محمية أرز الشوف: معلمٌ طبيعي وبيئي وتراثي هام!

الشوف ـ نسيب زين الدين

تعتبر محمية أرز الشوف الطبيعية محطة سياحية هامة نظراً لما تحتضنه من ثروات طبيعية متنوعة تشكل مرتعاً سياحياً وعلمياً ورياضياً لجميع الشرائح والزوار والمهتمين بالسياحة والتوعية البيئة والتنمية الريفية والابحات العلمية، حيث تسقبل المحمية سنوياً عشرات الآلاف الزوّار من محبي الطبيعة وممارسي النشاطات المتنوعة المتاحة كالسير في الممرات داخل الغابات، والتعرف على النباتات والأشجار، ومراقبة الطيور والحيوانات، والمشي في الثلج، ومراقبة النجوم، والتمتّع بمنظر بانورامي للريف وبحيرة القرعون، يمتدّ شرقاً حتى وادي البقاع وغرباً باتجاه البحر المتوسط.

محمية أرز الشوف تشكل لوحة طبيعية نادرة تمتد وسط تلال ومرتفعات شاهقة وأودية شديدة الانحدار، تتميز بطيب مناخها، وبجمالها الساحر الخلاب التي رسمتها الطبيعة على صخورها وروعة إنسياب أشجارها، وتشكل آخر إمتداد جنوبي للأرز اللبناني الذي يمتد من ضهر البيدر في الشمال إلى جبل نيحا في الجنوب، حيث تضم سبع غابات أرز  يقدر عمر بعض أشجارها بحوالي الألفي عام، ثلاث منها رئيسية: غابة أرز عين زحلتا والقرى المجاورة، غابة أرز الباروك وغابة أرز المعاصر. وهي تتميز بتنوع بيولوجي غني جداً وتكاثر طبيعي قل مثيله.

محمية ارز الشوف

بالنسبة لغابة أرز عين زحلتا فتبلغ مساحتها 110 هكتارات ويوجد فيها بحيرة جبلية أنشئت بتوجيه ودعم من رئيس جمعية أرز الشوف النائب وليد جنبلاط، بهدف المحافظة على إستقرار الحياة البرية وإخماد الحرائق في حال نشوبها.

أما غابة أرز الباروك فمساحتها 40 هكتار وهي أكبر غابات الأرز في لبنان، تحتوي على عدة ممرات لكافة الاعمار، ويمكن للزوار دخولها بواسطة حافلة أو سيراً على الاقدام. وغابة أرز المعاصر مساحتها 7 هكتارات وتضم أكثر أشجار الأرز المعمّرة في لبنان، وفيها ممرات لزيارات متنوعة بحسب الوقت والمسافة.

المحمية تحظى بعناية ورعاية خاصة من رئيس جمعية أرز الشوف النائب وليد جنبلاط الذي يساعد ويرعى ويولي إهتماماً خاصاً بالبيئة والمعالم الطبيعة والثراثية في المنطقة ويعمل على حمايتها بشتى الوسائل، مما جعل من محمية أرز الشوف أكبر محمية طبيعية في لبنان تمتد على مساحة 165 كيلومتر مربع، أي نحو 2 بالمئة من مساحة لبنان، وتشكل المحمية ملاذاً نادراً للحياة البريّة وتضم بالاضافة إلى القرى المحيطة بها مستنقع عمِّيق الذي يعتبر أهم منطقة رطبة في لبنان، ويقع 70 بالمئة منها في قضائي الشوف وعاليه في جبل لبنان و30 بالمائة في البقاع الغربي.

ومن أجل الحفاظ على الإرث الطبيعي والثقافي، قامت جمعية أرز الشوف بإجراء دراسة على التنوع البيولوجي ومراقبته بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث في لبنان والخارج، عملت لإيصال هذه المعلومات إلى العامة من الناس وخاصةً طلاب المدارس بطريقة مبسطة للإستفادة منها في التوعية البيئية.

