رسالة حزينة إلى كمال جنبلاط… لم نعد نشبهك

أروع ما في السادس من كانون أنه دعوة دائمة ومتجددة إلى الفرح والسلام. ومع إطلالة كل عام تحلّ هذه الذكرى كإطلالة الفجر بعد الظلمة، وكابتسامة ثغر وبهجة انتصار.

إلا أن ميلاد المعلم الشهيد كمال جنبلاط يطل في السنوات الأخيرة والعالم قد تغير، كما الشرق، وكذلك لبنان، فماذا عسانا نقول لك وبأي شكوى نبتدئ؟
فالعالم المثالي الذي حلمت به يحكمه مجانين، مهووسون بالمال والحروب والسلطة، وباسم الديمقراطية يرتكبون أسوأ الحماقات في تاريخ البشرية.
فلا عدالة في زمننا ولا تقاسم عادل للثروة ولا إنسانية، فالفقر يقتل الأطفال جوعاً كما تقتلهم نيران الحروب العبثية.

وأما الشرق، فماذا نخبرك عنه ومن أين نبدأ؟ فما بقي منه تتناتشه الميليشيات المذهبية، وبعضه ما زال كما تركته أسير السجن الكبير. وأما فلسطين فلم تعد حاضرة إلا في بيانات الاستنكار. ووحدها القدس تنزف بلا مغيث. وحدها غزة تقاوم باللحم الحي. ووحدها رام الله تبحث عن دولة بأدنى مقومات الوجود. أما يافا وحيفا وعكا والكرمل والجليل وطبريا، فلم تعد موجودة في قاموسنا، ولا نقرأها سوى في بعض أشعار فدوى طوقان ومحمود درويش.

وماذا نخبرك عن لبنان يا معلم؟ فالبلد الذي حلمت به دولة علمانية، لم يبقَ منه إلا بقايا دولة تكاد تفلس خزينتها بعدما أفلست من هيبتها ودورها.

فلبنان الذي حلمت به دولة مدنية تقدمية، أعادته الطبقة السياسية إلى عصور الرجعية وخطوط الفصل الطائفي والجزر المذهبية.

ولبنان الذي حلمت به متحرراً من الطائفية السياسية، بات مقسماً كقالب الجبنة حصصاً ومغانم بين الطوائف. ولبنان الدولة الديمقراطية التي وضعت لها أسس قيامها على أساس نظام انتخابي نسبي، لم يؤخذ من القانون إلا اسمه، وفصِّل قانون نسبيٌّ في الشكل فقط، ما هو إلا نسخة منقحة عن أبشع القوانين الانتخابية المذهبية، أعاد اللبنانيين إلى رعايا طوائف لا مواطنين في دولة.

عمَّ نخبرك يا معلم؟ عن هواء اللبنانيين الملوّث، أم بحرهم أم أنهارهم أم غذائهم؟

عمّ نخبرك يا معلم؟ عن شباب دعوتهم للشعور الدائم بالفرح العميق المسيطر، وإذ بهم لا يستطيعون شراء منزل، ولا يجيدون عملاً، وإن وجدوا لا يكفيهم راتبهم حتى منتصف الشهر؟

عمّ نخبرك يا معلم؟ عن مدارس تذل الأهالي: إما القسط أو لا علامات لأبنائكم؟

عمّ نخبرك يا معلم؟ عن صحة اللبنانيين التي إن نجت من سرطان النفايات، لا تنجو من فواتير طوارئ المستشفيات ودكاكين القطاع الصحي؟

لدينا الكثير لنقوله لك، فلقد طال ارتحالك، وحتى نحن تغيرنا كما الزمن ولم نعد نشبهك.

سيئ هذا الزمن، لكننا ما زلنا نصغي إلى نبض الحياة فينا، وإلى حلم لا بد أن يصبح يوماً ما حقيقة.

نادر حجاز – “الأنباء”