تعليقاً على تغريدات من هنا وهناك: هذا تاريخ دار المختارة!/ بقلم رشيد جنبلاط

 

ترددت كثيرا قبل توجهي بكتابي هذا لسعادتكم، منتظرا ردا سياسيا أو حتى توضيحا تاريخيا لتغريدتك المرفقة التي تعرضت بها لمرحلة سياسية حساسة جدا في تاريخ لبنان غيرت وجه المشرق العربي، ولكن، لم أجد ردا!

ولم يكن ترددي إلا احتراما لجدكم الراحل الزعيم عبدالحميد أفندي كرامي ولعمكم الشهيد الرئيس رشيد أفندي كرامي ولوالدكم المرحوم الرئيس عمر أفندي كرامي ولتاريخ آل كرامي العظيم وتمثيلهم المشرف لطرابلس الفيحاء، مدينة الكرم والكرامة، والعلم والعلماء، والمناضلين والمناضلات، والتاريخ والإباء.

ولكن، لا بد للحقيقة أن تنشر رغما عن كل ما ذكرته من معوقات. جربت أن أنشغل بشجون تأليف الحكومة وتطاول البعض السخيف على مسيرة مكون لبناني وعربي عريق في تاريخ أوطاننا، ولكنني لم أتعود على غض النظر عن ما أراه باطلا مهما حاولت… من شب على شيء، شاب عليه!

لقد غرد وليد جنبلاط منتقدا توزير السنة المستقلين بالسياسة وبالسخرية السياسية لا بالشخصنة ولا بالتهويل ولا بالوعيد ولا بالتطاول. وقمت سعادتك بالرد بتغريدتين قويتين بالسياسة والسخرية المقابلة رغم أنه لم يسمّك بالشخصي، وهذا حق لك وكنت موفقاً فيهما بعرض وجهة نظرك وبقوة وبحجة متينة (رغم استغرابي لتخطيك الشهيد كمال جنبلاط اللبناني وتوجهك مباشرة إلى سلطان الأطرش الذي هو من أخوالي، ولكن المقارنة التي اعتمدتها فيها نوع من استخفاف بدور الشهيد كمال جنبلاط كما لو أننا كمجموعة لبنانية يختصرنا الباشا). أما التغريدة الثالثة المرفقة، فهنا كان الخطأ والتجني والغرضية والتطاول، بما لا يليق بآل كرامي الكرام ولا بنواب طرابلس الفيحاء!

فقط، كي تعلم سعادتك لمحة وحقيقة عن تاريخ دار المختارة، الرجاء العلم أنها زعامة شعبية جغرافية وتاريخية، لا إقطاعية كما يدّعون لأن جماهيرها كانت تمتلك أراضيها وبيوتها وأرزاقها وتعمل في أرضها وهذا ما ينفي عنها صفة الإقطاعية حيث الإقطاعي هو من يمتلك الأرض ومن عليها، ولا هي طائفية لأن جماهيرها ومناصريها يمثلون مروحة من الطوائف التي كانت تعيش في منطقة زعامتها الجغرافية من دروز وموارنة وكاثوليك وارثوذوكس وسنة وشيعة. ومن هذه الخلفية المتلونة بهذا الثوب الفسيفسائي الجميل والغني بالثقافة التعددية إنطلق فكر كمال جنبلاط الفلسفي والإنساني والوطني، حيث قام مع رفاق له في الفكر هم ألبرت أديب وفريد جبران وفؤاد رزق وجورج حنا وعلى رأسهم الشيخ عبدالله العلايلي، جوهرة علماء مسلمي لبنان والشرق، بتأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي، ليكون انعكاسا لهذا التاريخ السياسي لهذه الدار الوطنية.

وكان تركيز كمال جنبلاط على استغلال جماهيرية دار المختارة لتأطيرها في مؤسسة تتماشى مع تطور المجتمعات لتنتشر على كافة مساحة الوطن خارج مناطق نفوذ دارته المتمثلة في جبل لبنان الجنوبي ووادي التيم والعرقوب وبيروت، لتشمل لبنان كله. أراد تأطير العصبية السياسية لداره وزعامته وجعلها عصبية وطنية متراصة مبنية على المواطنية والإنتماء للهوية الوطنية، فكان الحزب التقدمي الإشتراكي.

