ملأ “زوّادة” الفكر حتى طفحت ولم يشبع… وداعاً نجيب البعيني

في زيارته الأخيرة منذ شهر تقريباً إلى مكاتب جريدة “الأنباء”، بدا متعباً وقد أعياه هذا الزمن، بعد مسيرة عابقة بالعطاءات والإرث الفكري والأدبي طوال أكثر من خمسين عاماً.

الدقائق القليلة مع المؤرخ والمفكر والصحافي نجيب البعيني قد تكفي لملء جعبتنا ببعض من زاده الفكري، و”زوّادته” التي قلّ ما تراه من دونها، فالكتب بين يديه كالغذاء في ثغر طفل جائع.

لم يكن يخفِ الراحل نجيب البعيني عتبه على هذا الزمن ومصير الكتاب والثقافة فيه، إلا أنه كان يعلم أن الزمن قد تغيّر.

رحل نجيب البعيني وكانت الحياة لا زالت تليق به والجلسات تزداد أناقة بخطابه ورأيه وأحاديثه، كما المكتبة اللبنانية والشرقية التي أغناها بعشرات المؤلفات في التاريخ والأدب والسياسة والصحافة، فكان غزيراً في إنتاجه الفكري حتى غدا مرجعاً على المستوى التاريخي، لا سيما في تاريخ جبل لبنان بأعلامه ووجوهه وأقلامه.

وصحيح أن المؤرخ نجيب البعيني كان موضوعياً في كتاباته وتناول كل القضايا في مؤلفاته، إلا أن تاريخ طائفة الموحدين الدروز كان له مكانة كبيرة في كل كتبه، فيكاد يكون موسوعة لرجالاتها وقياداتها وكبارها، وقد كان له لمسة خاصة وإضافة مميزة في مجلة الضحى التي كان يشغل فيها موقع المدير المسؤول.

كما كان تقدمياً في فكره وممارسته، وتشهد مجلة الفكر التقدمي على كتاباته القيمة وما تحمله من بعد تاريخي وأثر نقدي.

نجيب البعيني ولد في بلدة مزرعة الشوف سنة 1936، تلقى علومه الابتدائية والتكميلية والثانوية في الكلية الداودية في عبيه في قضاء عاليه، حيث نال شهادة الفلسفة، القسم الثاني في العام 1961.

التحق بجامعة بيروت العربية، قسم الآداب والدراسات العليا في العام 1964.

كتب وأسهم على مدى عشرات السنين في عدد من الصحف والمجلات كالنهار والسفير والأحد والكفاح العربي والتلغراف والديار والشراع واللواء والحياة والنهار العربي والدولي.

انتخب عضواً في الهيئة الإدارية لاتحاد الكتاب اللبنانيين من سنة 1993 إلى سنة 1995.

نال جائزة سعيد عقل في العام 2003 وهو عضو في لجنة جائزة جان سالمه الثقافية.

ترأس مجلس إنماء قضاء الشوف في ثلاث دورات متتالية 1997 و2001 و2004.

انتُخب بالتزكية رئيساً لمجلس بلدية مزرعة الشوف ونائباً لرئيس اتحاد بلديات الشوف السويجاني في العام 2004.

شارك في الكثير من الندوات والمحاضرات وتكريم عدد من الأعلام الراحلين والأحياء، وقد ترك أكثر من 30 مؤلفاً في مختلف المواضيع في السيرة والمقالة والرواية والأقصوصة والدراسة الأدبية والتاريخ والأبحاث.

شكراً نجيب البعيني أنك تركت لنا تاريخاً مدوناً كان يمكن أن يضيع لو لم تحفظه مؤلفاتك، وكما خلّدت ذكرى رجال وأعلام كثر، فالكتابة ستحفظ ذكراك أبداً.

*نادر حجاز – “الأنباء