تركيا على شفير حرب

جنكيز شاندار (الحياة)

تسيل الدماء في تركيا يومياً، وسيف الحرب الأهلية مسلط عليها. ويتسع نطاق الإجراءات الفاشية والقمعية مثل حوادث جيزره التي تشبه حوادث كوباني (عين عرب). وعقد الحزب الحاكم، العدالة والتنمية، الذي يستعد لخوض الانتخابات المبكرة بعد شهر ونصف الشهر تقريباً، مؤتمره السنوي بمرشح واحد للزعامة وقائمة واحدة في اللجنة المركزية. وكأن هذا الحزب الذي انفرد بحكم تركيا طوال 13 عاماً ليس فيه من يخالف داود أوغلو في الرأي أو الرؤية وكأن ثمة إجماع على رجل واحد. ولكن من هو هذا الرجل؟ هل هو أحمد داود أوغلو زعيم الحزب ورئيس الوزراء؟

جلي أن داود أوغلو لا يتسم بمؤهلات الزعيم الناجح. فالحزب الذي تولى زعامته قبل عام خسر عشر نقاط في الانتخابات الأخيرة. فخسر الغالبية البرلمانية. ولا يخفى على أحد فشل داود أوغلو. وليس في يده حيلة في «العدالة والتنمية» والحكومة، فهو مجرد سياسي مؤتمن على الحزب يقف عاجزاً أمام تدخلات أردوغان في كل صغيرة وكبيرة، أو سياسي ينفذ أوامر أردوغان صاغراً من دون تردد. وللأسف فإن فشله السياسي أفقده مكانته كأكاديمي أو ديبلوماسي ناجح. ونجاحه في تجديد زعامته للحزب لا يشير إلى نجاح سياسي أو مستقبل باهر. وتشير هذه المؤشرات (مرشح واحد وقائمة واحدة وتراجع انتخابي) إلى أن «العدالة والتنمية» لم يعد حزباً ديموقراطياً. فأردوغان يتوسل به إلى الهيمنة على الحياة السياسية. وكان ذلك واضحاً جلياً في الهتافات والكلمات في مؤتمر الحزب عن «السير على خطى الزعيم السابق وارتباط قوة الحزب بقوة الزعيم المؤسس».

وعلى رغم طاعته العمياء أوامر أردوغان، زرع الرئيس حول داود أوغلو مراقبين مخلصين من رجاله يحصون كل خطوة من خطواته وأنفاسه. ومقارنة المؤتمر الحزبي الأخير مع المؤتمر الأول في 2002، تظهر أنه وصل إلى الإفلاس. وتمس الحاجة إلى انفصال القيادات والكوادر المؤسسة القديمة عنه لتأسيس حزب جديد. وقد تعيد ضربة قوية في الانتخابات «العدالة والتنمية» إلى رشده. ويبدو أن صفعة الانتخابات الأخيرة لم تحمل القائمين على الحزب على إدراك رسالة الناخبين. فإخفاق «العدالة والتنمية» في الفوز في غالبية برلمانية في الانتخابات المقبلة سيحمل أردوغان على إدراك أن أيام مشروع حكم الرجل الواحد ولت، وأن العدالة والتنمية ضل الطريق، وأن الأتراك لا يقبلون أن يحكموا على هذا المنوال.

ولكن هل ستنظم الانتخابات في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر)؟ وهل ستكون انتخابات عادلة ونزيهة؟ هذا السؤال يشغل الأتراك إثر المشاكل الأمنية، وما ارتكبته الحكومة في حيزره طوال أسبوع من فظاعات فاقت فظاعات داعش. ففي هذه المدينة يعيش 120 ألف كردي وحصل «حزب الشعوب الديموقراطي» فيها على 90 في المئة من الأصوات. وعزلت جيزره عن العالم لمدة أسبوع وقطعت عنها وسائل الاتصال ومنع الدخول إليها والخروج منها. وإثر رفع حال الطوارئ، سمعنا قصصاً مرعبة مثل قصة تلك الطفلة الكردية التي أصيبت بطلق ناري وهي تلعب أمام منزلها. ولم يسمح لأهلها بنقلها إلى المستشفى فنزفت حتى الموت في حضن أمها التي غسلتها ثم وضعتها في ثلاجة المنزل منتظرة انفراج الأمور لتدفنها. وبلغنا كثير من القصص المرعبة لا تختلف قسوتها عن قسوة صورة الطفل الكردي السوري الغريق أيلان. ولذا، فقد حزب «العدالة والتنمية» دعم غالبية الديموقراطيين وكل الأكراد في تركيا. ولن يسعه بعد اليوم أن يحكم تركيا منفرداً وأن يرسي الاستقرار، سواء أجريت انتخابات نزيهة أو فاز بواسطة التزوير والبلطجة.