وكانت جمالية هذا الفكر وهذا الحزب في التأسيس لحرية الفرد وتميزه ضمن مجتمعه بحيث يكون انتماؤه لوطنه اختياريا لا قدريا. ولكن، الفكر الكوني لهذا الرجل الإنساني الفذ لم يستطع أن يحده كيان أو حدود، فانطلق من الفكرة الوطنية المبنية على أفراد أحرار في منظومة إجتماعية مواطنية تحدد كينونة الهوية الجماعية، إلى رحاب الإنسانية وحتمية انتماء الفرد والمجتمع إلى الإنسانية جمعاء في تناغم فكري وارتقاء روحاني يصل به إلى حدود الكمال بجماليته السامية وسلامه الداخلي وتصالحه مع نفسه ومع بشريته.

ولكن، عقل كمال جنبلاط المنهجي (methodological) وخصومته للغوغائية الفكرية والعملية، جعله يضع الأسس العلمية في كيفية إنتزاع الفرد من أولوية انتماءاته العائلية والعشائرية والمناطقية والمذهبية والطائفية باتجاه أولوية انتمائه لهويته الوطنية ضمن تفرده العشائري والطائفي والعائلي كفرد، لجعل علاقته بمحيطه الضيق وعلاقته بخالقه علاقة فردية تكون مصدر غنى فكري وغذاء روحي يمثلان طاقة إيجابية في انخراطه في مجتمعه الوطني كمواطن حر في وطن حر؛ فيصبح الفرد متميزا ببيئته كفرد، ولكنه متحرر من قيود قوقعته الفطرية ومنطلق بفكره المكتسب بالعلم والوعي إلى رحاب الوطن.

وفقط ببناء المواطن المتحرر من أغلال القوقعة العشائرية تستطيع الانعتاق إلى رحاب الإنسانية. ولكن الواقع الجغرافي لكرتنا الأرضية والواقع السياسي للنزاعات الأممية والواقع الحضاري الإنساني للصراعات الثقافية، فرضت على كمال جنبلاط أن ينظم علاقة المواطن اللبناني بالإنسانية كي لا يضيع في خضم هذه التناقضات والصراعات، فجعل له منصة أخرى متقدمة يتكئ عليها ويتجذر بها ليكتسب منها طاقة تمتن جذوره الإنسانية وتمكنه من مواجهة الصراعات والتناقضات الدولية ليستطيع الصمود والنجاح، فكانت المنصة الإقليمية المتمثلة بالعروبة.

وحيث إن مجتمعاتنا العربية تتكون من تعددية عرقية ومذهبية وعشائرية وطائفية ومناطقية وإيديولجية، وهو ما يشبه الفسيفساء اللبنانية المجتمعية والسياسية، فقد طرح كمال جنبلاط وحزبه التقدمي الإشتراكي فلسفتهما العروبية التي تتخطى هذا التنوع العقائدي والمجتمعي، معتبرين أن هذا التنوع مصدر غنى ثقافي وحضاري لا مصدر ضعف، ما جعلاها عروبة إنسانية تحتضن هذه الفسيفساء بما فيها من التنوع الإثني من سريان وأرمن وأكراد وأشوريين وكلدان وتركمان وعرب بجميع طوائفهم ومذاهبهم الإبراهيمية؛ عروبة تنبذ العنصرية العرقية حيث منطلقاتها إنسانية جامعة ضمن التعددية الفردية والمجتمعية التي تقدس الحرية الفردية لبناء المجتمع الإنساني العربي الحر.

ولكن، قبل التمكن من احتواء هذه المنصة العروبية والإنطلاق منها إلى رحاب الإنسانية جمعاء، واجه كمال جنبلاط ورفاقه ثلاثة عراقيل خطيرة تمثل عوائق متينة وسدودا شاهقة بوجه انعتاق الفكر والفرد التقدمي الإشتراكي من أزقة التقوقع الداخلي والإثنية العنصرية العربية.

العائق الأول هو الأنظمة العربية الشمولية التي ازدهرت على حساب حرية الفرد، والعائق الثاني هو العرقية العنصرية التي تتحكم بعلاقات الفرد العربي بمجتمعه الوطني التى تحولت إلى مذهبية بغيضة أسست لقوى وتيارات متطرفة تقتات على جهل الأفراد والمجموعات بحقيقتها الإنسانية، والعائق الثالث والأخطر، والذي يلعب الدور المحوري في التأسيس للعائقين الأول والثاني، فهو اغتصاب أرض فلسطين وإنشاء دولة عنصرية تنخر في عظام هذا الشرق الملون بألوان التعددية وتبخ سمومها في وجدان أفراده؛ إسرائيل.

