“التقدمي” يشارك في مؤتمر جامعة “الروح القدس” عن النزوح السوري: الحل السياسي في سوريا هو الذي يزيل أسباب النزوح

عقدت جامعة الروح القدس – الكسليك في 12 كانون الأول المؤتمر الوطني “لبنان والنزوح السوري إدارة الأزمة والعودة، نحو سياسة عامة وطنية”، والذي تضمّن مقاربة شاملة لمختلف المستويات السياسية والدينية والأكاديمية والإعلامية للنزوح السوري والعودة، ويأتي تتويجاً للمبادرة الحوارية التي أطلقتها الجامعة على مدار عام كامل.

إفتتح المؤتمر بكلمة ممثّلة المفوّضيّة العليا لشؤون اللاجئين ميراي جيرار، تطرّقت فيها إلى خريطة الطريق المعتمدة من اطار الميثاق العالمي للاجئين، مذكّرةً بضرورة التزام المجتمع الدولي تقديم الدعم اللازم للبلدان المضيفة. كما لفتت جيرار إلى دور الدولة والسلطات المحليّة كالبلديات والمؤسسّات الروحية والأكاديميّة والإعلام والمجتمع المدني في إدارة هذه الأزمة والتقليل من تداعياتها.

من جهتها، كشفت السفيرة مونيكا شموتزكيرغوز إلى أن “السفارة السويسرية عملت منذ آب 2017 مع مختلف الأحزاب السياسية والشخصيات الدينية والخبراء الأكاديميين والصحافيين للبحث في قدرة لبنان على إدارة وجود اللاجئين السوريين في لبنان. وعملت سويسرا على توفير مساحة حوار بين مختلف الجهات الفاعلة. وقد تم عقد سلسلة من اللقاءات والمشاورات في حرم جامعة الروح القدس أدت إلى وضع هذه المسودة وذلك في جو إيجابي عمل خلاله المشاركون على إيجاد أرضية مشتركة لمواضيع عدة”.

بدوره، شدد الوزير معين المرعبي في كلمته على “أننا بأمس الحاجة إلى الاتفاق على سياسة عامة وطنية جامعة، توازن بين احترام حقوق الإنسان واحترام سيادة لبنان، ونحن في حاجة ماسة إلى ديبلوماسية تعمل للعودة بالتعاون مع الأمم المتحدة، وعلى قاعدة الضغط على من يعرقلون العودة وليس التعمية عن الحقائق والوقائع الجلية”.

وأضاف: “إنّ إدارة أزمة النزوح السوري تنطلق من ثابتة: أن عودة النازحين إلى سوريا حق مقدس، وبالتالي على الحكومة اللبنانية أن تعمل على هذه العودة برعاية أممية بشكل طوعي آمن و كريم، وليس لعودة “صورية” تتباهى بالأرقام لحسابات معينة لا علاقة لها بجوهر هذا الحقّ. عودة مستدامة إلى حيث الجذور والأصل، وليس عودة على أساس خطط التغيير الديمغرافي والمذهبي البغيض الذي يُعمل عليه، من خلال الرسوم الباهظة للحصول على البطاقات الشخصية، أو من خلال اغتصاب ملكية الشعب السوري (كالقانون رقم 10) أو بما يضرب وحدة سوريا وهويتها ونسيج مجتمعها التعددي”.

وألقى رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة كلمة تحدث فيها عن الاجتماع الذي انعقد منذ أسبوعين في الجامعة بين سلطات دينية وسياسية ووفد مؤسسات العمل الإجتماعي الكاثوليكية ROACO من الفاتيكان، للبحث في قضية اللاجئين السوريين في لبنان.

وشدد الأب حبيقة على أنه “لا يمكننا بناء سعادتنا على تعاسة الآخرين وإذلالهم وتحطيمهم، لأن الآخر المختلف هو طريقي إلى ذاتي وهو الذي يدخل في صياغة هويتي وعندما ألغيه أكون قد ألغيت قسمًا كبيرًا من ذاتي. إذاً، عندما أسعى إلى تهميش الآخر أو إلغائه، فأنا أدمر نفسي. وهكذا تكون سويسرا قد أعطتنا نموذجاً عظيماً في تحقيق الذات من خلال إدارة ذكية وفطنة للتعددية المناطقية واللغوية والدينية عبر هذه الصيغة السحرية. وإذا نظرنا إلى لبنان المتعدد والاتحاد السويسري لوجدناهما يتقاطعان بشكل مذهل ليس لناحية جمال الطبيعة والسرية المصرفية فحسب إنما لجهة إدارة التعددية أيضاً. وفي هذا الإطار، لم يضع البابا القديس يوحنا بولس الثاني لبنان على منصة المرجعية العالمية للدول المتعددة دينياً وثقافياً وحضارياً من دون سبب جوهري. لقد شكّل لبنان، منذ القرن السابع، حضناً فريداً للتعددية بين المسيحيين والمسلمين. هو بالفعل مختبر إنساني راقٍ للالتقاء والتبادل والعيش معاً ومواجهة الأزمات اليومية…”

