خَلَجات ساكنة/ بقلم ألحان الجردي

إنحنى نحوها ببطء، تملّكته الرغبة بملامسة بشرتها الملساء، لكنه تردّد فابتعد وأخذ يتأمّلها، إنها بيضاء ناصعة كالثلج وشديدة الرقة، غالباً ما اعتراه الخوف عند رؤيتها، خوف لطيف يدفعه للتروّي قبل الإقتراب، لم يكن هو سوى خادم يؤدي المهام كما يشاء رئيسه، لطالما شعر أنها أعلى منه شأناً، حيث كانت تلقى أكبر العناية والإهتمام وتسكن أكثر الأماكن هدوءاً وأماناً، بينما هو يقبع أينما كان وفي أيّ مكان، دنا منها مجدّداً، ثمّ عاد وتوقّف بحيث لم يجد ما يمكن قوله، بعد لحظات اقترب بسرعة وكأنه يريد تفادي كل الحواجز التي قد تجعله يتردّد، وراح يلامس بشرتها الناعمة بصمت مطلق، لم تحرّك هي ساكناً، كأنها كانت تنتظر هذه اللحظة منذ الأزل، فبقيت فيحالة من السكون المفعم بشوق غامر، دام اللقاء وقتاً طويلاً غير أنه بدا كبرهة ضائعة في غياهب الزمن، عند انتهاء الوصال، جلس جانباً في حالة من الجمود، أخذ يرمقها بنظرات ملؤها الإنبهار، لطالما سحره بياضها الذي لا يبقى ناصعاً بعد ملامستها..

كان يترك آثاره على جسدها بعد كل لقاء..

رغم ذلك فقد شعر أنها باتت أكثر جمالاً وإشراقاً حين امتلأت بخطوطه السوداء..

كان يحسدها لأنها دوماً تُحفظ في الدرج الآمن، بينما يُترك هو على المكتب، ويُرمى جانباً كأنه غير ذي أهمية، وينصبّ عليها كلّ الإهتمام..

كأنه لم يكن هو من خطّ عليها تلك الكلمات القيّمة..

كأنه لم يكن هو الذي أغناها ومنحها قيمتها..

ورغم ذلك فقد كان يشتاق دوماً للقائها من جديد…

(الأنباء)