في عام التحولات الخطيرة: ما زال الآتي هو الأعظم

عادل مالك (الحياة)

ينتهي عام 2013 على الكثير من المواجع والجراحات الثخينة في الجسد العربي، والتي هي من النوع غير القابل للحياة، ولا للشفاء من الأورام الخبيثة التي ابتلي بها. وعندما تصبح أعداد المهاجرين والمهجرين من الوطن يفوق عدد المقيمين فهذا يعني وجود «أزمات عضالية الطابع» تؤشر إلى وجود خلل أساسي في بنية وتركيب الإنسان العربي المسحوق بألف ضغط وضغط، حيث تقف «خير أمة أخرجت للناس» وهي في أسوأ وأفدح حالات الانقسام والتشرذم والقهر والتراجع والانكفاء وتدمير الذات العربية أو ما تبقى منها.

وعشية انتقال العام الراحل إلى متحف التاريخ ومع استقبال عام جديد لا نعرف منه وعنه سوى الأمل والرجاء كي لا يكون في درجة السوء نفسها التي نشهدها في السنوات الأخيرة، حيث اندلع ولا يزال ما أطلق عليه تجاوزاً مرحلة «الربيع العربي» وتحولت الأمور مع مرور الزمن إلى ثورات «تقويضية» ومدمرة أعاقت مسيرة المنطقة وأرجعتها سنوات وسنوات إلى الوراء.

كان هذا هو الموجز وإليكم التفاصيل.

ماذا على جبهة سورية بعد انقضاء ثلاث سنوات على الحرب، بل على الحروب فيها؟ وهل يحمل تاريخ 22 كانون الثاني (يناير) 2014، وهو تاريخ انعقاد مؤتمر «جنيف – 2»، بارقة أمل لوقف هذا الزلزال المدمر؟

في عملية الحرب والسلام، هذا القول: إذا أردت أن تبلغ السلام عليك الاستعداد للحرب. لكن «الوضع السوري» مختلف، حيث إن الحرب مشتعلة، والسلام الصعب ليس متاحاً في الوقت الحاضر على الأقل، فما المتوقع خلال العام الآتي وما الذي يمكن أن يحمله لسورية؟

في عام التحولات الكبرى في المنطقة، سورية ليست الاستثناء وما حدث من مفاجآت في الصراع الدائر في سورية وعليها هناك المزيد منه قياساً على ما جرى خلال السنوات الثلاث المنصرمة من قيام ثورات وانتفاضات بدت في حينه وكأنها مطالب مشروعة سقطت مع تقادم الزمن. تعرضت هذه الثورات للكثير من عمليات الخطف والخطف المتبادل، مع تحول الساحات السورية المترامية الأطراف إلى المواجهات الحادة بين نزاعات وجودية ومصيرية بين مناضلين حقيقيين ومع الآخرين من المرتزقة الذين تم استقدامهم من شتى أصقاع الأرض لتتحول سورية إلى «منطقة حرة» تهافت عليها ولا يزال العديد من «المناضلين» والأطراف الطفيلية التي أمعنت في «حرب تحرير سورية» من نظام بشار الأسد إلى عصابات مسلحة تحكمها مجموعة مصالح لا علاقة لها بقيم الثورات ولا نبل طروحتها، لتحول سورية رهينة أقصى شعارات التطرف في عالم الإرهاب.

وفجأة تحولت مطالبات الدول الغربية الأميركية منها والأوربية من المطالبة برحيل بشار الأسد، إلى التوقف عند ما يعصف هذه الأيام، حيث اتضحت أمام العالم خطورة تبديل النظام الأسدي واستبداله بتولي عناصر مفرطة في الإرهاب، إلى درجة أن بعض الدول الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة توقفت عن تزويد المعارضة بالمال والسلاح، لدرجة أن اضطرت العناصر المعارضة للنظام في دمشق إلى خوض المعارك الضارية بين «الجيش السوري الحر»، ومقاتلي «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش». من هنا، بدأت التحولات البارزة التي ستحدد مصير سورية على المدى القريب على الأقل بالظهور.