بعدها انطلقت الجلسات المتخصّصة، فشارك في الجلسة الأولى التي أدارها المحامي الدكتور أنطوان صفير تحت عنوان “مقاربات دينية”، المطران يوحنّا رفيق الورشا، الشيخ حسن مرعب، الشيخ منير ملحم، الشيخ سامي أبي المنى، وأمين عام حركة الشبيبة الأرثوذكسية الأستاذ فادي نصر.

وكان لافتاً إجماع الفاعليات الروحية على اعتبار أزمة النزوح قضية إنسانية، وضرورة التعامل معها انطلاقًا من القيم التي تنادي بها الديانات السماوية في موقف موحّد، يفضي إلى إيجاد الحلول التي تسهّل آليات العودة الأمنة، مؤكّدين على دعم موقف الحكومة اللّبنانيّة ورافضين رفضًا قاطعًا ما يتمّ تداوله عن محاولات توطين مقنّع.

الجلسة الثانية

أمّا الجلسة الثانية، فخصصّت للمقاربات السياسيّة لـ”النزوح السوري -العودة”، وجمعت ممثلين عن الأحزاب اللّبنانيّة، أدارها الخبير في السياسات العامة واللاجئين الأستاذ زياد الصائغ، وشارك فيها النّائب علي فياض ممثّلاً حزب الله، النّائب السابق مصطفى علوش ممثّلاً تيار المستقبل، والنائب السابق إيلي كيروز ممثّلاً حزب القوات اللّبنانيّة، مستشار الرئيس نبيه بري وممثل حركة أمل علي حمدان، ممثّل التيار الوطني الحرّ خليل دحداح، وعضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي الدكتور بهاء أبو كروم ونائب رئيس حزب الكتائب المحامي رفيق غانم.

ابو كروم

وألقى أبو كروم كلمة قال فيها: “لا يختلف اثنان في هذا البلد على أن حماية وجه لبنان التعددي والحفاظ على التنوع الذي ينعم به إنما هو واجب وطني تجتمع عليه كل القوى حتى تلك التي قد توحي توجهاتها العامة بخلاف ذلك، وهذا المشترك الذي خلص إليه اللبنانيون بعد مراحل طويلة من الصراعات الداخلية والخارجية إنما يشكل الأساس الوجداني للتعاطي مع أي حدث أو واقعة تهدد لبنان وصيغة العيش بين أبنائه”.

اضاف: “رغم أن هناك من اللبنانيين مَن يذهب بعيداً في التجاذب والتمايز والنظر إلى أي أمر من خلفية تاريخية أو ديمغرافية أو طائفية، إلا أن ذلك لا يحول دون أن نعود جميعنا إلى محاولة تجميع الرؤى والخلاصات والأحكام بما يحصن الموقف الداخلي ويردم الهوة بين الأطراف ويسهل عمل الإدارات التي تتعاطى بهذه الملفات. وقضية النازحين السوريين إلى لبنان هي واحدة من تلك الأمور التي يُنظر إليها من زوايا مختلفة بالرغم من أن حقيقة الدوافع التي آلت إليها واحدة، وآثارها وتداعياتها واحدة، وهذا ما يحتم علينا مواجهتها ومعالجتها برؤية واستراتيجية وطنية واحدة، لا نختلف حول أهمية صياغتها وعلى أنها توفر علينا كثير من إضاعة الوقت، وتحصن موقف لبنان في مواجهة هذا التحدي، وتفرض على دول العالم النظر إلينا كشعب واحد وأبناء دولة واحدة تستحق احترام المجتمع الدولي ومساعدته لنا من أجل التصدي لأزمة النزوح”.

تابع: “إن دعوتنا للنظر إلى قضية النزوح باعتبارها قضية سياسية بامتياز وتتعلق بما جرى في سوريا من حروب وتدمير، وسياسات تهجير منهجية، آلت إلى كل ذلك وإلى هذا الكم من تدفق اللاجئين إلى لبنان، وبالتالي فإن قضية النزوح التي تثقل على لبنان ليست من صنع النازحين أنفسهم”.

