«… ومع كل هذا وذاك سنبقى على رجاء قيامة لبنان الوطن وليس الساحة المستباحة واأن لا يتمكن «الفيروس السوري» من الإجهاز على ما تبقى من الوطن. وما زال الآتي هو الاعظم» («الحياة» 28 كانون الأول/ديسمبر 2013).

لم يكن هذا الكلام من باب التنجيم او قراءة في الغيب او من قبيل التهويل بقدر ما كان نتاج قراءة تحليلية للعوامل القابضة على الوضع الراهن ومدى تداخل التعقيدات الاقليمية بتفاصيل ومفاصل الازمة في لبنان. وفي الانتقال الى توصيف الحال كما يلي: بين انفجار وانفجار هناك انفجار آخر وبين الاغتيال والاغتيال هناك اغتيال آخر، اذ اقفل العام الراحل 2013 على عمل انتحاري أودى بحياة وجه لبناني بارز من قوى الرابع عشر من آذار، ورمز للاعتدال والعقلانية الراحل محمد شطح وذلك في قلب العاصمة بيروت. وفيما كان لبنان يلملم جراحاته جراء هذا الحادث وقع تفجير انتحاري آخر في الضاحية الجنوبية لبيروت أسفر عن سقوط خمسة ضحايا وعشرات الجرحى وذلك في مطلع العام الجديد 2014.

وتزامنت هذه التطورات الدرامية مع الاعلان عن اعتقال القيادي في تنظيم «القاعدة» ماجد الماجد، الذي ما لبث أن أعلن عن وفاته في المستشفى العسكري في ظروف غامضة وكل ما قيل بأن تدهوراً في حالته الصحية العامة أدى الى وفاته. وكان الماجد يعتبر «الصيد الثمين» للعديد من أجهزة الاستخبارات الاقليمية والعالمية وهو كان مطلوباً من جانب العديد من الدول التي عانت من الارهاب، والآن يبدو ان الكثير من الأسرار ذهبت مع ماجد الماجد بوفاته، حيث كانت المملكة العربية السعودية التي يحمل جنسيتها تطالب باسترداده، وكذلك كانت ايران. وعلم ان عائلة الماجد طلبت الحصول على جثته لدفنه في السعودية.

الآن: ما مصدر القلق جراء العمليات التفجيرية التى شهدها لبنان في الآونة الاخيرة؟

جواب: بسبب ما تكشف من ان الانتحاريين هم من صنع لبناني محلي، وعليه أصبح لبنان دولة منتجة ومستهلكة ومصدرة للارهاب. وهذه العمليات التفجيرية الارهابية زرعت القلق الكبير في نفوس اللبنانيين، او اي زائر الى لبنان (هذا إن وجد) خاصة عندما نعلم ما يعاني منه الوضع من تعقيدات واحتقانات في شتى المجالات، في ضوء دخول ازمة تأليف الحكومة الجديدة الشهر العاشر، اضافة الى حالة الشلل التي يعاني منها مجلس النواب جراء انعكاس الازمة على السلطة التشريعية وتعطيل انعقاد الجلسات النيابية، وصولاً الى الهم الاكبر والمتمثل بصعوبة الاتفاق على شخص رئيس الجمهورية الجديد الذي سيخلف من حيث المبدأ الرئيس ميشال سليمان لدى انتهاء ولايته. وعلى مجلس النواب ان يصوت على «الرئيس العتيد» في ما لا يتعدى شهر أيار (مايو) المقبل، وإلا دخل لبنان في مأزق جديد وهو الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية.

وفي غمرة الأحداث ووتيرتها المتسارعة نقلت وكالة انباء «فارس» الايرانية معلومات على جانب كبير من الخطورة نحرص على نقلها بالامانة المهنية المطلوبة. فقد نشرت تقريراً عن الوضع الامني ذكرت فيه: «ليس من العبث القول ان الساحة اللبنانية يمكن ان تكون خلال الاسبوعين المقبلين على الاقل مسرحاً لأحداث دموية ومواجهات ودخول عناصر انتحارية. وكانت الشرارة الأولى لهذه المرحلة قد انطلقت بالتفجير الارهابي الذي وقع امام السفارة الايرانية في بيروت». وجاء في التقرير: «يبدو ان امام لبنان اسبوعين حافلين بالخطورة الى حين موعد انعقاد مؤتمر «جنيف -2» في شأن الأزمة السورية لما لها من انعكاسات وتأثيرات كبيرة على لبنان». ويضيف: «يرى المراقبون ان الأيام المقبلة في غاية الخطورة، الأمر الذي يستدعي من القوات العسكرية والامنية ان تكون على أهبة الاستعداد بصورة مستمرة. وبحسب اعتقاد هؤلاء فإن احد اسباب تصاعد الأوضاع الأمنية في لبنان الاقتراب من موعد مؤتمر «جنيف -2» المزمع عقده لحل الازمة السورية».

