فعلها الحريري للمرة الثانية… وماذا عن الثلث الضامن؟

في غمرة التحرك الذي يقوده رئيس الجمهورية ميشال عون، لإعادة تفعيل محركات تشكيل الحكومة، ثمة من غرق في التفاصيل اليومية، وغاب عن تفصيل جوهري، سيكون له تأثيرات متعددة. هي المرة الثانية التي يحيل فيها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عملية الاضطلاع باتصالات ولقاءات سياسية لأجل إيجاد مخرج للعقدة السنية. في المرة الأولى أوقف الحريري حراكه وترك الكرة في ملعب الوزير جبران باسيل الذي جال على الأفرقاء للبحث عن صيغة مرضية للجميع، في مشهد بدا خلاله وكأنه هو الذي يعمل على تشكيل الحكومة.

وفي المرة الثانية، غادر الحريري بيروت بينما تولى عون مسؤولية اللقاءات لأجل إيجاد حلّ للأزمة الحكومية. فقد التقى رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة المكلف، وفيما بعد التقى حزب الله ونواب اللقاء التشاوري. على الأرجح، فإن عون يهدف إلى نجاح حراكه، وهكذا يكون قد أصاب 3 عصافير بحجر واحد. العصفور الأول أن يظهر المخلّص والرئيس القوي الذي لا تُردّ له مبادرة، ولا تصطدم بجدار. والعصفور الثاني أن يحمي عهده ويشكّل حكومة انطلاقته. فيما الحجر الثالث والأهم، يكون في أن التسوية خرجت من بعبدا، وعون هو الذي اجترح الحلّ بمعزل عن كيفيته أو شكله. وبذلك يكون ربح صفة جديدة، بأن الحكومة لم تتشكل لو لم يبادر هو ويعمل على تقريب وجهات النظر، أو حتى التنازل عن وزير من حصته لصالح توزير شخص يمثّل النواب السنّة الستة.

صحيح أن عون يتمسك بالثلث المعطّل، ويرفض التنازل عن أحد عشر وزيراً. ولكن في ظل تشدد الحريري برفض التنازل، وبرفض صيغة توسيع الحكومة إلى 32 وزيراً، يبدو أن الحلّ النهائي سيكون بتنازل عون. وعليه قد لا يجد عون ضيراً من تقديم تنازل عن وزير، مقابل أن يكون استرجع صلاحية دخل في كباش مع الحريري حيالها. إذ لطالما أراد عون الإيحاء أنه شريك رئيس الحكومة في عملية التشكيل ليس لناحية التوقيع فقط، بل في الشكل وفي التشاور وفي العمل والمساعي. والدليل على ذلك، حين رفض صيغة تقدم بها الحريري وأعادها إليه لوجوب الالتزام بملاحظاته، ناهيك عن مواقف أخرى اتخذها عون، قال فيها إنه يأمل تشكيل حكومة تنسجم مع تطلعاته. الاستثمار في صورة استعادة الصلاحيات، ولعب دور رئيسي في إخراج الحكومة من أزمتها، قد يكون أهم بالنسبة إلى عون من الحصول على 11 وزيراً، خاصة أنه يستند في المعادلة الحكومية إلى تحالف قوي مع حزب الله ومع الحريري، وبالتالي سيكون قادراً على عرقلة أي أمر لا يريده، وتعطيل أي جدول أعمال لا يوافق عليه. المسألة ربما أصبحت في مكان آخر، وعون قد يتنازل في سبيل انتصاره في صراع الصلاحيات.
ربيع سرجون – “الأنباء”