“ليبراسيون”: دمشق تنهار

نشرت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية تحقيقاً على صفحتها الأولى يوم الجمعة بقلم هلا قضماني، أشارت فيه إلى أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد بدأ يعاني من انشقاقات داخلية جدّية وأن سكان العاصمة دمشق لم يعودوا «يتساءلون عما إذا كان هذا النظام سينهار أم لا، بل إن السؤال الذي بدأ يدور في خلدهم هو متى وخصوصاً كيف».

وتقول الصحيفة إن «الاخفاءات» المريبة لرموز النظام الأقوياء يعتبر مؤشراً حقيقياً حول التدخّل الايراني السافر في «تزكية أو الاطاحة» بمراكز القرار في الداوئر الأمنية والعسكرية، ما اثار امتعاض الكثيرين في الداخل وبدأوا يكررون ما كانت قد أشارت إليه بعض الصحف العربية في شباط الماضي، حول بيع بشار للبلاد إلى الايرانيين. وتنشر «المستقبل» في ما يلي ترجمة بتصرّف لتحقيق الصحيفة:

«منطوياً بالقرب من عناصره، راح العقيد سهيل الحسن، بطل جيش بشار الأسد، يترجّى محدّثه على الطرف الثاني «معي 800 عنصر ونحن مستعدون لاستعادة الأرض التي خسرناها. لا نحتاج سوى إلى الذخيرة». راح الجنود الذين بقربه يصرخون «بالروح بالدم نفديك يا بشار» للتأكيد على ما كان يقوله الحسن.

لقد تم تسريب فيديو هذه المحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد فترة قصيرة من سيطرة الثوار السوريين على مدينة جسر الشغور الاستراتيجية في شمال غرب البلاد نهاية نيسان الماضي، وهي تعطي صورة كارثية عن الوضع الذي آلت إليه قوات النظام. إن الانتكاسات العسكرية المهمة التي مني بها جيشه في الأسابيع القليلة الماضية في الشمال، ومع خسارته مدينة أدلب وعدة مراكز قوى في منطقته، وكذلك في جنوب البلاد وصولاً إلى الحدود مع الأردن، كانت مؤشراً لأزمات ومآس أخرى كثيرة: السياسات الاقتصادية، والأمنية، والداخلية والخارجية .. الغيوم تتلبّد في سماء دمشق لدرجة أننا لم نعد نتساءل عما إذا كان النظام سيتهاوى، بل متى وخصوصاً كيف. والتخمينات لا تأتي من صفوف المعارضة المزهوة بالنجاحات الميدانية التي حققها الثوار، بل من سكان العاصمة، الذين هم على تواصل مباشر مع أجهزة النظام. لقد شهدوا على انهيار عصب الحرب قبل تكبّد الخسائر العسكرية.

ذعر

«الصناديق فارغة». هذا ما أسرّه إلينا بقلق أبو جميل، وهو موظف حكومي متقاعد كان يزور ابنته في العاصمة الفرنسية. «عندما لا يتقاضى عناصر الجيش وقوات الدفاع الوطني والشبيحة، الذين يخوضون المعارك ويحفظون الأمن في المدن، رواتبهم منذ أربعة أشهر، فهذا يعني أن الوضع عصيب». أثار الانهيار المدوي لليرة السورية في نيسان حيث تجاوز سعر الدولار الواحد 300 ليرة سورية، في حين أنه كان لا يتجاوز 200 ليرة في آذار، الرعب في نفوس المواطنين. ويضيف أبو جميل الذي قال إنه غير منحاز سياسياً، «في الوقت الذي كانت فيه أدلب تسقط بيد الثوار، لم يكن الناس يتحدثون سوى عن انهيار الليرة وسعر كيلو الموز أو البندورة».

وتثير المالية لدى السوريين تساؤلات حول حقيقة الدعم الايراني، الذي يوفر للنظام العديد والعتاد والأموال النقدية منذ بداية الأزمة. وقدّر المبعوث الدولي للأزمة السورية ستيفان دي ميستورا خلال لقاء خاص في نيويورك مع صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» هذه المساعدات بحوالي 35 مليار دولار سنوياً. لكن إيران مثل روسيا أيضاً تعانيان من انخفاض سعر المواد النفطية، وهما قلّصتا حجم مساعداتهما إلى النظام السوري بشكل كبير منذ مطلع العام 2014.

نهاية عهد

وفي الوقت نفسه، فإن «الثمن» السياسي والاقتصادي الذي يفرضه الحليف الايراني على ربيبها في دمشق، يستمر في الارتفاع إلى درجة إثارة اعتراضات بعض اركان نظام بشار الأسد. والاتهامات الموجهة إليه «ببيع البلاد إلى ايران» لم تعد تصدر من المعارضة. وأعادت مصادر مقربة من النظام في الأيام القليلة الماضية تناول معلومات كانت قد أشارت إليها بعض الصحف العربية في شباط الماضي، بأن الحكومة السورية وافقت على بيع أو رهن مبان أو أملاك تعود للدولة السورية مقابل مساعدة مالية من طهران. وهذه «الضمانات مقابل السيادة» وفقاً لما يتداول به السوريون، تضاف إلى الوصاية شبه الكاملة التي يمارسها حرس الثورة الايرانية على قيادة وعمليات الجيش السوري والميليشيات الشيعية على الأرض.

