عن “السترات الصُفر”… ووجوه اللبنانيين “الصُفر”!
11 ديسمبر 2018
هو أسبوعٌ رابعٌ من الفوضى في شوارع باريس الحالمة. فجأةً استحالت زينة عيد الميلاد نارًا وإطاراتٍ مشتعلة. باريس ليست مدينة العشّاق أقله لأجلٍ غير مسمّى. فالسترات الصفر فجّروا ما يبدو ليس وليدَ اليوم أو الأمس أو الساعة، بل ما قرأه كثيرون من المحللين على أنه تراكمٌ صريحٌ لغضبٍ في وجه السياسة الماكرونيّة.
ووسط تأكيد السترات الصفر بأنهم من الشعب الفرنسي وغيرُ مدفوعين من أي فريقٍ سياسيّ، يشير محللون إلى أنّ “هذه التظاهرات ليست نتيجة رفع التعرفة على الوقود فحسب، بل هي ثمرة تراكماتٍ إزاء سياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يلقّبه كثيرون بأنه “رئيس الأثرياء” وذلك بعدما أقدم على رفع الضريبة عن ثروة الأغنياء، مقابل تمسُّكه بعدم رفع الحدّ الأدنى للأجور، وهو ما ولّد طبقةً فقيرةً صريحةً لم يشهدها المجتمع الفرنسي يومًا”.
وسط هذا التصعيد غير المتوقّع الذي يضرب الاقتصاد الفرنسي، تعنينا في الشقّ المحليّ أسئلةٌ بَدَهيّة: ما أحوالُ اللبنانيين؟ هل يفكّر هؤلاء في العودة في حال تطوّرت الأمور وتضررت مصالحهم، أم أنّ أيّ سيناريو متوقّع لن يكون أكثر سوءًا من السيناريوات التي سيعيشونها في لبنان؟
لم يسلم اللبنانيون ولا مصالحُهم من مظاهر التخريب التي استوطنت شوارع العاصمة الفرنسية، فتعرّضت محال بعض هؤلاء لا سيّما في جادة الشانزيليزيه إلى الكسر والخلع. أما من لم يتضرر منهم بشكل مباشر، فيتحدّث اليوم عن ركودٍ رهيب في الحركة. ويروي الياس، لبناني يمتلك صالونه الخاص لتزيين الشعر النسائي حقيقة تراجع الحركة. ويخبر مقرّبوه عبر “الأنباء” أنه يشكو من قلّة الحركة والبركة، وهو ما لم يعايشه منذ أكثر من عقدٍ من الزمن. ويتحدث الياس عن تراجع نسبة الأرباح في الأسابيع القليلة الفائتة بنسبة تتجاوز 50%، خصوصًا أن معظم زبائنه من المغربيات وذوات الأصول العربيّة. وعن فرضيّة العودة، يأبى الرجل “الهروب من السيّئ إلى الأسوأ لا سيما أنه يحمل وعائلته الجنسية الفرنسيّة من أكثر من عشر سنوات، وبالتالي يعلم خير علم أن عودته سيكون ثمنها غاليًا لا سيّما أن الركود يجتاح لبنان أيضًا”.
حالُ الياس تنطبق على كثيرين من اللبنانيين الواقعين بين “شاقوفَي” الهرب من الأزمة واللجوء إلى أزمة أكبر، لذا يبدو خيار العودة غير وارد حتى الساعة، رغم معرفة كثيرين من هؤلاء لا سيما غير الميسورين أنّ الآتيات من الأيام ستكون أكثر صعوبة من تلك التي مضت خصوصًا في حال لم يستجب ماكرون لمطالب المتظاهرين الذين يتجهون إلى التصعيد حدّ مطالبته بالاستقالة.
وكان سفير لبنان في فرنسا رامي عدوان جال على المحال اللبنانية التي تضررت من جراء مظاهرات السبت الفائت في باريس، وعاين الأضرار المادية واطلع من أصحابها على أوضاعهم وعرض تعاون السفارة لمساعدتهم في تخطي هذه المرحلة.
تبقى الإشارة إلى أنّ التظاهرات الفرنسية لم تمرّ مرور الكرام على عشّاق التنكيت “الفايسبوكي” اللبنانيين، حيث انهمرت النكت المشيرة إلى أن المشهدية اليوم باتت معكوسة، إذ بات اللبنانيون يشاهدون تظاهرات باريس التي يحلمون بزيارتها ويرقبون الفوضى والتخريب وحرق السيارات ومظاهر التكسير ويضحكون في أعبابهم مردّدين: “نحنا استحينا نعمل هيك”!
رامي قطار- “الأنباء”