ويمضي التقرير «الفارسي» في القول: «يبدو ان البداية لهذه المرحلة كانت في الاسبوع الماضي من سلسلة الجبال الشرقية في لبنان حيث شهدت منطقتا عرسال والهرمل تحركات عسكرية من ضمنها اطلاق صواريخ وقذائف هاون من المجموعات الارهابية المسلحة نحو الاراضي السورية، الامر الذي استدعى تدخل مروحيات الجيش السوري والرد على ذلك».

ويمضي التقرير: «ولهذا السبب فإن التفجير الارهابي الذي استهدف حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت اخيراً، استهدفها مع الاقتراب من موعد انعقاد مؤتمر «جنيف-2» وبالتحديد موعد عمليات القلمون التي تعتبر «معركة وجود ورد اعتبار» بالنسبة الى الدولة السورية مثلما تعتبر كذلك بالنسبة الى المجموعات الارهابية المسلحة، والاطراف الداعمين لها. ان معركة القلمون تحظى بأهمية فائقة من حيث ان المنتصر فيها سيسيطر على هذه المنطقة العسكرية الاستراتيجية ويمكنه من خلال ذلك ايضاً السيطرة على 60 الى 70 في المئة من الاراضي السورية، وفي امكان الأطراف الداعمين له الحضور في مؤتمر «جنيف-2» بموقف قوي».

ويتابع التقرير: «في هذا الصدد يمكن القول إن المجموعات الارهابية المسلحة وخصوصاً المسماة «السلفية الجهادية» منها تدرك هذا الامر وتعلم جيداً في الوقت نفسة ان الساحة اللبنانية ذات علاقة وثيقة بالساحة السورية وان الامن والاستقرار في الساحة اللبنانية خصوصاً لـ «حزب الله» في الفترة الاخيرة لن يصب في مصلحة هذه المجموعات».

وينتهى التقرير الى القول: «لذا فإنه حتى انطلاق معركة القلمون وبدء مؤتمر «جنيف-2» سيكون الهاجس والخوف مهيمنين على الساحة السياسية والامنية اللبنانية وأن ما شهدناه خلال الايام الماضية في الضاحية الجنوبية لبيروت وعرسال والهرمل من المحتمل ان تشهده في الايام المقبلة»!

انتهى بيان وكالة «فارس» وقد حرصنا على نقله بحرفيته نظراً الى اهميته وخطورته معاً وجدية مصادره. وفي معرض التحليل لكل هذه المعلومات يمكن الاشارة الى ما يلي:

اولاً: لا يمكن عزل او فصل هذه المعلومات من وكالة «فارس» عن حال التجاذب القائم حول جدوى انعقاد مؤتمر «جنيف-2»، ومن هي الاطراف المشاركة فيه؟ لقد انقسمت الآراء الاقليمية والدولية حول هذا الموضوع بين فريق – ومنه الولايات المتحده الاميركية، يؤيد بقوة مشاركة ايران في هذا المؤتمر انطلاقاً من اهمية حضور الدور الايراني في كل ما يجري على الساحة السورية، ودول اخرى تعارض هذا الحضور وهذه المشاركة وفي طليعتهم المملكة العربية السعودية من منطلق إبعاد «الهيمنه الايرانية» عما تشهده سورية من تطورات بالغة التعقيد والخطورة. وكالعادة فإن نتائج هذه المواجهة ستعبر عن نفسها على المسرح المفتوح دائماً على مجالات المنازلة الاقليمية والدولية الا وهو المسرح اللبناني.

وفي هذا السياق تبدو «معلومات فارس» وكأنها «خريطة طريق» لما ستكون عليه موجة التفجيرات والتوترات التي تعصف بلبنان، وللقول إن هذا ما ستكون عليه الأوضاع خلال الشهور القليلة المقبلة، وعلى المدى القريب منه والمتوسط. ونظراً للترابط المعلوم بين التطورات في الاقليم وما بعد الاقليم مع الشأن اللبناني الداخلي، فهذا من شأنه ان يستنهض كل الاطراف المتناحرة لإدراك مخاطر ما هو مقبل على الوطن.