وقد أحصت الدراسات تنوعاً بيولوجياً غنياً جداً في المحمية. فعلى صعيد النباتات، تم تسجيل ما يزيد على 500 نوع، منها 30 نوعاً يحمل إسم لبنان، مثل البربريس اللبناني وغرنوقي لبنان والقرنفل السحاري اللبناني. وهناك 25 نوعاً مهدداً بالإنقراض على الصعيدين العالمي والوطني، مثل سحلب الأناضول والفصة الزراعية والنقل المثاني، بالاضافة إلى 50 نوعاً متفرداً في المنطقة مثل توليب أوشيه وسيلينة المكمل، و12 نوعاً نادراً مثل جُلبان لبنان وباذنجان الغول، و30 نوعاً من النباتات الطبية مثل الورد البرِّي والبيلسان، وما يزيد على 50 نوعاً من النباتات المأكولة مثل العكّوب والهندباء. هذا بالإضافة الى عدد كبير من النباتات العطرية.

محمية ارز الشوف7

وفي المحمية 24 نوعاً من الأشجار بالإضافة الى الأرز اللبناني، وأهمها الغبيراء، العفص،  الملّول، السنديان، القيقب، القطلب، خوخ الدب، الزعرور، الإجاص، اللوز، والتفاح البريّ.

 وتعتبر محمية أرز الشوف منطقة هامة للطيور المهاجرة بين أوروبا وأفريقيا. وقد تم إحصاء نحو 250 نوع من الطيور فيها، بينها أربعة أنواع مهددة على الصعيد العالمي كالدرسة الرمادية والعويسق، و10 أنواع مهددة على الصعيد الإقليمي كالنسر وعقاب سقعاء الضغرى. وهناك أكثر من 30 نوعاً معششاً كالبيدق والنسر والحجل والهدهد، بالإضافة إلى 10 أنواع محتملة التعشيش مثل ملك العقبان والبومة الاذناء.

وتم التعرف على 32 نوعاً من اللبونات، منها 12 نوعاً مهدداً بالإنقراض على الصعيد العالمي كالذئب والغرير، و3 أنواع مهددة على الصعيد المحلي هي الهر البري والهر النمر والذئب، و9 أنواع نادرة منها الخفاش القديم والوطواط العمري. على صعيد الزواحف والبرمائيات، تم إحصاء نحو 27 نوعاً، منها الحرباء المهددة بالإنقراض على الصعيد العالمي، والنقّاق ذو القيمة الاقتصادية، ونوعان متفردان هما السقاية الجبلية والقاروت، بالإضافة إلى نوعين نادرين هما السقاية الجبلية والحنش.

كما تعتبر المحميّة موقعاً مناسباً للحفاظ على الحيوانات الثديية الكبيرة مثل الذئب والهر النمر وقط الغابات البري، ولإعادة إدخال أنواع بعض الحيوانات المنقرضة مثل الغزال الجبلي.

ارز الشوف4

التنمية الريفية

باشرت جمعية أرز الشوف بتنفيذ مشروع التنمية الريفية منذ العام 1999 الهادف إلى المحافظة على تطوير الحرف التقليدية، والموارد الطبيعية المتوارثة، وإقامة مشاركة وتواصل مع المجتمع المحلي الذي ساهم بمساعدة مجموعة من العائلات، إذ يتم حالياً إنتاج ما يزيد عن 70 نوعاً من المأكولات الريفية التقليدية، ومن أجل الحفاظ على الجودة والنوعية قامت الجمعية  بتدريب السيدات على الطرق الصحيحة والحديثة للتصنيع وحفظ المنتجات، وبدأت العمل مع سيدات القرى المحيطة بالمحمية بمفهوم جديد وذلك بإستعمال مشاغل مجهزة بكافة المعدات من طناجر، كركات وغيرها وكلها من مادة “الستنلس ستيل” للحصول على منتج صحي وموحد بين كل السيدات بإستعمال ذات المواد والمقادير.

