تلازم المسارات من العراق إلى لبنان يهدد استقرار المنطقة

ربطت مصادر دبلوماسية مطلعة الهجمة السياسية الشرسة التي شنتها بعض القوى الحليفة لـ”حزب الله” على الرئيس الحريري وطاولته على المستوى الشخصي متقصدة إهانته وإذلاله، بجولة التصعيد الإقليمي التي حرّكته إيران في عدد من الدول، بدأ من إسقاط الهدنة العسكرية في الحديدة في اليمن، إلى تفجير الوضع الميداني في سوريا على جبهة حلب والعودة إلى التهديد بحسم معركة إدلب وإسقاط اتفاق سوتشي، إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة في العراق، ومحاولة فرض وزراء من ضباط الحشد الشعبي المقربين منها لتولي وزارتي الدفاع والداخلية في حكومة الرئيس عادل عبد المهدي، وصولاً إلى تعطيل عملية تشكيل الحومة في لبنان. ورأت المصادر أن هدف إيران من جولة التصعيد تلك ليس الرد على رزمة العقوبات الأميركية الأخيرة التي وصفت بالقاسية فحسب، إنما أخذ المنطقة رهينة سياسية وأمنية واقتصادية تفاوضية، خلال المفاوضات المرتقبة مع الولايات المتحدة الأميركية، حول التعديلات التي تطرحها واشنطن على الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع مجموعة الدول الست (5+1) في حزيران 2015 وانسحبت منه الولايات المتحدة بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

ورأت المصادر أن توقيت الجولة التصعيدية الإيرانية الحالية والمتوقع مضاعفتها بأشكال مختلفة قد تلامس حدود التفجير الأمني الواسع، لا سيما في سوريا وعلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية، مرتبطة بالضغوط التي تمارسها إيران على الدول الأوروبية للإسراع في تنفيذ الوعود التي قطعتها لإيران للالتفاف على العقوبات الأميركية والتخفيف من حدتها على الاقتصاد الإيراني، والتي لا يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي قادرة على الوفاء بها، بعد أن أوقفت معظم الشركات الأوروبية تعاملها مع ايران التزاماً بالعقوبات الجديدة المرتبطة بقطاع النفط والنقل البحري.

وقالت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن اسمها في حديث مع “الأنباء”، “إن الإسفاف السياسي الذي تناول شخص الرئيس المكلف سعد الحريري، شكل مفاجأة لدى الأوساط السياسية لما يحمله من رسائل مباشرة أراد “حزب الله” إيصالها، ليس إلى الرئيس المكلف فحسب، بل إلى القوى السياسية كافة، تقول إما أن يرضخ سعد الحريري لشروط “حزب الله” ويكون رئيساً لحكومته وينفذ ما يطلب منه، وإما لن تتشكل الحكومة”.

وسألت المصادر عما إذا كان بإمكان “حزب الله” اليوم الدفع نحو خيارٍ ثالثٍ ألمح إليه بعض حلفائه خلال حملة التصعيد تلك، تهدف إلى تنصيب شخصية سنية من كتلة حزب الله، أو من تكتل حلفائه الذين يسمّيهم (النواب المستقلين)، ليكون رئيس الغالبية النيابية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة والتي حدد عديدها قائد فيلق القدس قاسم سليماني بـ 72 نائباً”.

مما لا شك فيه أن استمرار التعطيل سيأخذ لبنان إلى كارثة اقتصادية وسياسية عميقة وخطيرة. أما الدفع نحو إجبار سعد الحريري إلى الاعتذار بشتى الوسائل وتنصيب أحد حلفاء الحزب مكانه، لا ينطوي فقط على المخاطر الاقتصادية والسياسية العامة، بل ينطوي على انكشاف لبنان أمام الصراع المباشر بين “حزب الله” وإسرائيل، دون أن يتمكن لبنان من فعل أي شيء على المسرح الدولي لمنع إسرائيل من توجيه ضربات تختارها في الوقت والمكان المناسبين لها، سيما وأننا نشهد يومياً رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يعلن على الملأ تهديداته المستمرة، وهو الآن بحاجة إلى اختبار تهديداته تلك بهدف تدعيم موقعه في الحكومة الحالية التي انسحب منها وزير الدفاع افيغدور ليبرمان، كما أنه بحاجة إلى تنفيذ عمل عسكري أكثر شدة، في حال قرر الذهاب إلى الانتخابات النيابية الجديدة، لتدعيم موقعه وموقفه، بوجه التكتل المواجه له والذي يقوده إيهود باراك. وإذا كانت منظومة الصواريخ الروسية أس 400 باتت تمنع النشاط العسكري الجوي الإسرائيلي فوق سوريا، فإن أمام إسرائيل خيارات محدودة، إما أن تضرب مواقع “حزب الله” في لبنان، أو أن تضرب في قطاع غزة حيث الجبهة مشتعلة، أو أن تخترق المجال الجوي الإيراني لتضرب عدداً من المواقع المحددة، وهذا أعقد الخيارات بحيث يدفع المنطقة برمّتها إلى حرب واسعة.

وفي العودة إلى أزمة تشكيل الحكومة من المنظار الداخلي، ترى المصادر أن “حزب الله” لن يقبل السير بحكومة يمسك فيها فريق رئيس الجمهورية بالثلث المعطل (ثلث الوزراء +1)، بل يريد حكومة يمسك بها الحزب بالثلث المعطل بنفسه، لأن الحزب ومن خلال تجربته الأخيرة لم يعد يثق برئيس الجمهورية ولا بفريقه ولا بأي طرف آخر، خاصة إذا ما احتدمت مسألة العقوبات الأميركية على إيران، وأجبر لبنان على الالتزام بموجبات المقاطعة الأميركية ضد إيران، والتسريبات الإعلامية عن اللقاء الأخير الذي جمع رئيس التيار الوطني الوزير جبران باسيل، مع أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله، وخروج باسيل عن مواقفه السابقة واعتماده لغة جديدة وأسلوباً جديداً، تجاه الأزمة الأخيرة التي تواجه تشكيل الحكومة، باعتماده موقف الحزب.

المسألة الآن برأي المصادر، تدور في حلقة مفرغة ليست معلومة النتائج، ولا يمكن تخمين المؤشرات المقبلة، ولا المسارات المستقبلية المتوقعة، وما إذا كان الحزب يريد قطع شعرة معاوية نهائياً مع تيار المستقبل وإخراج رئيسه من لبنان وإذلاله، أم أنه يريد رفع الصوت للوصول إلى تسوية تمكنه من الإمساك بزمام الأمور. وتعتقد المصادر، أن المسار الحالي لا يؤدي إلى تسوية، خاصة وأن الرئيس الحريري بات يستند إلى الحائط ولا يستطيع الاستماع إلى النصائح التي تدعوه إلى التنازل، بعد أن أعلن أن الأزمة الحكومية هي أبعد من إشكالية وزير من هنا أو من هناك، بل هي أعمق من ذلك، وتلامس مستقبل البلاد ونظامه السياسي، كما “أن حزب الله” سيستمر في التعطيل حتى لو اتفق الحريري مع تكتل (نواب سنة 8 آذار) بتعيين من يمثلهم في الحكومة. فالواقع المتفجّر في الشرق الأوسط ينذر بالمخاطر، ولبنان على شفير الهاوية.

*فوزي أبو ذياب- “الأنباء”