الجامعة على مشرحة النقد والمحاسبة!

ابراهيم حيدر (النهار)

يسأل البعض من أهل الجامعة اللبنانية ومن المهتمين بشؤونها عن جدوى كشف مخالفات في كليات الجامعة وفروعها وفي إدارتها. فبالنسبة اليهم، لا يبادر احد الى الشروع في إصلاح أمور الجامعة ومعالجة مشكلاتها ووقف نزيف طاقاتها ومواجهة الفساد في بعض أقسامها وفي بنيتها العامة، علماً أن الجامعة تمتلك طاقات علمية كبيرة، ويمكن ان تعود الى منافسة أرقى الجامعات إذا قارب المعنيون قضاياها ونجح أهلها في وقف التدخل السياسي في شؤونها ومحاسبة المخالفين والمرتكبين الذين غيروا على مدى سنوات وظيفتها البحثية ودورها العلمي، الى مؤسسة سمحت في مكان ما بالتنفيعات وإمرار المشاريع والتسويات، الى المحسوبيات التي أخذت من رصيد الجامعة ومن موقعها الأكاديمي التاريخي ومن نضالات أساتذتها وطلابها، ثم إهدار بعض مستواها العلمي الذي طالما تميّزت به.

ولعل التساؤل يحيلنا الى المعنى المغاير له أو المعكوس. فلماذا لا تكون هناك جردة حساب لكل ما يحصل في الجامعة؟ وهي التي تحتضن أكثر من ثلث طلاب لبنان وطالباته بين نحو 50 جامعة خاصة، فالجدوى من كشف المخالفات ومواجهة التنفيعات وبعض مكامن الفساد، تقاس بمدى التقدم في تنوير الرأي العام الذي يشكل عنصر ضغط للشروع في الإصلاح، ويفتح كوة تضع الجميع على مشرحة المحاسبة. لذا، فالأمر لا يرتبط بالحديث عن الإنجازات، وإن كانت موجودة بموازاة ما تعانيه الجامعة من خلل في بنيتها الوظيفية، مرده الى الفساد المستشري ونظرة بعض السياسيين اليها كمكان للتوظيف والحاشية والمحسوبيات. ولا يعني ذلك أن ليس من حق البعض أن يوظف في الجامعة وأن يكون له وزن أكاديمي، لكن، أن تتحول الجامعة، على رغم الاستثناءات في أماكن كثيرة فيها، الى مؤسسة تابعة، هو أمر لا يقبله أهلها وكل حريص على استمرارها واحة تعليم عالٍ للفئات المتوسطة والفقيرة.

وفي التعليم العالي، سلكت جامعات عريقة طريق الإصلاح، ومنها جامعات أوروبية، وفي لبنان أيضاً، عندما اكتشفت تراجع موقعها ومستواها في التعليم والبحث، الى فساد كاد يطيح بمواقعها الأكاديمية، فسلكت طريق التغيير بنقاش علني واعترافات بالتقصير وعدم القدرة على اللحاق بجامعات سبقتها بمسافات، فكيف بجامعتنا اللبنانية التي تحتاج الى الدعم والرعاية والى خطوات إصلاحية، وقبل ذلك الاعتراف بأنها تعاني مشكلات وتراجعاً في المستوى الأكاديمي، الى خلل في إدارتها وقانونها، فضلاً عن التدخل السياسي في شؤونها. لكن الخلل يعني أهل الجامعة أولاً، فلا بد من الاعتراف به وبالأزمات والمشكلات المتراكمة، والممارسات المخالفة للقانون في ملفات لا تقتصر على الجانب المالي. هي تبدأ بالمعايير التي تختار أساتذة، وتقويم البحوث والتعيينات والاستشارات، واللائحة تطول… فمتى يوضع جسم الجامعة على مشرحة النقد… والمحاسبة؟