كمال جنبلاط: ليتك تعلم كيف يحتضر الوطن؟

زاهي توفيق وهبي

أنباء الشباب

إنه كانون الأول مجدداً. إنها الذكرى والفجر الذي يبزغ كل عام. إنه ذلك الأمل المخبّأ في أعماقنا ــ حتى نحن الذين لم نعايش زمنك – والذي يخفق كلما اقترب السادس من كانون. يا معلّم، أين أنت اليوم؟ يرددها كثيرون. من أحبّوك في الشمال والجنوب والجبل وبيروت، ومن ساروا خلف تعاليمك ومبادئك التي كنت تقرنها بالفعل، يفتقدونك، منذ ٤١ عاماً، وربما اليوم أكثر من أي وقت مضى.

ليتك تعلم ماذا حلّ بلبنان، وكيف يحتضر الوطن اليوم. ليتك هنا، تشارك الفقير في مأساته، والناس في همومهم اليومية. ليتك هنا، لتعاين بنفسك إلى أيّ درك سحيق وصل التخاطب السياسي في لبنان، وإلى أية درجة باتت تستولد قامات وهمية تخطب بالناس وتوزع الفتن، فيما يتسابق الإعلام والشاشات على التحريض بحجّة “السبق الصحفي”. كلّ هذا ولبنان على شفير الإفلاس، والشباب يحلم بالرحيل، والبلد بلا حكومة للشهر السابع على التوالي.

ليت الزمن يعود إلى ما قبل اليوم الأسود ذات آذار من العام ١٩٧٧، وتعود إلينا، ونعود إليك! نعود إلى صوتك الحكيم، نسمع ما كتبت لنا وللعالم في كتبك. نعود إلى وقفاتك العظيمة، إلى موقعك، إلى دورك، وإلى كل شيء. نعود إلى زمنك أنت وعمالقة السياسة، ونترك المتطفلين عليها في هذا الزمن الرديء. نعود إلى تواضعك، ونظافة كفّك، ونترك لهم اليوم رائحة الصفقات والسرقات.

يا معلّم، ماذا أقول لك ونحن نقترب من الذكرى الجميلة؟ أقول نفتقدك؟ هذه نرددها كل يوم، وتقولها الدولة والمؤسسات والموظفون وسائر من عرفوك أو سمعوا عنك. أأقول لك بأن المواطن حرّ والشعب سعيد؟ لا، لأنك في عليائك تدرك معاناة الناس، ووجعهم، والأزمات التي لا تنتهي. أقول لك إن الطائفية تختفي شيئاً فشيئاً، والتدخلات الخارجية باتت لا مكان لها في تقرير مصيرنا؟ كيف تصدقني، وأنت الذي دفعت حياتك ثمناً لكفّ يد المستبدّ عن الوطن، وبعثت الأمل في البرنامج الإصلاحي المرحلي للحركة الوطنية، والذي أخفوه خوفاً على مواقعهم وسلطاتهم. هل أخبرك بأن فلسطين التي عشقت حتى الشهادة بألف خير؟ لا، فلسطين تئن، وقضيتها تستباح كل يوم، من العدو الإسرائيلي، ومن بعض المدافعين – في الخطاب فقط – عنها.

سأقول لك فقط إنني قرأت ما تركته لنا من زاد ثقافي وفلسفي ومبادئ سياسية، وحفظت تعاليمك، وفي ذكرى ميلادك الأولى بعد المئة، أعدكَ كما كثر من رفاقي، بأن نقول “الحقيقة” التي علمتنا بأن لا شيء سواها يستحق الحياة، وبأن “نصمد” لأننا لم نعد وحيدين في هذا العالم، وبأن نطالب كل يوم بـ”لبنان العربي الديمقراطي العلماني الواحد”، وبأن ندافع عن قضية القدس وفلسطين مهما كانت التحديات.

طوبى لك يا معلم تولد كل يوم في نفوس الأحرار وشجعان النفوس.

(أنباء الشباب، الأنباء)