جنبلاط يدعو عبر “الأنباء” لقيام نظام اقليمي جديد: العالم العربي لن يستطيع مواجهة الارهاب وحيداً

أدلى رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط بموقفه الأسبوعي لجريدة “الأنباء” الالكترونية جاء فيه:

مع إجتياح المنطقة العربيّة موجات وموجات من العنف والقتل والاجرام، ومع تطوّر الأحداث السياسيّة والميدانيّة بشكل دراماتيكي ممّا يؤدي إلى التلاشي التدريجي للحدود الجغرافيّة بين الدول التي إرتسمت بعد الحرب العالميّة الأولى وإتفاقيّة سايكس- بيكو ومعاهدة لوزان، ومع تنامي المجموعات المتشددة والمتطرفة التي تمارس أبشع أنواع الارهاب، فإنه يبدو واضحاً أن النظام العربي القديم ينهار رويداً رويداً وتالياً لا بد من البحث في أفكارٍ سياسيّة جديدة للخروج من هذا المأزق الذي يهدد الأمن القومي العربي بشكل غير مسبوق، من الحرب الأهليّة السوريّة إلى حروب العراق وليبيا واليمن وظاهرة “داعش” وسواها من المخاطر المحدقة.

وإذا كان هناك جديّة في محاربة الارهاب كما يُعلن ويُقال، فإن العالم العربي لن يستطيع مواجهة هذا التحدي وحيداً. وقد يكون آن الأوان لاعادة النظر بمفهوم الجامعة العربيّة بحيث يتم العمل على إنشاء نظام إقليمي جديد عبر توسيع الجامعة لاشراك تركيا والجمهوريّة الاسلاميّة الايرانيّة والتعاون مع هذين القطبين الاقليميين الكبيرين لمواجهة الارهاب المستشري من العراق إلى سوريا إلى مواقع أخرى، وللحفاظ على حدود الدول القوميّة التي قامت منذ أوائل القرن العشرين، ولارساء أنظمة سياسيّة تلبي طموحات التنوع العرقي والطائفي والمذهبي وتستوعبها.

إن التفكير الجدي في هذه الخطوة من شأنه أن يؤسّس لمرحلة جديدة تستطيع من خلالها الجامعة العربيّة مع اللاعبين الاقليميين إياهما أن تحدث تغييراً في مسار الأحداث الجارية في المنطقة وهي أحداث جارفة تكاد تطيح بكل المرتكزات التاريخيّة والسياسيّة والقوميّة لا سيّما مع دخول لاعبين جدد إلى ساحات الصراع كالمنظمات المتطرّفة التي لا تقيم أي إعتبار للمكوّنات الجغرافيّة أو السياسيّة أو القوميّة، ومع نمو الطموحات الانفصاليّة لبعض المجموعات الطائفيّة والعرقية في أكثر من موقع ومكان.

أما فيما يتعلق بإعلان الرئيس الأميركي عن خطته المرتقبة الأربعاء لمواجهة “داعش”، فإن إستبعاد إيران مسبقاً عن أية جهودٍ دوليّة في هذا الاطار لا معنى له وسيؤخر تحقيق نتائج إيجابيّة في الحرب على الارهاب. وإذ نشك سلفاً بأن تخرج الخطة المفترضة بأي خطوات ملموسة، إلا أنها مفارقة أن يكون سلف الرئيس الحالي أي الرئيس جورج بوش قد فعل الكثير للعراق مما أدّى إلى تدميره وإدخاله في الفوضى، في حين أن الادارة الحالية برئاسة أوباما لم تفعل شيئاً ممّا ولد المزيد من الفوضى وجعلها أكثر إستشراء وإنتشاراً في كل المنطقة العربيّة التي تتحوّل تدريجياً إلى كياناتٍ مذهبيّة وطائفيّة يعمّها الجهل!

في مجال آخر، لقد حقق الاتحاد الافريقي نجاحاً جزئيّاً في بلدان إفريقيّة متعددة من خلال تشكيل قوّة التدخل العسكري بالتوازي مع المساعدة الغربيّة أسوةً بما حدث في ليبيريا وأيضاً في مالي وجمهوريّة أفريقيا الوسطى اللتين شهدتا تعاوناً عسكريّاً فرنسيّاً- إفريقيّاً. والمبدأ ذاته قابل للتطبيق في الدول العربيّة التي تواجه الارهاب والفوضى ومنها ليبيا، على سبيل المثال، التي يساعد إخراجها من أزمتها في إعادة الاستقرار لها وفي تلافي إنتقال الفوضى إلى دول الجوار مثل تونس ومصر ودول إفريقيّة أخرى. وهذا يتطلب دعم الجيش الليبي وتعزيز قدراته قبل التوصل لتجريد الميليشيات من سلاحها والتدخل العسكري من قبل القوّة المشتركة عند الضرورة لتحقيق هذه الأهداف.

أما فيما يخص الحرب السوريّة، فإن أي تفكير بإستبعاد روسيا عن الحل هو ضربٌ من العبث. صحيحٌ أن الظروف التي ولدتها الأزمة الاوكرانيّة عقدت هذا الأمر، ولكن لا مفر من هذا الخيار. لذلك، قد يكون من المفيد التذكير بضرورة تغيير النظام والتخلص من رموزه التي قامت بالقتل والقمع والعودة إلى المبادرة العربيّة الأولى التي أشارت إلى قيام حكومة إنتقاليّة وتنقية الجيش من العناصر التي إرتكبت القتل والاجرام وإعادة بنائه على أسس وطنيّة. ولاحقاً، في حال تمت التسوية، فمن الممكن إستيعاب عناصر الميليشيات التي تضم في صفوفها سوريين، أسوةً بما حدث بعد إنتهاء الحرب اللبنانيّة، بهدف الحفاظ على المؤسسات وفي مقدمها الجيش لحماية وحدة الدولة السوريّة.
من ناحية أخرى، فإن التطورات المتلاحقة في اليمن تنذر بإندلاع حرب أهليّة وشيكة، وهو ما يؤكد مرّة جديدة الحاجة الملحة لقيام حوار سعودي- إيراني لدرء المخاطر عمن اليمن لا سيّما أن إشتعال الحرب فيه ستترك تداعيات خطيرة في شبه الجزيرة العربيّة برمتها ولن تقتصر على الواقع اليمني الداخلي.

ختاماً، تحيّة إلى شهداء الجيش اللبناني الذين في كل مرّة يسطرون بطولاتٍ جديدةٍ لحماية لبنان وسيادته وإستقراره، وتحيّة إلى أهالي القلمون الذين أقاموا مجلس عزاء عن أرواح شهداء الجيش وهذه وقفة تضامنيّة في غاية الأهميّة، وتحيّة لأسرة الشهيد عباس مدلج ووالده تحديداً الذي أثبت عن هدوء أعصابٍ إستثنائي وأعلن مواقف وطنيّة ترتفع فوق جراحه وألمه.