فكان ورفاقه المناضلون السباقين في لبنان من حاملي بيرق المقاومة الفلسطينية لتحرير الأرض المغتصبة من عنصرييها وأعداء الفكر الإنساني والتطور الثقافي والحضاري. ومن جهة أخرى، كان ورفاقه المدافعين الأول عن استقلالية وسيادة لبنان، ليس من منطلق شوفيني أعمى، بل لأن لبنان هو واحة الحرية ومثال التعددية والرسالة الإنسانية المشرقية بامتياز. وفي نفس التوجه، واجه كمال جنبلاط ورفاقه جميع الأنظمة العسكريتارية والشمولية التي رأوا فيها أحد العوائق بوجه تطور الفرد العربي باتجاه المواطنية الحقة والعروبة الإنسانية. كما وقفوا سدا منيعا بوجه الأفكار العنصرية المتنافرة والمتصارعة في المجتمعات العربية والتطرف الديني الكفيل بتقويض أي تطور وحداثة لدى المجتمعات وفي وجدان الأفراد.

وقد عبر كمال جنبلاط عن ذلك بدعمه الشرس للمقاومة الفلسطينية والإعتراض على ضم لبنان إلى الجمهورية العربية المتحدة التي استشرف عدم نضج مواطنها وتحرره من انتماءاته الكيانية والدينية والعشائرية، ودفاعا عن واحة الحرية اللبنانية المتميزة التي وحدها قادرة على لعب دور رأس الحربة الفكرية في انتشار الحداثة لدى المجتمعات العربية الشقيقة. كل ذلك رغم صداقته العميقة لرئيس هذه الدولة وتحالفه العضوي معه ودعمه الشرس لمواقفه السياسية الإقليمية، وهو الزعيم الخالد الراحل جمال عبد الناصر.

كما عبر كمال جنبلاط ورفاقه الحزبيون عن رفضهم للهيمنة العسكريتارية الشمولية العربية على واحة الحرية الوحيدة في هذا المشرق المتمثلة بلبنان الحضاري التعددي الديمقراطي، عندما واجهوا وحيدين التدخل العسكري السوري في لبنان في أواخر العام ١٩٧٦، ودفع كمال جنبلاط الثمن حياته في أوائل العام ١٩٧٧، حيث روت دماؤه ودماء رفاقه أرض الوطن ليزداد ترابها ترسخا في نهج الحرية والحق الإنساني في تقرير المصير. فكان شهيد سيادة لبنان وحرية أفراده، وشهيد فلسطين وحق شعبها بأرضه وتاريخه بوجه المغتصب العنصري، وشهيد التصدي للقمع والعسكريتارية والشمولية العربية التي تقبض على عنق الفرد العربي لتمنعه من الإنفلات من أغلال الجهل والتبعية والانكسار المعنوي والتخلف الفكري والإنساني.

فيا سعادة النائب فيصل أفندي، هذا هو الإرث الذي وضع على كاهل وليد جنبلاط والحزب التقدمي الإشتراكي ودار المختارة. هذا هو الإرث الذي جبر هؤلاء على خوض معركة إسقاط الإتفاق الاستسلامي للعدو الإسرائيلي المتمثل باتفاق ١٧ أيار المشؤوم، حيث خاضت الحرب كل القوى الوطنية والعروبية والقومية بقيادة الحزب التقدمي الإشتراكي ووليد جنبلاط وبالتحالف مع أصحاب الأرض الدروز لإسقاط هذا الإتفاق، وأسقطوه رغم قلة عتادهم وتنظيمهم أمام خصومهم. وامتد هذا التحالف ليشمل أفواج المقاومة اللبنانية – أمل في ضاحية بيروت الجنوبية التي كانت خير حام لخاصرة الجبل، حيث بعد الإنتصار وإسقاط الإتفاق، إستكملت المعركة مع الحلفاء في حركة أمل التي توجت بانتفاضة ٦ شباط في العاصمة بيروت التي دفنت الإتفاق وصلت على روحه الراحلة إلى الأبد.

المذابح يا سعادة النائب تكون كفعل الأتراك بالأرمن والسريان وكما يفعل اليوم الصهاينة بالشعب الفلسطيني، حيث تكون بين مسلح وأعزل، بين غاز وقابع تحت الإحتلال. لا تكون كالحرب التي ذكرتها سعادتك التي خيضت بين قوتين مسلحتين كل منها يدافع عن خياراته السياسية بالسلاح. ولكن، وحيث أن الإنقسام كان ضمن الشعب الواحد في الوطن الواحد، أدى ذلك إلى المآسي الإنسانية بحق المدنيين من الجهتين.