قال: “لقد دعونا إلى عدم النظر إلى اللاجئ الذي دخل لبنان هرباً من الحرب وويلاتها وكأنه يغادر أرضه ومنزله ووطنه بخياره أو طمعاً بموطن آخر بديل. ولقد سبق للبنانيين أن تهجروا ونزحوا داخلياً وكثير منهم هاجر ولجأ إلى الخارج هرباً من الحروب والتدمير والمجازر والقتل على الهوية ولأسباب اقتصادية أيضاً. أن لبنان ليس بلداً للتوطين أو للجوء، صحيح، وأرجو أن لا يقودنا التسليم بهذا الوصف إلى الذهاب بعيداً بدعم مسار إعادة التوطين الذي قد تشجع عليه بعض الهيئات الدولية بما يؤدي إلى تفريغ الدول المحيطة بنا من شعوبها وتغيير الوقائع والخرائط في المنطقة وتصفية قضايانا المُحقة، أو إلى مفاقمة حرمان اللاجئين من مقومات العيش الكريم أو من حقوقهم التي أقرتها لهم كل الشرائع كبشر، خاصة وأن لبنان هو بلد مُصدّر للهجرة والذين اغتربوا عنه، أكثر بكثير من الذين يقيمون فيه”.

تابع: “اعتقد أن ذلك يأخذنا إلى ما هو أبعد من قضية النظر للناس الذين شرّدهم الاستبداد بأشكاله من زاوية المُنافس على لقمة العيش أو على فرصة العمل، وأجزم بأن روح العدالة الإلهية التي تسكن زوايا هذا الصرح تحتم علينا إيلاء البعد الإنساني لهذه القضية مكانة مُعتبرة.
إن وجود أكثر من 68 مليون مهاجر ولاجئ ونازح يجولون في هذا الكون نتيجة المظالم السياسية والاقتصادية وسياسات التفريق والتمييز إنما يُظهر وكأن هذا العالم بات يقوم على دولٍ بلا حدود، وأن هذه القضية باتت أولوية عالمية، وهذا ما يفرض على الدولة أن تطور قوانينها وتشريعاتها للتفاعل مع هذا الأمر الواقع وأن ترفع مستوى تفاعلها مع الدول التي تعاني مثلنا من هذا التحدي ومع الهيئات الدولية المعنية بهذا الشأن. أن منظومة القوانين والتشريعات العادلة وحسن سير المؤسسات الوطينة والتوافق السياسي الداخلي هو الكفيل في تحويل أي تحديات أو مخاطر أو استحقاقات بهذا الحجم إلى قضايا يمكن مواجهتها والتحكم بمسارها والتقليل من تداعياتها علينا”.

اضاف: “وبالدخول إلى صلب الموضوع لقد خضنا حواراً رعته الجامعة لكي نصل إلى مساحة مشتركة فيما بيننا وتصوّر أو رؤيا نتحلق حولها وتتعلق بالسياسات العامة الواجب اعتمادها لمواجهة أزمة النزوح”.

وقال: “في هذا السياق لا بد أن نؤكد على الأمور التالية:
– أهمية التوصل إلى ورقة سياسات وطنية نذهب بها إلى موقف وطني عام ونفرض على الهيئات الدولية مساعدتنا وفقاً لهذه الرؤيا.

– التأكيد على أن الحل السياسي الحقيقي والمصالحة الداخلية في سوريا هي التي تزيل كل أسباب النزوح أمام كل فئات النازحين وهي الكفيلة بطي هذا الملف نهائياً.

– العمل على تسهيل العودة بشكل طوعي للذين يجدون بأن الضمانات التي توفرها لهم المبادرة الروسية أو الاتصالات التي يجريها الأمن العام اللبناني بهذا الصدد أو أي جهة دولية كافية لهم.

– أن تشكيل حكومة جديدة تطلع بمسؤولياتها وتعيد تفعيل الحراك الداخلي والخارجي إلى هذا الملف يضمن تخفيف الكثير من تلك الأعباء التي يتحملها لبنان نتيجة التجاذب السياسي الداخلي والحسابات الفئوية التي تتحكم بعملية تشكيل الحكومة.

