طائر “الوقواق”..

صلاح ابو الحسن

في العام 1968، كان الحلف الثلاثي الشهير الذي تشكّل من الاقطاب المسيحيين الثلاثة: كميل شمعون، ريمون ادة وبيار الجميل.. الحلف آنذاك جاء عقب “النكسة” او الهزيمة المدوية في حرب 1967، ضد اسرائيل.. والتي اعتُبرت يومها، هزيمة لجمال عبدالناصر..

اعتبر الاقطاب الثلاثة ان نكسة عبدالناصر تعني نكسة للخط العروبي المتنامي في المنطقة.. وفرصة لاعداء او اخصام العروبة في لبنان، لاعادة تنظيم قواهم في وجه الخط الوطني الديمقراطي الذي تشكله الحركة الوطنية بقيادة الشهيد كمال جنبلاط..

وترافق ذلك، مع نزوح اعداد كبيرة من الاخوة الفلسطينيين الى لبنان بعد احتلال اسرائيل لأجزاء كبيرة من الاراضي الفلسطينية والعربية في حرب 1967.

الحلف الثلاثي، نظر الى الوجود الفلسطيني – من منظار طائفي – الى انه قيمة سياسية وعددية الى جانب الحركة الوطنية.. فخافوا على “المصير” وحرّكوا “النعرات” المذهبية والطائفية والسياسية..

ولذلك، سخُر “الحلف الثلاثي” كل الادوات لتأجيج التوتر الطائفي.. من سياسيين واعلاميين ومفكرين ورجال دين ومدارس لخدمة مشروعهم الطائفي.. خاصة ان العام 1968، كان عام الانتخابات النيابية في لبنان، وكان الصراع السياسي والانتخابي في أوجه، بين “الحلف” و”النهج” الشهابي نسبة الى الرئيس الراحل فؤاد شهاب..

الحلف الثلاثي

وقوف الحلف ضدُ فؤاد شباب كان ناجما عن عدة معطيات، ابرزها:

– الانقلاب العسكري على النظام الملكي في العراق عام 1958، ونهاية ما كان يُسمّى بـ”حلف بغداد” الذي تأسس عام 1956، وكان رديفا لـ”الحلف الاطلسي” للوقوف بوجه المدّ السوفياتي في الشرق الاوسط..

– اعلان الوحدة بين سوريا ومصر برئاسة جمال عبد الناصر تحت اسم “الجمهورية العربية المتحدة”.. وتوهم اليمين اللبناني انذاك انه بعد اعلان “الوحدة” بات لبنان مهددا بالابتلاع.. من قبل “العرب” فيما كانت عقيدتهم ان هوية لبنان ليست عربية!!!..

– اللقاء الشهير بين فؤاد شهاب وجمال عبد الناصر عام 1958، في “خيمة” نُصبت على الحدود اللبنانية – السورية في منطقة المصنع.. وجلس شهاب في الجانب اللبناني وعبدالناصر في الجانب السوري.. ورغم تطمين الرئيس عبد الناصر الجانب اللبناني ان لا اطماع له في لبنان.. الا ان اليمين اللبناني استمر في تاجيج الطائفية مستغلا تنامي المد الوطني واليساري في اكثر المناطق اللبنانية..

ثم كان “الانفصال” بين مصر وسوريا عام 1961، وانهيار تجربة الوحدة العربية، وغرق عبد الناصر في وحول الحرب اليمنية.. وجاءت بعدها “نكسة” 1967، وكلها كانت بالنسبة لليمين اللبناني.. اشارات لتراجع عبد الناصر والعروبة.. مما يتيح الفرصة لتنامي الرجعية العربية واللبنانية على السواء..

هذه العوامل وغيرها، ادّت لقيام “الحلف الثلاثي” الطائفي.. وتأجيج الاحقاد الطائفية بين اللبنانيين.. فسخّروا اعلامهم ومنابرهم للتحذير من مخاطر العروبة على مستقبل لبنان..

في مؤتمر صحافي لكمال جنبلاط عام 1968، اعلن فيه استقدام “الحلف” لحوالي خمسة آلاف راهبة من قبرص ومصر والدول العربية للاقتراع لصالح الحلف في كل المناطق اللبنانية..

عبد الناصر

سعيد عقل وبلغته “اللبنانية” الشهيرة دعا الى اقامة جدار عال.. لمنع تسرّب حتى الهواء العربي لعدم تلويث لبنان..

الخطيب المفوه والشهير لويس ابوشرف وفي مهرجان انتخابي في كسروان اشار بيده الى تمثال السيدة العذراء، وقال للحشود هل تقبلون بوضع تمثال عبدالناصر مكان تمثال العذراء؟؟.. فأجهشوا بالبكاء..

وقتها كان الرئيس سليمان فرنجية (الجد) خصما للحلف الثلاثي..

وهذا، يأخذنا ولو بعد نصف قرن تقريبا الى ترشيح سليمان فرنجية (الحفيد) لرئاسة الجمهورية بعد ستة عشر شهرا من الفراغ الرئاسي..

لا نعيد استذكار التاريخ لننكأ الجراح بل للاستفادة من عبر الماضي ومن التاريخ الاسود للبنان..

وربما البعض يحاول الاستفادة من تحول “الربيع العربي” الى “خريف عربي” بفضل الغياب العربي، والتخاذل الاميركي، والدعم الروسي والايراني لنظام القهر والاستبداد في سوريا.. واستخدام الصواريخ من بحر قزوين ومن البحر المتوسط لقتل الشعب السوري الثائر ضد نظام سجون التعذيب والبراميل.. ولعل القاسم المشترك بين بوتين وخامنئي والاسد هو النظام التوتاليتاري الديكتاتوري المخابراتي..

لا نقول ان سليمان فرنجية هو الخيار المثالي للرئاسة.. ولكن عون او جعجع هما حتما خارج كل الخيارات.. وتعنتهما هو الذي سيوصل فرنجية الى بعبدا..

وليس من المعيب ان يكون وليد جنبلاط التقط الاشارات.. فكان اول من رشّح سليمان فرنجية للرئاسة، كما لم يكن انتقاصا من سمو الرئاسة ان ينجح سليمان فرنجية (الجد) بصوت كمال جنبلاط.

فهل نحن على ابواب حلف ثلاثي طائفي جديد يحاول الاستفادة من ازمات وحروب المنطقة والجوار..

وأخيرا، الرهانات الخاطئة.. كانت دائما سببا للتوترات والازمات والحروب.. فهل نتعلم.. رأفة بلبنان وشعبه؟؟ وهل نتعلم من مخاطر التورط في حروب المنطقة والغرق في وحولها خدمة لمصالح اقليمية.. وهل نتعلم ان اقحام انفسنا في لعبة الكبار يرتد علينا.. فنحن أصغر من لعبة الامم..

birds

مشكلة لبنان بتخلف سياسييه.. وبفقدان رجالات الدولة الكبار.. مصيبة لبنان ان “قماشة” معظم السياسيين الحاليين “رثة”.. الكبار رحلوا.. في لبنان والعالم.. الباقون يحسبون أنفسهم عظماء وجهابذة.. يأخذهم التبجيل والتصفيق والمديح والتزلف وترسانات الصواريخ.. الى عالم آخر فيتوهمون انفسهم “شواهينا”.. وهم في لعبة الكبار أقل من طائر “الوقواق”*..

 

تواضعوا وتذكروا ما قاله المهاتما غاندي: “علمتني الحقيقة أن أرى جمال التسوية في كل أمر”.

* طائر أبله وجبان يتدلى ليلا ويصرخ حتى لا ينام.. (Cuckoo).