ويا سعادة النائب فيصل أفندي، ليس وليد جنبلاط ولا الحزب التقدمي الإشتراكي ولا الأحزاب والقوى الوطنية والقومية ومناضليها وشهدائها، ومنهم من مدينتك طرابلس الفيحاء، من ساهموا في تحويل لبنان إلى فيديرالية طوائف، بل الإجتياح الإسرائيلي ومخططاته العنصرية التي تريد من دول الطوق أن تتحول إلى كانتونات مذهبية وطائفية تكون مرآة لكيانهم العنصري البغيض.

وليد جنبلاط يا سعادة النائب فيصل أفندي كان يريد اجتناب الحرب باتجاه المعارضة السياسية، ولكن نجاته بقدرة إلهية من محاولة اغتياله كانت الإثبات أن الحرب فرضت عليه، حيث كان أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإستسلام للأمر الواقع والخروج من لبنان، وإما المواجهة وتحرير لبنان من مذلة الإستسلام، فكان الخيار الثاني لأنه إبن الشهيد كمال جنبلاط ونتاج تاريخ دار المختارة ورئيس حزب المناضلين والمقاومين والشهداء، الحزب التقدمي الإشتراكي.

والدليل على أن الخصومة كانت على المشروع لا مع اللبناني الآخر، وحيث أن الصراع آنذاك كان يعبر عنه بالسلاح لأننا كنا تحت الإحتلال وفي خضم الحرب الأهلية اللبنانية، ها قد تمت المصالحة في لقاء تاريخي بين وليد جنبلاط والبطريرك صفير استكملوها في بريح بحضور ومباركة جميع المكونات اللبنانية الإجتماعية والسياسية، وثبتوها بالمصالحة بين القوات والإشتراكي. نعم، لم يكن يوما عداء بين المكونات السياسية والطائفية، بل عداء بين مشروعين عندما ذهبا، ذهب معهما العداء. وها نحن يا سعادة النائب فيصل أفندي نعيش ليس بشراكة فحسب، بل بتكامل إجتماعي طبيعي حيث كل مكون من مكونات الجبل يمارس حريته الدينية والسياسية والإجتماعية بكل أريحية وديمقراطية يتضمن بعضها خصومة سياسية لا تفسد للود قضية.

أما عن شيمون بيريز، كنت أتمنى من إبن هذا البيت العريق وأحد زعماء هذه المدينة الأبية، طرابلس الشرق، أن لا ينحدر إلى هذا الدرك من استخدام المصطلحات التي لا تليق بعلمه ومركزه.

لقد اجتاحت إسرائيل لبنان ووصلت قوة كبيرة منها إلى بلدة المختارة وطوقت دار المختارة ودخلته ووليد جنبلاط والمرحومة والدته وعشرات من الشباب العزل من القرى المجاورة أجلسوهم على حافة حجرية على طول المدخل بعد بوابة الحديد الخارجية بقوة السلاح، حتى وصول شيمون بيريز الذي اقتحم الدار غازيا ومحتلا، ولم يدخلها صديقا وضيفا. وأصر على الإجتماع بوليد جنبلاط بالقوة وعرض عليه الملك والسلطة إذا تعاون معه على شرط أن يبدأ بإقناع أبو عمار بالإنسحاب من بيروت وإقناع القوى الوطنية المحاصرة في بيروت بالإستسلام.

كان أمام وليد جنبلاط خياران لا ثالث لهما، فخيار التعامل من زعيم دار المختارة ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي هو خيار مستحيل لأنه يفقد الدار زعامتها ويفقده رئاسة حزبه ويحرق تاريخه النضالي وتاريخ رفاقه وأجداده وعشيرته. إما الرفض والمكوث في دارته مخفورا ومأسورا بالسلاح الصهيوني، وإما خداع أعدائه للتمكن من استكمال النضال. وكأبيه من قبله وجده وأسلافه، قرر وليد جنبلاط المواجهة؛ فوعدهم خيرا حيث أمنوا له وسيلة النقل وهي السيارة المصفحة لمبعوث الرئيس الأميركي آنذاك فيليب حبيب.

