ماذا حلّ بدعم العرب للفلسطينيين؟

“في الوقت الذي لا ينبغي التقليل من أهمية التأثير المستمر للفلسطينيين على العالم العربي، إلّا أن المشهد الحالي في الشرق الأوسط يضع الأولويات الجديدة للسياسات العامة في المقدمة. وفي هذا الصدد، اشار سفير إسرائيل في واشنطن، رون ديرمر، مؤخراً بقوله، “لم تعد الدول العربية ترقص على لحن الفلسطينيين”. ويَنْضَم «مركز بيغن – السادات للدراسات الإستراتيجية» إلى النقاش بطرحه السؤال التالي: ما الذي حدث للدعم العربي للفلسطينيين؟ وقد عُرضت الإجابات التالية من قبل الزميلة الأقدم في “معهد واشنطن” سارة فوير والزميل المساعد في المعهد نيري زيلبر. ويمكن قراءة النقاش بأكمله على موقع «مركز بيغن – السادات للدراسات الإستراتيجية»”.

سارة فوير

ربما يجدر بي صياغة هذا السؤال في إطار آخر. فالدول العربية لم تقرر قطع دعمها عن الفلسطينيين، لكنّ الذي حدث هو أن طبيعة هذا الدعم أصبحت مجزّأة. ويعكس هذا التحوّل تجزئة أكبر أصابت العالم العربي عموماً منذ انتفاضات عام 2011. وحيث لا تزال بعض الدول تعاني من تداعيات “الربيع العربي”، مع ما نتج عن ذلك من اكتساب قضايا الأمن الداخلي والمخاوف الاقتصادية أولويةً لدى الدول العربية الكبرى على غرار مصر، ناهيك عن الخلافات البينية التي ما زالت تتحضر أو تتأجج بين الدول العربية، فقد تضاءل النطاق الجغرافي السياسي لدى العديد من الدول العربية على حساب القضية الفلسطينية. وقد تراجعت مكانة هذه الأخيرة من طليعة أولويات السياسة الخارجية لدى تلك الدول (في الخطابات والبيانات البليغة إن لم يكن دائماً من الناحية العملية). وبالمثل، أدّى الانقسام المتواصل داخل الحركة الوطنية الفلسطينية إلى تقويض الجهود الفلسطينية في التماس المساعدة وتلقّيها.

ومع ذلك، يجب الانتباه من تفسير الطبيعة المجزّأة للدعم العربي للفلسطينيين على أنها تراجع في هذا الدعم. فمن جهة، واصلت دولٌ مثل قطر تقديم دعمها العلني والسخيّ لفلسطينيين (معيّنين) على الصعيدين المالي والسياسي. ومن جهة أخرى، حتى في الدول التي تفتقر إلى سخاء نظيراتها من دول الخليج، يتدفق الدعم بأشكال ذات قوةٌ رمزية. فلنأخذ تونس على سبيل المثال، التي كرّست في دستور عام 2014 تفاني السكان للقضية الفلسطينية؛ وسيقرّ مجلس نوابها قريباً مشروع قانون يجرّم الروابط مع الدولة اليهودية. وحتى في المملكة العربية السعودية، حيث انتشر خبر إقرار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضمناً بحق الشعب اليهودي بوطنٍ له وتصدّر ذلك عناوين الصحف، أصدر الملك سلمان في وقت لاحق توبيخاً حاداً لقرار إدارة ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وفعل الشئ نفسه أيضاً إمام المسجد الحرام في مكة المكرمة. ولم يعُد الدعم العربي للفلسطينيين يأتي من المنصات التقليدية كـ”جامعة الدول العربية”، ولكنه لا يزال قائماً إذا أجدنا البحث عنه.

نيري زيلبر

تعمل الحكومة الإسرائيلية منذ بضع سنوات على الترويج للفكرة بأن القضية الفلسطينية لم تعد تُقلق دول العالم العربي، وأنه مع تنامي النفوذ الإيراني ووجود تهديدات أمنية مشتركة وفرص اقتصادية وتكنولوجية جمّة، باتت الدولة اليهودية والدول العربية المعتدلة تسير على طريق التطبيع بصرف النظر عن الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني. بل قد وصف البعض هذا التكتيك “بالنموذج القائم من الخارج إلى الداخل” حيث يُفترض بالتقدم المحرز على صعيد المنطقة أن يحدد المسار المستقبلي للأحداث على الأراضي الفلسطينية. ولا تخلو هذه الفكرة من الجاذبية كونها تعفي إسرائيل من أي مسؤولية لاتخاذ أي مبادرة في عملية السلام. ولكنها في الوقت نفسه فكرة مغلوطة.

وحيث لم تعُد القضية الفلسطينية تحتل المكانة المحورية نفسها التي ربما شغلتها سابقاً في العواصم العربية – وحتى هذه المكانة المحورية هي موضع جدل نظراً للتاريخ المتقلب الذي شهدته العلاقات العربية-الفلسطينية – إلا أن القضية الفلسطينية لا تزال تلقى صدىً واسع النطاق. ويؤكد القادة العرب باستمرار – بدءً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مروراً بالعاهل الأردني الملك عبدالله، وإلى العاهل السعودي الملك سلمان – على الحاجة إلى التوصل إلى حلّ الدولتين استناداً إلى مبادرة السلام العربية من عام 2002، مع ما تتضمنه من إعلان القدس الشرقية عاصمةً لفلسطين.

وما يؤكد هذه النقطة هو أن الزعماء العرب لا يزالون منخرطين بشكل كبير في الملف الفلسطيني، والسبب على وجه التحديد لأنهم يعتبرونه مهمّاً في سياساتهم ومجتمعاتهم. فقد حاولت مصر تسهيل استئناف محادثات السلام بين إسرائيل و”السلطة الفلسطينية”، وتوسطت مؤخراً للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتعمل حالياً على المصالحة بين حركتَي «فتح» و«حماس». أما قطر فهي أكبر دولة مانحة لقطاع غزة (بتشجيع من إسرائيل)، في حين يُقال أن الأردن هو أكبر مناصر للفلسطينيين في واشنطن ومنخرط بشكل كبير في شؤون القدس، وخاصة المسجد الأقصى. كما أن المملكة العربية السعودية، وبالرغم من فارق الأجيال بين قياداتها، أعادت التشديد على أهمية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وأهمية القدس خلال القمة الأخيرة لـ”جامعة الدول العربية”، علماً بأنها تواصل تقديم المساعدات المالية لـ “السلطة الفلسطينية”.

وفي الواقع، لم يقلل أحد من قيمة “النموذج القائم من الخارج إلى الداخل” إلا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه حين نَقل عن لسان 12 زعيماً عربياً فاتحوه خلال قمة عقدت في الرياض قولهم الشيء نفسه، “لا يمكن أن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط بدون سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”. وعلى الرغم من التقارب الحقيقي في العلاقات بين إسرائيل وبعض الممالك الخليجية، إلّا أن ذلك لا يزال واقع الأمر إلى حد كبير، حتى وإن كانت إسرائيل تتمنى العكس.

*معهد واشنطن