سلامة سوريا والسوريين

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

ضرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضربته المحرجة في سوريا، ولا تزال ارتداداتها تتفاعل في كل الساحات الدولية. ضربة مفاجئة مدروسة يقابلها ضياع أميركي وارتباك وتخبّط. لم يكتف «القيصر» بالتدخل العسكري، بل طرح ذهاب رئيس حكومته إلى أميركا لشرح الموقف والتنسيق والبحث عن مخارج. رفض الأميركيون استقباله، اقترح استقبال وفد عسكري أميركي في موسكو، رفض الأميركيون، تمّ الاكتفاء بتواصل عبر التقنيات الحديثة للوصول إلى تفاهم حول تنظيم العمل في الأجواء السورية لضمان عدم حصول أي اصطدام بين الطائرات الأميركية والروسية ولضمان سلامة طياّري الدولتين، وهم يغيرون على مواقع سورية ويدمّرون ما تبقّى في البلاد! اعتبر القيصر أن الأميركيين أهانوه. تمسك بموقفه، استمر في ضرباته. استقبل مقلّده في سوريا الرئيس الأسد الذي عندما ألقى خطابه ما قبل الأخير في دمشق كان ثمة عمل مسرحي واضح، فتحت له الأبواب، دخل على السجاد الأحمر في مشهد يشبه مشهد بوتين عندما يدخل إلى القاعة الكبرى في الكرملين للدلالة على تماسكه والإيحاء أن الأمور أكثر من طبيعية في العاصمة السورية والقصر الرئاسي، وأن هيبة وقوة الحكم لا تزالان مصانتين! قيل يومها الأسد يقلّد «القيصر»!

إذاً استقبل بوتين «زميله» و«نظيره» وشكره على قبوله الدعوة إلى موسكو، وهو نقله بطائرة روسية بعد ضمان عدم التعرّض لها في سياق الاتفاق مع الأميركيين! ضربة سياسية بدلالاتها فيها دهاء وخبث روسي يقابل الخبث الأميركي. للأسف، هذا أسلوب يعتمد في لعبة الأمم، حيث يستخدم اللاعبون كل شيء ! ورغم استمرار سياسة الأرض المحروقة التي تعتمدها القوات الروسية في سوريا في محيط اللاذقية ومواقع في الشمال، حيث ثمة استعداد لمحاولة استعادة مناطق خسرها الجيش السوري الذي «تعب» ويعاني أوضاعاً صعبة، ولم يسعفه التدخل الإيراني المباشر وغير المباشر من خلال الميليشيات الحليفة وقد تكبّد هؤلاء خسائر فادحة ولم يتمكنوا من رفع الخطر في المرحلة الأخيرة عن دمشق وحتى عن اللاذقية وكان لذلك أثر معنوي على وضع الأسد كما أقر بذلك الإيرانيون الذين طلبوا الدعم الروسي المباشر من خلال زيارة قاسم سليماني إلى موسكو ! إذاً رغم استمرار سياسة الأرض المحروقة تمهيداً للسيطرة عليها، وقد عبّر عن ذلك السفير الروسي في بيروت بالقول: «قبل أن تزرع الحقل يجب أن تنظفه»! رغم ذلك لا يزال الرئيس الروسي «يتحصّن»، بـ«القانون». فهو يخاطب الأميركي بالقول إنه تدخل في أكثر من مكان متجاوزاً الشرعية المحلية والشرعية الدولية وأدى ذلك إلى خراب. أما موسكو فقد تدخلت بناء على طلب الشرعية المحلية (القيادة السورية التي يعتبرها شرعية كما يعتبر أوباما الرئيس الأوكراني شرعياً. والأسد جاء بانتخابات والعالم يتعامل معه حتى الآن كرئيس. حتى أعداؤه يقرّون به ويريدون التفاوض على مدة بقائه. ودول كثيرة تنسق مخابراتياً وسياسياً معه. ولا يزال مندوبه في الأمم المتحدة ووزير خارجيته يلتقي وفوداً دولية، وهي تحترم الشرعية الدولية وتنسّق معها! ولذلك لا بد من حل سياسي. كيف؟ يجب أن يبنى على أساس جنيف 1. من يشارك فيه؟ أميركا روسيا السعودية تركيا الأردن. ماذا عن إيران؟ هي غير موافقة عليه، وبالتالي لا يمكن دعوتها مهما كان تأثيرها! لا تقبل بحكومة انتقالية. كانت تريد بيع الأمر إلى الأميركي. اليوم أصبح الروسي هو صاحب الدور الأول. وكان قد تعهّد بإقناعها ولا يزال يحاول لكن المشكلة لا تزال قائمة. هل وافق العرب والأتراك؟ الواضح أن السعودية مصرّة على رحيل الأسد أياً تكن المعادلات والظروف.
وتركيا أعلنت الموافقة على بقائه لمدة زمنية قصيرة يخرج بعدها على أساس اتفاق مسبق ومضمون. أميركا ليست ضد الفكرة، لكن إيران يمكن أن تخربها فهي متمسكة بالأسد وتخشى أن تكون صفقة بين الكبار. والذين يرفضون الدور الإيراني في المنطقة يصرّون على رفض مشاركتها و«احتلالها» سوريا! وهي إلى جانب سوريا صاحبة تأثير كبير في العراق. ماذا ستفعل أميركا؟ بالتأكيد لن تذهب إلى مواجهة مع موسكو أو مع إيران! ستذهب إلى تطبيق الاتفاق مع الأخيرة واستثماره ولن تفرط بذلك. في الأساس لا تريد إسقاط النظام في سوريا. وقعت في مشكلة مواجهة «داعش» وخسرت صدقيتها. فهي أرادت ونجحت في تل أبيض، وعين العرب وعمليات الكوماندوس. الدول الحليفة لها تريد مقاتلة الإرهاب معها على الأرض السورية كي لا يأتي إليها وهذا ما قاله بوتين مؤخراً مذكراً بأنه هدد منذ سنوات يوم حصول مواجهات في داغستان مع إرهابيين بأنه «سيلاحقهم إلى المراحيض». واليوم تتدخل روسيا في الخارج لحماية الداخل. هذا تقاطع أو تناغم بين الروسي والأميركي. يضاف إلى احتمال التصادم في مكان ما والتفاهم في أمكنة أخرى. فإن كان تناغم فعلى حسابنا. وإن كان تصادم فعلى أرضنا، وإن كان تفاهم فعلى حسابنا، وهذا ما يجري الآن. روسيا وأميركا وروسيا وإسرائيل، اتفقوا لحماية وضمان سلامة طياريهم.. الكل يدمّر في سوريا، . فماذا عن سلامة سوريا والسوريين؟ وعن ضمان بناء الدولة والمؤسسات؟ وماذا سيبقى؟ أين المسؤولية الأخلاقية التي تحدّث عنها كيري؟ لا نزال أمام المعادلة: واشنطن تقول «بدء العملية السياسية ليس مشروطاً بتنحي الأسد»، وموسكو ترد بقناعة «انتهاء العملية السياسية ليس مربوطاً ببقاء الأسد»! عندما تتفقان ينتهي كل شيء. وإلى أن يحصل الاتفاق جولات حروب مدمرة على سوريا!