– أن الإجراءات التي يتخذها النظام في سوريا ومنها القانون رقم 10 الذي ينزع الحقوق العينية عن اللاجئين وقانون الخدمة الإلزامية الذي يحول دون عودة كثير من الشباب السوري إلى بلاده إنما ينعكس سلباً على الجهود الرامية إلى معالجة هذه الأزمة.

– ضرورة أن يحافظ لبنان على سياسة النأي بنفسه عن الصراع الداخلي السوري وأن لا يقحم نفسه في الانحياز إلى استراتيجيات إقليمية تهدف إلى إنهاء هذا الصراع بشكل مجتزأ.

– ضرورة قيام الدولة اللبنانية والوزارات المختصة بتنظيم العمالة الأجنبية وحماية الإقتصاد الوطني بما يخفف من الأثار الاقتصادية لأزمة النزوح.

– التأكيد على دور الأمم المتحدة الرئيسي في تأمين العودة ومتابعة التحقق من شبكة الضمانات والمساعدة في إدارة وجود النازحين لحين العودة”.

وفي الختام، أجمع المشاركون في الجلسة السياسية على أن اللقاءات المغلقة التي احتضنتها جامعة الروح القدس الكسليك على مدى نحو السنة، شكّلت مساحة حوار، وتبادل بنّاء ومثمر، يمكن أن يؤسّس لاستراتيجيّة وطنيّة في مقاربة الأزمة.

واعتبروا أن الأعباء التي تكبّدها لبنان جرّاء استضافة عدد هائل من النازحين، يوازي ثلث سكّان لبنان يرزح تحتها كل اللبنانيون بجميع إنتماءاتهم السياسية، وان انقسمت وجهات النظر بينهم بين مؤيّد ومعارض لإعادة بناء الجسور أو التطبيع مع النظام السوري.

الجلسة الثالثة

أمّا الجلسة الثالثة، فأدارها مدير المعهد العالي للعلوم السياسية والإدارية في جامعة الروح القدس السفير ناصيف حتّي، تحت عنوان “النزوح السوري- العودة، مقاربات أكاديمية”، شارك فيها الدكتور المحاضر في جامعة سيدة اللويزة إيلي هندي، والقت مديرة التواصل السيدة سوزان حصري كلمة الدكتور ناصر ياسين مدير الأبحاث في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، والخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد الياس حنّا.

الجلسة الرابعة

الجلسة الرابعة والأخيرة، أدارتها مسؤولة التواصل والإعلام في وزارة الدولة لشؤون النازحين الإعلامية مي الصايغ، تحت عنوان “النزوح السوري- العودة، مقاربات إعلامية”، وشارك فيها المدير التنفيذي لـ”بيت المستقبل” سام منسى، ومدير تحرير موقع لبنان 24 الدكتورأحمد الزعبي، ومدير البرامج في إذاعة صوت لبنان – ضبيه شادي معلوف. تركزت الجلسة على دور الإعلام وتأثيره في إدارة الأزمة والمساهمة في معالجاتها.

واختتم المؤتمر ببيان ختامي ضمّ سلسلة ثوابت وخلاصات ألقاها السفير الدكتور ناصيف حتي، أبرز ما ورد فيها:

1ـ التأكيد على احترام لبنان للكرامة الإنسانية وحماية حقوق أبنائه وكلّ المقيمين على أرضه.

2ـ التأكيد على الرفض القاطع والنهائي لتوطين النازحين حسبما نصّ عليه الدستور.

3ـ التأكيد على أن الحل السياسي هو الحل النهائي لأزمة النزوح بتداعياتها المختلفة، والذي يضمن للنازحين عودة نهائية وشاملة وطوعيّة وكريمة وآمنة. مع التأكيد على تسهيل هذه العودة إلى المناطق المستقرة داخل سوريا، على دفعات ومراحل، والعمل مع الجهات الدولية المعنية لتهيئة ظروف هذه العودة، وتوفير ضماناتها.

4ـ التأكيد على ضرورة حماية استقرار لبنان وتنسيق الجهود مع المجتمع الدولي،عملاً بمبدأ تقاسم المسؤوليات والأعباء المكرّس في القانون الدولي.

5- مطالبة الدولة السورية بإزالة العقبات تجاه العودة.

6- دعوة المجتمع الدَّولي للضغط باتجاه إنهاء الحرب في سوريا، بما يُسَهّل عودة النازحين بكرامة وأمان.

وتجدر الاشارة إلى أن ورقة سياسة عامة ستصدر عن المنتدين في الاسابيع المقبلة، على أن تسلّم رسميّاً إلى المرجعيّات الوطنية المعنيّة بملف النزوح.