ماذا بعد تحرير المبنى “ب” في سجن رومية؟

نشأت الحسنيّة

يُسجل لوزير الداخلية والأجهزة الأمنية الخطوة الجريئة التي نفذت في المبنى “ب” من سجن رومية والتي كانت منتظرة نظراً لتفلت الأوضاع بعد أن باتت عبئاً على الدولة والقانون والسجناء حيث أصبح المبنى غرفة أمنية مجهزة بأحدث التقنيات التي أستعملت لتخطيط وتجهيز وتنفيذ وإدارة العمل الأرهابي من داخل السجن الذي طاول المدنيين الأبرياء وهدّد بفتنة لو لم يتم تداركها لأطاحت بالسلم الأهلي.

وإذا كنّا نتمنى ربط هذا الإنجاز الذي لاقى أرتياحاً عاماً بهيبة الدولة ومسؤوليتها في تطبيق القانون دون ربطه بإنجاز التفاهم والحوار بين قوى سياسية وكأن هذه القوى ومن ورائها أجهزة الدولة إمتنعت قصداً عن تطبيق القانون مما مهد لحالة خارجة عن القانون إستعملت لتسبّب ما سبّبته من ضرر ومآسي طاولت المواطنين في سلامتهم وأرزاقهم.

إن المتابعين والمطلعين على أوضاع سجن رومية وإن أبدوا أرتياحهم لما حصل فيه كونه يشكل مدخلاً لاعادة الهيبة إلى الدولة ويؤكد أنها قوية وقادرة عند وجود قرار لدى أصحاب المسؤولية،يعتبرون أن ذلك هو مدخل لإعادة القانون والنظام الذي غاب كثيراً من السجن ولكن ذلك برأي هؤلاء ليس كافياً بحدّ ذاته بل المطلوب إستتباعه بخطوات لاحقة وسريعة هي بأهمية ما نفذ في الأيام الماضية. فمعالجة نواحي الفلتان الحاصلة تستوجب تحقق الإرادة والرغبة في المعالجة وهي إجراءات ذات طابع إداري ظرفي آني، وأخرى ذات طابع طويل الأمد في المعالجة ويتطلب إستمرار الشجاعة التي ظهرت مؤخراً.

إن ذلك لن يتحقق بداية إلاّ من خلال فتح تحقيق سريع وجدي لمحاسبة المقصرين والمتواطئين من المسؤولين عن إدارة السجن الذين تراخوا وسهلوا إقامة هذه الإمارة داخل السجن وهذا عمل مدبّر إذ لا يمكن وصول ودخول هذه المعدات الحديثة إلى داخل السجن خفية عن القيمين على إدارة السجن ولم يكن من الممكن دخولها لولا المساعدة التي تلقوها.

سجن رومية د

وبالتوازي يجب العمل على إجراءات مناقلات سريعة لكل العناصر المكلفة أد إدارة وحماية سجن رومية وإقصاء الكثيرين منهم ومحاسبتهم لأن ما ظهر من داخل السجن كفيل لوحده بإجراء تلك المناقلات وتطهير السجن من الفاسدين الذين تمنعوا عن القيام بواجباتهم لقاء منافع دون شك تلقوها، سهلت لهم ذلك مع وجود قرار بعدم التصدي.

ومسألة إنهاء التمرد والتطاول على القانون والسلطة في السجن يجب أن تترافق أيضاً مع تسريع وإنهاء ملف الإسلاميين العالق منذ أعوام كثيرة دون محاكمة، فإن هذا الوضع الشاذ الذي لم يسجل في تاريخ القضاء اللبناني أو القضاء بشكل عام إلاّ في الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية القمعية التي تتحكم بها أجهزة المخابرات، سبّب دون شك نقمة لدى السجناء المنسوب إليهم إرتكاب جرائم عادية والتي عملت المجموعات ذات الإنتماء الإرهابي إلى تغذية نقمتهم وتحويلها حقداً إستغل من قبل تلك المجموعات لتعزيز الفكر الإرهابي التكفيري لدى عامة السجناء.

إن الأسباب الأمنية لم تكن سبباً مقنعاً لعدم إنجاز المحاكمات وطالما أن هذه الأسباب أزيلت يجب البدء فوراً بإتمام المحاكمات بشكل عادل وشفاف لإحقاق الحقّ ومحاسبة المتورطين وإطلاق سراح من ثبت عدم علاقته بالجرائم الحاصلة آنذاك.

ويرى المراقبون أن التوقف فقط عندما أنجز على أهميته لن يكون كافياً. صحيح أن الخطر الأكبر داخل سجن رومية كان الخطر الداهم على الدولة والذي سبّبه بعض الموقوفين المرتبطين بمجموعات إرهابية تكفيرية فإن هذا الوضع الشاذ لم يكن لينمو لولا بيئته الحاضنة من الفساد التي تلف أروقة سجن رومية بشكل مخيف. ولا يغيب عن البال الفضائح التي ظهرت من سجن رومية والتي كانت بدأت بمخالفات صغيرة أخذت من جراء عدم الرقابة والمحاسبة بالنمو حتى وصلت إلى وجود هذه البؤر الإرهابية داخل السجن والتي تخالف المنطق والعقل.

فتهريب الممنوعات على أشكالها وإدخالها إلى السجن مع المخدرات والحبوب المخدرة وأقامة جزر أمنية لسجناء متهمين بتهريب المخدرات والقتل شكّل سابقة خطيرة إستبيحت من خلالها كل الأنظمة والقوانين والتي يجب عدم التغاضي عنها ومعالجتها بالسرعة القصوى حتى لا نعود إلى الوراء.

فكثير من السجناء تمردوا بادئ الأمر ضدّ حالة الفلتان داخل السجن والمحسوبة. فكثير من هؤلاء لم يدخلوا السجن بتهم إرهابية ولكنهم لاحقاً إرتبطوا أو تعاونوا مع إرهابيين داخل السجن كردة فعل على ظلم إعتقدوا أنه لحق بهم جراء معاملة غير إنسانية تعرضوا لها داخل السجن. فإستقواء سجناء محميين على زملائهم السجناء وفرض الخوات عليهم وإذلالهم وإستغلالهم وإستغلال أهاليهم وعائلاتهم ناتج برمته عن التراخي في تطبيق الأنظمة.

وهنا يطرح سؤال أساسي: ما هي رؤية الدولة لوظيفة السجن وما هي الخطوات التي تعتمدها في إدارة السجون لتحويلها إلى مكان لائق وظفيته إصلاحية؟ فإدارة السجن ليست مهمة أمنية بقدر ما هي وظيفة إنسانية إصلاحية تبدأ من إخضاع السجناء عامة لإصلاح ومتابعة إجتماعية نفسية قبل كل شيء. ويكفي الإشارة إلى أن العديد من السجناء الذين دخلوا السجن لتنفيذ عقوبة جنحية خرجوا مجرمين جنائيين خطرين عدا أن سجناء كثر وبعد أن قضوا محكوميتهم عادوا ليدخلوا السجن من جراء إرتكابهم جرائم وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن الوظيفة الإصلاحية للسجن مفقودة وهذه مسؤولية وطنية يجب مواجهتها وعندها يمكن القول أن ملف السجون في لبنان قد دخل مرحلة المعالجة الفعلية.