسيا والدول الغربية، أي أمـــل في التوافق على استراتيجية عسكرية مـــوحّدة، وذلك علــــى رغم قناعة المعسكرين بضرورة احتواء الإرهاب. لم تُظهر روسيا حتى الآن بأن لديها النية لتوجيه ثقل عملياتها الجوية ضد «الدولة الإسلامية».

وتؤشر عمليات القصف الروسية وبناء قواعــد جوية جديدة في ريف حماة وحمص علـــى أن أولويــــة موسكو مازالت تتركز على حماية النظام وزيادة نفوذها في سورية، وإن جاء ذلك على حساب نفوذ طهران.

في المقابل تستعجل كل من الولايات المتحدة وفرنسا تحقيق بعض التقدُّم في الحرب على «الدولة الإسلامية» على المسارين العسكري والديبلوماسي. وذلك من خلال توظيف المسار الديبلوماسي الذي جرى التأسيس له في فيينا، من أجل توجيه قوى النظام والمعارضة والتنسيق بينها لخوض معركة برية فاصلة ضد «الدولة الإسلامية».

استدعى هذا التبدُّل في الموقفين الأميركي والفرنسي من النظام السوري صدور تصريحين عن الوزيرين جون كيري ورولان فابيوس، حيث أشار الأول إلى إمكان تعاون الجيش السوري والمجموعات المسلحة في محاربة «داعش» في إطار حل سياسي انتقالي، في الوقت الذي رأى الثاني أن العمليات البرية يجب أن تقوم بها قوات محلية سورية وبالتنسيق مع الجيش السوري.

وعلى رغم ضم كل الأطراف الدولية والإقليمية إلى اجتماع فيينا والتحضيرات الجارية لاجتماع نيويورك في 18 و 19 الشهر الجاري بحضور ممثلين عن النظام والمعارضة، فإن التوجُّهات الجديدة للاستراتيجية الغربية لن تغيِّر في مواقف النظام وحلفائه، كما أنها لن تنجح في كسب ثقة المعارضة بشقيها السياسي والعسكري.

من المؤكد أن المعارضة بكل أطيافها لن تتخلى عن أولويتها في محاربة النظام لإسقاطه، كخطوة ضرورية على طريق إعادة إقامة نظام جديد قادر على توحيد سورية واستعادة سيادتها الوطنية.

في النهاية، ما زالت تعترض جهود البحث عن مخارج ديبلوماسية وعسكرية لحل الأزمة السورية ولاحتواء التهديد الإرهابي الشامل، عقبات كأداء، سواء بسبب تناقض المصالح بين اللاعبين الأساسيين، أو بسبب عدم قناعة النظام السوري وحليفه الإيراني بأي حل سياسي، مع الإصرار على استمرار الرئيس الأسد في السلطة، أو بسبب رغبة روسيا في توسيع انتشارها العسكري وتعميق نفوذها في سورية.