الشيخ العنداري… وزمن التفرقة

“فقد الأعيان من تعس الزمان”… ويطوي الزمان صفحاته المشرقة البيضاء بوجود أعلام كبار تركوا بصمات واضحة في مسيرة حياة مليئة بالأشواك، وكانوا بينها كالثمر الذي يغذي الروح بأنوار العقل والحكمة والأخلاق والقيم والتقاليد والأعراف. وفي غيابهم نتلمس أثرهم ونتذكر تلك المبادئ والثوابت الروحية والاجتماعية والمواقف المعروفية الأصيلة التي كانوا يتحلون بها، لكننا في الوقت نفسه نقول في قناعة “رزق الله على كل يوم يمضي”، وهنيئاً لمن عايش تلك الأجيال.

وفي هذا اليوم نتذكر أحد مشايخنا الكبار الأعلام الشيخ أبو محمد صالح العنداري، بمناسبة ذكرى غيابه الذي ضحّى وقاسى وعانى من طفل يتيم إلى ترك العلم لكسب لقمة العيش نهاراً والتفرغ للأمور الدينية وللعبادة ليلاً حتى بلوغ الشباب، ليسطع نجمه تقياً ورعاً، فشيخاً كبيراً لشيوخ الطائفة المعروفية وعينُ أعيانها ونبراس الهدى والدين والمدرسة التوحيدية الأسمى.

نفتقد الشيخ الجليل في زمن التفرقة والذي كرّس وقتاً كبيراً لبثّ المحبة والوِفاق بين الناس في كل مكان. وعندما وقعت الحرب الأهلية، تميز بمواقف العقل والحكمة وبوقفة الأبطال، فكان رمزاً للصمود ذوداً عن العرض والأرض والكيان والحرية والدين. كما تميز بإصلاح ذات البين بين الناس، فكان همّه الأول الوفاق والرضا والمحبة والصفاء في المجتمع، وكان ينادي بالتعايش المشترك ورمي الأحقاد التي تثيرها الطائفية في لبنان. كان كثير المناقب الدينية، غنياً بخصاله وأفكاره الشريفة، وصاحب مواقف صلبة واضحة طيلة حياته، شكلت مساراً حتى فترة مرضه العضال وإسلام الروح تاريخ 12 كانون الأول عام 1992، ولنا في نجله الشيخ الجليل المقدام الشيخ ابو صالح محمد العنداري حامل إرثه وسلوكه مسيرة الأخيار والعلم التوحيدي المنار دعاء لله بطول عمره مرجعاً روحياً، وركناً من أركان الدين.

كُتب على ضريح الراحل في منزله في بعلشميه شاهدان أحدهما آية الكرسي، وعلى الآخر تاريخ وفاته نثراً ونظماً للشيخ أبو يوسف صالح عبد الخالق:

علم الفضائل مذ ثوى عمّ الورى خطب المصاب
فأبو محمد صالح ركن التقى نال الثواب
فيه السيادة تُوّجت بزكاة علم واكتساب
للعلم الأعلى سما بشراه يا نعم المآب
بالطهر أرّخ جهده بدر العلا بالحُجب غاب.

“الأنباء” – عامر زين الدين