حافظ على موطئ قدمك/ بقلم خالد بركات

قرر طاليس، صاحب نظرية طالس في المثلثات التي درسناها جميعاً في المدرسة، وهو أحد حكماء اليونان السبعة الكبار، أن يصبح عالم فلك، وشرع يخرج إلى البرية كل ليلة ويتأمل نجوم السماء.

ذات ليلة، وبينما هو يراقب السماء، تقدم بضع خطوات إلى الأمام فسقط في حفرة عميقة، وراح يصرخ طالباً النجدة.

سمعت صوته عجوز كانت مارة في الجوار، فأنزلت له خشبة تسلقها وخرج من الحفرة وهو يلهث ويشكرها لإنقاذه.

ولما عرفت العجوز سبب وقوعه في حفرة قالت له جملة ذهبت مثلاً قالت:

ماذا تتوقع أن ترى في السماء البعيدة يا بني، وأنت لا ترى موطئ قدميك؟!

يجب على الإنسان أن يؤمن بشيء، وإلا لن يكون قادراً على مواصلة الحياة.

أنا وكل إنسان واعٍ، مدرك، مسؤول، حي، راشد، ومواطن مؤمن بقيام وطن، بين ملحد ومؤمن، بين حاج ونيافة، وأبونا وسيد وشيخ وسماحة ومولانا وفخامة ودولة ومعالي وسعادة وعطوفة، نقول وبكل ثقة وبملء إرادتنا وبكل محبة:

لقد أضحينا تائهين بين المسؤول واللامسؤول وبين الاستقلال واللااستقلال.

ولأننا نمر اليوم بفترة من فترات التاريخ، تتطلب عناية الناس بالقيم الإنسانية الثابتة على الدهر.

من أجلنا جميعاً ولأجل مناقب التقوى والصبر والصدق والحلم والجهد الدائب الصامت والصارخ بصوت العقل.

فقط، نريد وطناً.

العصفور عندما يغرد لا يسأل عن المذهب.

والمرض والجوع والبرد والفقر والبطالة والقلق والهذيان والهجرة تتفشى عند كل الناس من كل الطوائف والمذاهب.

وأنت محق أن تقول:

مللنا. أكتفينا.

طوائف ومذاهب.

الدين لله والوطن للجميع.

“اعتنق الإنسانية ثم اعتنق من الأديان ما شئت.”

بحق الله ومحمد وعيسى وعلي وابراهيم وكل الأنبياء والقديسين،

لم نعد نريد،

لا شيعة،

لا مسيحيين،

لا سنة،

لا دروزاً،

ولا روم،

ولا كاثوليك،

ولا بروتستانت،

ولا أرثوذكس،

ولا علويين،

ولا أرمن،

ولا كل وباقي الطوائف الكريمة.

نتمنى ونريد أن نتماثل ونتغنى ونغتني برسائلهم السماوية وجوهرها الإنساني، لخدمة الإنسان والإنسانية.

اتركوا لنا وطناً نعيش فيه بسلام، بدستور لكل أبنائه، أو انقذوا ما بقي من الطائف.

نريد وطناً،

بعيداً من الكيدية والاستقواء والتعالي والتهويل والوعيد والاستفزاز والمراهنات.

نحلم بوطن حر مستقل متعافٍ يستحق الأمل والحياة والأمن والأمان والاستقرار.

وكفى أن تغتصبوا منا ذلك الحلم منذ عشرات السنين باسم التبعية للدول والارتهان لها، باسم الحلف والشعارات.

والحمدلله إننا سنبقى نؤمن بقيام وطننا الغالي واستقراره واستمراره، ولن نيأس.

“وتضيقُ دنيانا فنحسب أننا

سنموتُ يأساً أو  نَموت نَحيباً،

وإذا بلِطفِ اللهِ يَهطُلُ فجأةً

يُربي منَ اليَبَسِ الفُتاتِ قلوباً

قل للذي مَلأَ التشاؤمُ قلبَه

ومضى يُضيِّقُ حولنا الآفاقا

سرٌ السعادةِ حسنُ ظنك بالذي

خلق الحياةَ وقسَّم الأرزاقا”

لعلني أخاطب الإله الصغير في كل إنسان

وأنادي المواطنية في كل مواطن.

حافظ على موطئ قدمك ومسقط رأسك.

هو وطنك..هو لبنان..

(الأنباء)