واذا كانت الاختلافات في السياسة جائزة في الظروف العادية فهي ليست كذلك على الاطلاق في هذه الاوقات المصيرية من عمر الوطن. واذا كان «العامل الخارجي» هو الذي يتحكم بالواقع المحلي فإن الحد الادنى من تحسس وادراك صناع القرار او من تبقى منهم على الساحة اللبنانية، يفرض ان ينتفضوا ولو لمرة واحدة على الاقل، للتنادي والتلاقي ولو في الحدود الدنيا لتجنيب لبنان المزيد من الكوارث واستهداف الشعب اللبناني المنهك والغارق في همومه وشجونه ولا حول ولا قوة له.

إن ما يجري في لبنان هو الكيدية السياسية بعينها، والسباق المجنون بين السياسيين لتسجيل نقاط او مكاسب تبقى رخيصة عندما يتعلق الامر بمصير الوطن. فمنذ عشرة شهور والسجال يدور حول وزراء الحكومة العتيدة التي كلف الرئيس تمام سلام بتشكيلها، والتجاذب على اشده بين حق كل كتلة نيابية في عدد الوزراء، ونوعية الحقائب. ولوحظ في الساعات القليلة الماضية وجود بعض الحراك الذي يستهدف الخروج من النفق المظلم واستدراك الخطر الآتي على الوطن. ومنذ التكليف يصر سلام على اقتراح صيغة قيام حكومة من ثلاث ثمانيات 8-8-8 يراعي في توزيع العدد مصالح تكتل الرابع عشر من آذار، وتكتل الثامن من آذار، اضافة الى الثمانية الثالثة والتي ستكون من حصة تكتل الوسط الذي يضم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والاستاذ وليد جنبلاط اضافة الى رئيس الحكومة. وانقضت الشهور التسعة الاخيره بين مناكفات السياسيين (وانتقال العقد التي حالت دون ولادة الحكومة العتيدة). واليوم عاد الحديث عن هذه التركيبة مع الصراع «الابدي والسرمدي» للحصول على حقائب بعينها وكأنها اصبحت ملكاً خاصاً لهذا التوجه السياسي او ذاك. وبانتظار ما سيكون عليه «جحيم لبنان» كما وعد «الراوي الفارسي» في المعلومات التي نشرها وعممها، يجب الأخذ في الاعتبار العوامل التالية:

اولاً: كشفت التفجيرات الانتحارية التي وقعت ان هذا الارهاب هو من انتاج لبناني، حيث اصبح لبنان اعتباراً من تاريخة البلد المنتج والمنفذ للارهاب بكافة اشكاله. وحيال ما ظهر فإن الارهاب أصبح نمط حياة اللبنانيين، اذ اصدرت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي بلاغاً تضمن «مجموعة نصائح» حول كيفية التصرف لدى حدوث اي انفجار. ومع ان المرجع الامني يشكر على نصائحه لكن ليس من السهل على الاطلاق اقناع ضحايا العمليات الارهابية «ان لا يصابوا بالخوف والارتباك». ويعايش اللبنانيون بوجه الاجمال هذه الايام حالة من الذعر والقلق هي مبررة في ضوء تعدد التفجيرات الارهابية الانتحارية منها او اي شيء آخر يتصل بالتفجير.

ثانياً: في ما يتعلق بمواقف مختلف مكونات المجتمع اللبناني، سؤال: لماذا يقتصر التوافق والتفاهم بين اللبنانيين على المآتم والاحزان فحسب؟ اذ يلاحظ تواجد اعداد كبيرة من اللبنانيين في مشاركة احزانهم لبعضهم البعض، حيث يتلاقى، اللبنانيون على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، فلماذا لا يتلاقون في مناسبات اخرى غير الموت والحزن؟

ثالثاً: قد تكون المرة الأولى التي تجتمع فيها مصادر محلية لبنانية واقليمية ودولية على التحذير مما ينتظر لبنان في الآتي من الايام. فهل هناك من يتبلغ هذه الرسائل ويجنب الوطن بعضاً من اوقات قائمة وحالكة وردت على ذمة الرواة العاملين بظواهر وخفايا الواقع اللبناني اكثر من بعض اللبنانيين انفسهم؟