الطريق إلى سفارة إيران

احمد عياش (النهار)

لم يعش هاشم السلمان ليرى ان محاولته للوصول الى مدخل السفارة الايرانية في بيروت التي باءت بالفشل قد نجح في مثلها معين ابو ظهر. فشل السلمان كلّفه حياته كذلك كانت كلفة نجاح محاولة ابو ظهر حياته. الفارق بين المحاولتين ان السلمان لم يكن مستعدا ان يتخلى عن حياته عندما ذهب الى التظاهر على بُعد مئات الامتار من السفارة لكن رجال السفارة نزعوها منه. أما ابو ظهر فقد قرر ان ينهي حياته ثمن بلوغ باب السفارة فكان له ما اراد منهياً أيضاً حياة آخرين من بينهم عدد من رجال السفارة الذين تردد ان من بينهم من قتل السلمان. لو استطاع الخيال ان يقيم حوارا بين القتيل والانتحاري لانتهى الى سماع الثاني يقول للاول: “لقد حققت أمنيتك فوصلت الى باب السفارة وثأرت لك من قتلتك”. فيرد الاول: “هل تعتقد انني كنت احاول ان اصل الى السفارة؟ لم يكن ذلك في حسباني ابدا. أردت فقط الاحتجاج من بعيد على تغطية ايران تدخل “حزب الله” في سوريا”.

ويمضي الحديث بين السلمان وابو ظهر فيجد ان مشتركات عدة بينهما: فهما من جنوب لبنان وكلاهما يسري في عروقه دماء أم شيعية ويتفقان على كراهية الدور الايراني في سفك دماء السوريين واللبنانيين. لكنهما يفترقان حول طريقة الاحتجاج الذي تعددت اسبابه لكن الموت واحد. أمر آخر لم يصل اليه الحوار بين السلمان وابو ظهر هو انهما لم يفكرا على الاطلاق ان السفارة الايرانية مكان لإعطاء تأشيرة سفر الى طهران وهو الوظيفة الاساسية لكل سفارات العالم. فعلى رغم انهما شابان من بلد زرع في نفوس ابنائه منذ ألوف السنين رغبة السفر طلبا للرزق فإنهما لم يفكرا في ايران مكانا لنيل فرصة العيش. وهما ليسا وحيدين في هذا التفكير فمثلهما الآلاف من شبان “حزب الله” الذين منحتهم إيران تأشيرات الموت في سوريا. ولا عجب في ذلك وهناك الملايين من شباب إيران الذين ينتشرون في بقاع الارض الاربع فراراً من “نعيم” الجمهورية الإسلامية.

قبل 30 عاما، أي في العام 1983، فجّر انتحاري أعدته طهران نفسه فدمّر السفارة الاميركية في بيروت التي كانت ولا تزال مكانا لاصدار تأشيرات السفر الى الولايات المتحدة الاميركية طلبا للعلم والعمل. وفي العام 2013 منحت “القاعدة” الجنوبي ابو ظهر تأشيرة موت لتفجير السفارة الايرانية. لكن جديداً طرأ في الثلاثين عاما هو ان طهران على مقربة من إعادة تطبيع علاقاتها مع واشنطن. ولو تأخرت عملية ابو ظهر الانتحارية بضعة أيام لأصبحت السفارة الايرانية هدفاً “صديقاً” للولايات المتحدة بعد توقيع صفقة النووي. بالطبع لا تفرق كثيرا مع “القاعدة” التي بنَت شهرتها أصلاً على 11 أيلول 2001 في اميركا. لكن الأمر يفرق كثيرا مع طهران التي بنَت شهرتها منذ أكثر من 30 عاما على محاربة “الشيطان الاكبر” فصارت اليوم مثله “شيطاناً” تتم محاربته. أما لبنان هاشم السلمان فيحلم ان تكون فيه فسحة لـ”ملاك” لتتحقق نبوءة وديع الصافي “لبنان يا قطعة سما”.