أبو بكر البغدادي: قوة الدفع في «الدولة الإسلامية»

  في الخامس من تموز/يوليو، خرج أبو بكر البغدادي المعروف من قبل داعميه بـ “الخليفة إبراهيم” من الظل وكشف عن وجهه للمرة الأولى، وذلك في خطبة الجمعة في مدينة الموصل في العراق. ومع أن صوره كانت قد تسربت في وقت سابق، إلا أنه لم يظهر على العلن في السنوات الأربع منذ أن أصبح زعيم الجماعة الجهادية التي كانت تُعرف آنذاك باسم «الدولة الإسلامية في العراق» (الإسم السابق لـ  تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» [«داعش»]، ثم «الدولة الإسلامية»).

ولم يصدِر البغدادي قبل نيسان/أبريل 2013 الكثير من الرسائل الصوتية. وكان بيانه الخطي الأول تأبيناً لأسامة بن لادن في أيار/مايو 2011، فيما أُصدر أول تسجيل صوتي له في تموز/يوليو 2012 وتوقع فيه انتصارات مستقبلية لـ «الدولة الإسلامية».

لكن منذ بدء تمرد الجماعة قبل 15 شهراً، ازدادت الإنتاجات الإعلامية للبغدادي، وازداد كذلك حجم المعلومات المحددة عن خلفيته.

‘سلالة النبي’

في تموز/يوليو 2013، كتب المفكر البحريني تركي البنعلي، مستخدماً اسماً مستعاراً هو أبو همام بكر بن عبد العزيز الأثري، سيرة حياة البغدادي. وكان الهدف من ذلك، جزئيّاً، تسليط الضوء على تاريخ عائلة البغدادي، التي تدعي أن البغدادي كان بالفعل من سلالة النبي محمد (صلعم)؛ وهي من المؤهلات الرئيسية في التاريخ الإسلامي لتولي الخلافة. وأشارت تلك السيرة إلى أن البغدادي ينحدر من قبيلة البو بدري التي كان مقرها الأصلي في سامراء وديالى، شمال وشرق بغداد على التوالي، وعُرفت تاريخيّاً بكونها من سلالة النبي (صلعم).

ويتابع تركي البنعلي كذلك لافتاً إلى أنه قبل الغزو الأمريكي للعراق، حاز البغدادي على شهادة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية في بغداد، حيث ركّز [في دراسته] على الثقافة الإسلامية والتاريخ والشريعة والفقه. وكان البغدادي يعظ في مسجد الإمام أحمد بن حنبل في سامراء.

ويجدر بالذكر أن البغدادي لا يحمل أي اعتمادات من مؤسسات دينية سنية موقرة مثل جامعة الأزهر في القاهرة أو الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فهو أكثر تعمقاً في العلوم الإسلامية التقليدية من أي من قادة تنظيم «القاعدة» في الماضي والحاضر، أي أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، حيث أنهما علمانيان؛ وقد أصبح الأول مهندساً والثاني طبيباً. وهذا ما أعطى البغدادي ثناء وجدارة وشرعية أكبر لدى داعميه.

صعود السلم

في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2003، أسس البغدادي مع بعض شركائه «جماعة جيش أهل السنة والجماعة» التي كانت نشطة في سامراء وديالى وبغداد. وشغل البغدادي منصب رئيس هيئة الشريعة في هذه الجماعة. وقد احتجزته قوات الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة في شباط/فبراير وحتى كانون الأول/ديسمبر 2004، لكنها أطلقت سراحه لأنها لم تعتبره تهديداً رفيع المستوى.

وبعد أن غيّر تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» اسمه ليصبح تنظيم «مجلس شورى المجاهدين» في مطلع 2006، بايعت قيادة «جماعة جيش أهل السنة والجماعة» هذا التنظيم وانضمت إلى المنظمة المظلّة. وانضم البغدادي ضمن هذه الهيكلية الجديدة إلى لجان الشريعة. لكن بعد فترة وجيزة من إعلان التنظيم عن تغيير آخر لإسمه في أواخر 2006 ليصبح «الدولة الإسلامية في العراق»، بات البغدادي المشرف العام على لجان الشريعة للولايات ضمن «الدولة» الجديدة وعضواً في مجلس الشورى الأكبر لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق». وبعد وفاة زعيم «الدولة الإسلامية في العراق» أبو عمر البغدادي في نيسان/أبريل 2010، خلفه أبو بكر البغدادي.

مكاناً في التاريخ؟

منذ استلامه زمام القيادة في «الدولة الإسلامية»، أعاد البغدادي بناء وتعزيز التنظيم الذي أنهكته “الصحوة” العشائرية السنية بدعمٍ من الزيادة في عدد القوات الأمريكية [“الطفرة”] في ذلك الحين. ولكن حتى الآن وبالمقارنة مع أول محاولة لـ «الدولة الإسلامية» في الحكم خلال العقد المنصرم، يعتبر مستواها قد تحسّن مع أنها لا تزال عنيفة، على الرغم من استمرار طرح الأسئلة حول استدامتها على المدى الطويل.

ويرتبط جزء من ذلك بإرفاق عقوباتها القضائية القاسية مع نظام خدمة اجتماعية من أجل استحداث المزيد من القوة اللينة ولتطبيق سياسة الجزرة والعصا أيضاً. وبالمثل، وكدرس من “صحوة” العشائر، قامت «الدولة الإسلامية» على مدى العامين الماضيين إما باغتيال القادة الرئيسيين في حركة “الصحوة” أو قبلت “التوبة” من الذين يودون الانضمام إلى التنظيم. وساهم ذلك بعدة طرق في إحباط إمكانية نشوب انتفاضة واسعة النطاق كما حدث في العقد الماضي، مع أن الشائعات تتحدث عن بعض العناصر العشائرية التي لم “تتب” وسوف تتمرد على «الدولة الإسلامية».

بالإضافة إلى ذلك، إذا نظرنا إلى المواقع التي استهدفتها «الدولة الإسلامية» من أجل السيطرة عليها أو تلك التي تسيطر عليها حاليّاً، نجد أن عدداً كبيراً منها يقع على ضفاف كل من دجلة والفرات وفي مناطق غنية بالنفط في العراق وسوريا. إذ يدرك البغدادي وباقي قيادات «الدولة الإسلامية» أنه من خلال احتكارهم الطاقة (للاستهلاك البشري أو للأجهزة الكهربائية) بالإضافة إلى قوة التنظيم العسكرية المتنامية، فإن ذلك سيسهل تعزيز سلطة التنظيم حتى إذا كان بعض السكان لا يوافقون على مشروعه الأيديولوجي.

وفي حين أننا قد لا نعرف مستقبل «الدولة الإسلامية»، من الواضح أن البغدادي أعاد للمنظمة مكانتها وقادها ثانية إلى الصدارة. فهو قد تفوّق بعدة طرق على أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس الجماعة في العقد الماضي، من حيث المكانة والموارد والإمكانات المستقبلية.

ومن المرجح أن تظهر أهميته الحقيقية بعد وفاته، لأنه كما رأينا مع تنظيم «القاعدة»، واجه أيمن الظواهري صعوبة كبيرة عندما اضطر للحلول محل بن لادن. أما في الوقت الحالي فـ “خليفة” «الدولة الإسلامية» هو النجم الصاعد في “مشروع الخلافة”.

————————————————

(*) هارون ي. زيلين / معهد واشنطن