وقد أصبح لجمعية أرز الشوف أربعة مشاغل ثلاثة منها تقع في منطقة الشوف الأعلى مجهزة بكافة المعدات اللازمة في قرى مرستي، جباع، وبعذران، والرابع يقع في منطقة المناصف في بلدة كفرفاقود ضمن مشروع السيمي الزراعي.

ارز الشوف8

وتقوم محمية أرز الشوف بتعريف الزائر على تراث وتقاليد المجتمع الريفي اللبناني عبر إنتاجه الغذائي من مربيات وأعشاب وشراب ومقطرات والتي يتم ترويجها وبيعها على مداخل المحمية والاماكن المخصصة، بالإضافة إلى وجود بيوت للضيافة في منطقة الشوف تستقبل فيهم السواح والزائرين لتمضية أكثر من ليلة في هذه البيوت ليتسنى لهم  زيارة كل المعالم الطبيعية والثقافية في المنطقة والمشي على درب الجبل اللبناني.

وللاطلاع على نشاطات المحمية كان لجريدة “الأنباء” لقاء مع مدير محمية أرز الشوف نزار هاني قال فيه:”قامت محمية أرز الشوف من خلال عملها بعدة نشاطات وإنجازات خلال الأعوام  المنصرمة التي شملت العديد من المشاريع التنموية والبيئية والزراعية والسياحية البيئية وذلك بتمويل من جهات دولية مانحة. هذا بالإضافة إلى تطوير الجسم الإداري برفع القدرات والكفاءات بالتعاون مع برنامج BALADI CAP الممول من USAID،  فضلا عن نشاطات إعادة تأهيل النظم الإيكولوجية وأهمها كان إعداد خطة تشمل طرق إعادة تأهيل لأنواع الأراضي المختلفة الموجودة في المحمية وخاصة الأراضي الواقعة في المنطقة الإنتقالية ومنطقة التنمية وتشمل الأراضي الزراعية المهمولة والكسارات القديمة، فضلاً عن تبني القطاع الخاص لتنفيذ هذه الخطة بنك بيبلوس و HSBC حيث تم في الأعوام الماضية زرع ما يزيد عن 50 هكتاراً”.

وأردف: “ومن أبرز النقاط التي يتم العمل عليها موضوع “دراسة القيمة الإقتصادية لمحمية الشوف المحيط الحيوي” والممولة عبر مشروع CEPF (برنامج مشترك بين الوكالة الفرنسية للتنمية، الإتحاد الأوروبي، مرفق البيئة العالمي وحكومة اليابان). تعتبر تلك الدراسة الأولى من نوعها في لبنان والمنطقة، ولصعوبة تقييم كافة خدمات النظم الإيكولوجية التي تؤمنها المحمية جرى التركيز على وصف قيمة الخدمات التالية: احتباس الكربون، توفير الكتلة الحيوية، توفير المياه، توفير الغذاء، السياحة وخدمات ذات قيمة ثقافية وتراثية”.

ارز الشوف6

وأشار إلى أن “بعض هذه الخدمات (مثل الغذاء، الماء، الترفيه والكتلة الحيوية) ذات صلة بالنشاط الإقتصادي والتي يمكنها أن تساعدنا في تقدير قيمة خدمات النظم الإيكولوجية، الدراسة جمعت البيانات المحلية لتقدير قيمة النشاط الاقتصادي المرتبط بتلك الخدمات”.

وقال: “إن إجمالي الإيرادات والتوظيف – غير المحسوبة نقديًا – إستخدمت لتقييم خدمات النظم الإيكولوجية المتعلقة بالمنتجات المحلية والمياه وتوفير الكتلة الحيوية وكذلك النشاط الترفيهي. قيمة خدمة إحتباس الكربون في المحمية تحتسب باستخدام التقديرات السابقة حول إمكانات احتباس الكربون”.