والتدخلات الايرانية، بما فيها تزكية أو إزاحة بعض الرموز القوية في الجهازين الأمني والعسكري في دمشق، ساهمت في اهتزاز طال الدائرة الأكثر ضيقاً في النظام.

فـ «الاخفاءات» التي بدأت في العام الماضي مع حافظ مخلوف، ابن خال بشار الأسد ورئيس جهاز الأمن العام القوي في دمشق، تضاعفت في الأسابيع الأخيرة. فإطاحة مدير الأمن السياسي وأحد أركان المخابرات السورية رستم غزالي، تؤشر الى مدى ضخامة الأزمة الداخلية. وحصل الاعلان الرسمي عن وفاته في نهاية نيسان بعد شهر تقريباً على اختفائه بسبب خلاف نشب بينه وبين رئيس جهاز أمني آخر، شفيق شحادة، الذي هو الآخر لم يعد يسمع عنه شيء منذ حينها. ومصير أقوى الأقوياء، اللواء علي المملوك رئيس جهاز الأمن الوطني والمستشار الخاص لبشار الأسد، لا يزال غامضاً رغم ظهوره العلني الاستثنائي في الأسبوع الماضي بالقرب من الرئيس الذي كان يستقبل مسؤولاً إيرانياً رفيع المستوى. وهدف بث الصور عبر وسائل الاعلام الرسمية السورية إلى نفي المعلومات المتداولة في الأيام الأخيرة عن إقالته.

هل بدأ حقيقة «التأكل الداخلي للنظام» كما يقول رئيس الائتلاف الوطني السوري خالد خوجة، ومسؤولين آخرين في المعارضة؟ أم أن بشار الأسد بداً يبحث عن تصفية من قد يشكّلون خياراً بديلاً في لحظة بدء البحث في الجولة الجديدة من المفاوضات المسماة «جنيف III مع ستيفان دو ميستورا؟ في جميع الأحوال، فإن مناخ نهاية العهد بدأ يسيطر على دمشق بين أبناء وأنصار النظام.

توضيب الحقائب

في حي المالكي الفخم في قلب المربع الأمني في العاصمة السورية، «الحقائب جاهزة» يقول تاجر عبر الهاتف. ويضيف قبل إنهاء المكالمة «الله يستر. الكثيرون يوضبون حقائبهم». والاحتمال الذي يؤخذ على محمل الجدية في لبنان هو ما أعلنه وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس في الأسبوع الماضي بأن حكومته تستعد لاستقبال عدد كبير من أهالي دمشق المؤيدين للنظام.

وقال درباس «نتوقع أن تكون إقامتهم مؤقتة. محطة قبل سفرهم إلى بلد آخر».

والفوضى في صفوف أجهزة الأمن السورية لم تعد خافية، بما فيها بعض الأحياء القديمة في العاصمة حيث يفكّر سكانها بتشكيل لجان شعبية لحماية أهاليهم وممتلكاتهم. والتداعيات ليست دائماً سلبية. «عناصر الدفاع الوطني الذين يسمّمون حياتنا منذ سنتين تقريباً، بدأوا بشكل مفاجئ تغيير سلوكهم»، تقول إحدى الساكنات في منطقة الشاغور، الحي الشعبي في جنوب العاصمة عبر «سكايب». وتضيف «لقد توقفوا عن مضايفتنا وابتزازنا تحت كافة الأعذار. لقد بدأوا حتى بتوزيع المساعدات الغذائية على الفقراء. يبدو أنهم يريدون كسب تعاطفنا لكي نحميهم في حال ساءت الأمور بالنسبة إليهم».

والانهيار القريب لنظام الأسد أصبح حتمياً بالنسبة لأعدائه في الخليج العربي الذين دعوا المعارضة إلى «مؤتمر حول ما بعد النظام» في العاصمة السعودية الرياض. كما أصبح ذلك موضع احتمال مقلق في واشنطن. وقال روبرت فورد السفير الأميركي السابق لدى دمشق «لا يمكننا استثناء هذا الاحتمال. فالانقسامات الداخلية والهزائم العسكرية تؤشر إلى بداية النهاية». والخوف من الانهيار المفاجئ والفوضوي من دون بديل في دمشق، يقلق النفوس. أما السوريون، فيبقون هم الأكثر قلقاً من قدرات النظام على الانتعاش، كما فعل سابقاً.

وقال ابو جميل الذي قرر إطالة مدة إقامته في باريس «إنهم شياطين وقادرون على الترويج هجوم من داعش على دمشق أو مذبحة كبيرة بحق العلويين وحتى السنة المختلفين عنهم».

– See more at: http://slnnews.co/?p=24081#sthash.THuFBO38.dpuf