وفيما تواجه سورية والمنطقة والعالم التحضير لانعقاد مؤتمر «جنيف – 2»، من غير الواضح حتى كتابة هذه السطور مدى إمكانية هذا المؤتمر في حسم الصراع. لكن، لوحظ في الآونة الأخيرة بروز اتجاه جديد في العالم يرفع الشعار الآتي:

حان وقت إيقاف حرب سورية! ويلاحظ في هذا السياق أن الأطراف التي استشعرت أخطار استمرار الحرب على المدى القصير والبعيد تأتي بطروحات علها تسهم في التوصل إلى حل للأزمة التي خرجت أو تكاد عن السيطرة التامة. وفي هذا السياق نعرض للطروحات التي قدمها الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، وفي ما يأتي أبرز بنودها.

– لن يتمكن أي طرف من الفوز بهذه الحرب، لأن كلاً الطرفين يعتقد أن الخسارة تعني بالنسبة له الفناء، وهذا ما يفسر السبب في أن الحرب ستستمر ما لم يفرض المجتمع الدولي بديلاً شرعياً، وأولى الخطوات إنشاء لجنة ذات صدقية ومستقلة من غير الحزبيين بغية إجراء انتخابات.

– الخطوة التالية المهمة ستكون في بناء آلية أمنية قادرة على منع أي طرف من تخريب الانتخابات أو التلاعب بالنتائج، كما يحتاج الأمر إلى موافقة روسيا والولايات المتحدة على الخطة، وأن تقوم إيران «وقوى إقليمية أخرى» بوقف الدعم لحلفائها. ويختتم الرئيس كارتر بالقول: «لقد حان الوقت لتغيير الأجندة والشروط المسبقة والاستراتيجية الخاصة بسورية وإنهاء الحرب».

وفي إطار التحضير لمؤتمر «جنيف – 2» اندلعت خلافات حول بعض الأطراف المشاركين فيه. فهناك البعض المصرّ على مشاركة إيران في حين تعارضها أطراف أخرى. وفي كل حال سواء انعقد «جنيف – 2» أم لا، يبدو أن البحث عن السلام في سورية ليس قريب المنال، فيما يتقدم الطرح القائل بضرورة وقف تزويد «المسلحين والمقاتلين» بالمزيد من الأموال والعتاد.

لقد استفضنا في الحديث عن «الحال في سورية» نظراً إلى ما تمثل من أخطار على دول الجوار السوري وفي الطليعة لبنان الذي يعاني من أوضاع إشكالية متعددة يتصل معظمها بتطورات الأسابيع أو الأشهر المقبلة، لمعالجة الوضع المعقد الذي نشأ عن مشاركة «حزب الله» بالقتال في سورية. ونتابع مسيرة المواجع في المنطقة عشية انتهاء سنة وبدء السنة الجديدة، كي نصل إلى أكبر الجراحات الثخينة في الجسم العربي: وهي القضية المركزية – فلسطين! فهل من يذكر أن قضية العرب الأولى يجرى التعتيم عليها كل هذه الفترة حتى جاءت الولايات المتحدة بطرح استئناف عملية التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. كذلك يبدو أن جون كيري وزير الخارجية الأميركي يوجه عيناً على الحل في سورية والعين الأخرى على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي وهكذا أخرجت القضية الفلسطينية من جديد من طي النسيان، وتعود أميركا حالياً بجهود كبيرة للمضي في هذه المفاوضات مع «وعد» من بنيامين نتانياهو بضرورة «إحداث اختراق». فهل لاحظ «المراقبون المتابعون عن كثب» أن قضية فلسطين لم تطرح مطلقاً منذ اندلاع ثورات «الربيع العربي» وحتى الآن؟ هل يجب رفع رسالة شكر إلى الرئيس باراك أوباما، لأنه «تذكر» فلسطين ووجه عناية وزير خارجيته لممارسة أقصى الجهود والمساعي بحثاً عن حل، أي حل، يقوم على حل الدولتين: «دولة فلسطينية مستقلة ودولة اليهود»! وهذا يعني تجريد العرب الفلسطينيين من أي حق حتى الإقامة في مدنهم وفي قراهم، لأن إسرائيل ستصبح «دولة اليهود» فقط؟

وبعد…

أولاً: ندرك جيداً المواجع التى تفقض المضاجع في المنطقة من محيطها إلى خليجها، وسط حال من الضياع والتشتت لم يسبق لها مثيل. وما يزيد من ألم هذه المواجع حال التبعثر والتشتت القائمة في العالم العربي.