وإعتبر هاني أنه “لا يمكن وصف الخدمات الثقافية من الناحية النقدية، وبالتالي وصفت فقط نوعيًا. على سبيل المثال، ما هي القيمة التراثية للارز اللبناني؟ وكذلك، مساهمة محمية الشوف المحيط الحيوي في تعزيز صورة لبنان لا يمكن تقديرها كماً للأسباب نفسها. بناءًا على التحليل السابق والقيود المذكورة، فقد بينت النتائج أن الفوائد الاقتصادية التي تؤمنها محمية الشوف المحيط الحيوي كل عام هي في متوسط 19 مليون دولار أميركي. معظم هذه الفوائد الإقتصادية مستمدة من خدمات المياه بما في ذلك نوعية المياه، شبكات المياه، والمياه المعبأة. قيمة خدمات إحتباس الكربون وإنتاج الكتل الحيوية أيضا يشكل نسبة كبيرة”.

ارز الشوف3

أضاف: “كما تؤمن السياحة سنويًا مبلغًا إضافيًا يقدر بـ $700,000 في المنطقة وهي تشكل دعمًا لليد العاملة المحلية، أي ما يعادل حوالي 100 فرصة عمل. في حين أن البعض من خدمات النظم الإيكولوجية السابقة هي غير ملموسة، إلا أن القيمة الإقتصادية للأنشطة السياحية في المحمية هي ملموسة ومتنامية. معظم الفوائد المذكورة أعلاه تعود إلى وجود المحمية، إما بشكل كلي أو جزئي. على سبيل المثال، تلعب المحمية دوراً رئيسياً في تأمين المياه والحفاظ على نوعيتها في المنطقة، وعلى هذا النحو يمكن للمرء أن يؤكد بأن هذه الفوائد لن تكون على نفس المستوى في ظل غياب المحمية”.

وقال: “أما النفقات المرتبطة بالسياحة تعود إلى وجود المحمية، لأنه في ظل غياب المحمية تنشأ السياحة غير المنظمة التي من شأنها أن تستنزف في نهاية المطاف الموارد الطبيعية وتؤدي إلى تدهورها. وكذلك، إن إحتباس الكربون وإمكانية إنتاج الكتل الحيوية هي فقط بفضل الإدارة المستدامة التي يكفلها وجود المحمية وفريق عملها”.

ارز الشوف

وأكد هاني أن “النتائج المعروضة في هذه الدراسة تعكس فقط جزءاً واحداً من القيمة الإجمالية للخدمات التي تقدمها المحمية. فإن القيمة الإقتصادية للمحمية (متوسط 19 مليون دولار أميركي) تساوي 19 مرة كلفة إدارتها السنوية والتي لا تتجاوز المليون دولار معظمها يأتي من الجهات المانحة ويشمل الإستثمارات في مجال السياحة البيئية والتسويق والتنمية الريفية والتوعية البيئية والأبحاث العلمية”.

وإعتبر أن “الطبيعة لا تقدر بثمن وبالتالي فإن محمية الشوف المحيط الحيوي لا تقدر بأي ثمن أيضاً. هذا بالإضافة إلى مشاريع السياحة البيئية وأهمها مشروع التجربة المتوسطية بالتعاون والتمويل من قبل الإتحاد الأوروبي و European Neighborhood & Partnership Instrumente  الذي يهدف إلى إعداد كاتالوغ  لرزم السياحة البيئية في دول حوض المتوسط. ينفذ المشروع ست شركاء من خمس دول هم لبنان والأردن وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، أما رزم السياحة البيئية سوف تشمل 20 محمية موزعة على 10 دول حول المتوسط من لبنان المحميات المشاركة هي أرز الشوف وجبل موسى وشاطئ صور ويتم العمل على إضافة إهدن وتنورين إلى الشبكة أيضاً.

وقال أخيراً: “هذه الرزم سوف تعد لجميع أنواع السياح وخاصة القادمين من وراء البحار وبالتحديد من الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والمملكة المتحدة وتشجع على زيارة عدد محميات الشبكة المتوسطية في الجانبين من المتوسط وهذا يضع لبنان ومحمياته على خارطة السياحة البيئية العالمية”.