ثانياً: مع نهاية كل سنة ومطلع سنة جديدة اعتدنا على ممارسة تقليد التعبير عن الأمنيات، لكن ومع مرور الزمن وفي ضوء التجارب المريرة تتضح الهوة السحيقة بين الأمل والمرتجى والوقائع التي نعايش. ومع مرور الزمن تبقى الأمنيات شعراً جميلاً نردده الآن وإلى دهر الداهرين، آمين. لأن كل ما يظهر على خريطة الحلول لا يعدو كونه سراباً مخادعاً يتحول إلى خطة عمل! لا طائل منها. ولأننا لا نملك العصا السحرية، لا عصا موسى ولا غيرها لاجتراح المعجزات فسنبقى على الأمل وعلى الرجاء فقط.

ثالثاً: وسنة بعد سنة تكبر خريطة الأحزان والمواجع العربية أكثر فأكثر وليس على طريقة قارئة الفنجان يمكن أن نستشرف المزيد من أعمال الاقتتال والتدمير الممنهجة في طول العالم العربي وعرضه. وبكلمات، يتسع لها مجال المقال، نختتم بالآتي: في لبنان: الأزمة الحقيقية القائمة والقابضة على الوضع هي أزمة تأليف وطن، وليس تأليف حكومته فحسب. وفي سورية: مطلوب «حركة تصحيحية» لضبط العمليات الانقلابية الجارية مع اقتراب الحال السورية من ثلاث سنوات على اندلاعها، والواضح حتى الآن أن هذه الحرب بدأت بشيء وتحولت إلى شيء آخر وستنتهي، إذا ما انتهت، بأمر ثالث يختلف كلياً عن السبيبن الأول والثاني.

وفي فلسطين: يعاد طرح القضية في سعي لتحويل الأنظار عن القضايا الأخرى. ومرة جديدة نتساءل: هل فلسطين باقية في البال أم إنها في شدو السيدة الكبيرة فيروز وشعراء الوطن والقضية من محمود درويش إلى سميح القاسم إلى العديد من الشعراء في المنطقة والعالم. وقديماً قيل: ما ضاع حق وراءه مطالب، لكن المهم أن يبقى من يطالب باسترداد فلسطين لأن الحق يضيع إن لم يجد المطالب. وحتى إذا وجد المطالب بإبقاء قضية العرب الأولى فهي على الأوراق وعلى دفاتر النكسات والنكبات.

ستبقى «القضية المحورية» في قصيدة شاعر، أو في غناء مطربة… حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. ومع كل هذا وذاك سنبقى على رجاء قيامة لبنان الوطن وليس الساحة المستباحة، وألا يتمكن الفيروس السوري من الإجهاز على ما تبقى من الوطن.

وما زال الآتي هو الأعظم.

إن شعار المرحلة في لبنان: نقطة على السطر. ويجب أن يسأل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، ما هو الآتي بعد وضع النقطة على السطر.

اقرأ أيضاً بقلم عادل مالك (الحياة)

تغييب «الخليجي» و «الجامعة» … والبديل منظومة أمنيّة

مَن يستدرج مَن: واشنطن ترامب أم طهران؟

سورية: «انتهت» الحرب … ولبنان في الضوء الأحمر

التغييرات في خرائط المنطقة وفقاً لمراجع أميركية

روسيا تكشف المستور: نعم نتشاور مع إسرائيل!

زمن أميركا أولاً… ظالمة أو مظلومة؟

لبنان – المنطقة – العالم: بين الراحل والآتي

هل يتمدد النزاع في سورية بين سوريي الداخل ولبنان والجوار؟

الإمام موسى الصدر: بدعة لا غالب ولا مغلوب؟

… وهبّت رائحة النفط على لبنان: نعمة أم نقمة؟

عن «حصة الأسد» للأسد والباقي… تقسيم!

سورية بين «الذكاء» الروسي و«التذاكي» الأميركي!

… وماذا عن توطين النازحين اللبنانيين؟

الوضع في منتهى الخطورة… ما أشبه يوم العرب بأمسهم!

سورية: عشية «هدنة إنسانية» بعد التصعيد الخطير!

سورية: الحرب الصعبة والسلام المستحيل!

عكس السير والمنطق: تأجيج حروب… الحل!

عن ارتدادات ريختر الحريري: قبل أن يقرر عن اللبنانيين

عن حرب السنتين في لبنان: بين «سلام اليوم» وحروب الأمس!

المنازلة المبكرة بين «القيصر» بوتين و «السلطان» أردوغان