وعند وصوله إلى بيروت وترجله من السيارة الأميركية، إنقلب على أعدائه وفضح مخططاتهم ومكث مع المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية في بيروت المحاصرة، وألقى خطابه الشهير الذي هدد به العروش والأنظمة العربية والتخاذل الدولي أمام هذا العدوان الغاشم. لقد دخل وليد جنبلاط بيروت عندما كان ينزح منها مئات الآلاف من المدنيين هروبا من حمم المدافع والطائرات الحربية والصواريخ والبارجات الحربية الإسرائيلية التي كانت تصب جام غضبها على بيروت. وكانت جملة وليد جنبلاط الشهيرة: “باق مع الفقراء في بيروت، مع الذين لا يملكون قميصا”. فليس لوليد جنبلاط يقال شيمون بيريز يا سعادة النائب، أين كنتم وأين كنا جميعنا عندما كان وليد جنبلاط في بيروت المحاصرة من العدو الصهيوني وتتلقى شتى أنواع الدمار العسكري الكثيف الذي لم يوفر حجرا ولا بشرا؟!

وعندما تعجب البعض كيف ترك جنبلاط دارته الآمنة في المختارة ودخل بإرادته إلى آتون جهنم حصار بيروت ومعاركها، إنتفض وليد جنبلاط مستهجنا تعجبهم وتوصيفهم لدارته بأنها آمنة. بالنسبة له الوجود في أرض حرة، ولو تحت وابل القذائف وحمم البارود، لأكثر أمانا وكرامة وانعتاق من أرض ترزح تحت نير الإحتلال الصهيوني في ظل سلم وأمن ذليلين بحماية بندقية المحتل.

أما القصور التي ذكرتها في تغريدتك يا سعادة النائب فيصل أفندي، فهي دليل عن عدم معرفتكم بحقائق الأمور. إننا لا ندعوه قصر المختارة كما تفعلون، بل كما أسلافنا من قبلنا ندعوها “دار” المختارة، لأنها بالنسبة لنا كما كانت بالنسبة لآبائنا وأجدادنا، هي دار الناس جميعا، دار اللاجئ والملهوف والمستجير، دار المفكر والفلاح، دار العمال والمعلمين، دار الأحرار… إنها دارنا جميعا، دار الوطن والمواطن.

أما ما أثار استغرابي يا سعادة النائب فيصل أفندي، هو استخدام ورقة الشهداء والاستشهاد بوجه وليد جنبلاط. إنه وليد جنبلاط يا سعادة النائب، أول شهيد حي أصيب ونجا من محاولة إغتيال كادت تودي بحياته وحياة قرينته الحامل عام ١٩٨٢ لولا العناية الإلهية. إنه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، حزب الشهداء بالآلاف التي روت دماءهم أرض الوطن منذ تأسيسه في النصف الأول من القرن العشرين. إنه نجل الشهيد كمال جنبلاط وإبن شقيق الشهيدة ليندا جنبلاط وحفيد الشهيد فؤاد جنبلاط الذي بدوره حفيد الشهيد سعيد جنبلاط نجل الشهيد بشير جنبلاط. ليس بوجه هذه السلالة وهذه الدار وهذا الحزب ترفع ورقة الشهادة يا سعادة النائب!

وقبل الختام، أود تنوير سعادتكم بحقيقة صارخة. منذ استشهاد كمال جنبلاط واستلام وليد جنبلاط زعامة دار المختارة ورئاسة الحزب التقدمي الإشتراكي، تم اعتماد نشيد للحزب التقدمي الإشتراكي لغاية منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وما زال أحد الأناشيد الرئيسة لهذا الحزب وفي وجدان أعضائه ومناصريه. فأرجو من سعادتكم تقييم هذا السطر من هذا النشيد علكم تعلمون معنى أن تكون رفيقا ومناصرا لوليد جنبلاط ودار المختارة والحزب التقدمي الإشتراكي:

الحق، الحق أنا ديني… وسلاح الثورة يحميني
رمزي والفخر فلسطيني… والمعول ذخر والقلم

وفي الختام، أربأ بنفسي أن أتهجم أو أنتقد نجل فقيد الوطن الرئيس عمر كرامي وإبن شقيق شهيد لبنان الرئيس رشيد كرامي وحفيد الزعيم الوطني والعروبي الكبير عبدالحميد أفندي كرامي وأحد ساسة طرابلس الفيحاء، مدينة العلم والعلماء، والفقه والفقهاء، والنضال والمناضلين، والشهادة والشهداء. وعليه، أجرؤ فقط أن أستظل بفيء أشرف خلق الله عندما نصح إعرابي بقوله الشريف: “إعقل وتوكل”!

وتفضلوا سعادتكم بقبول فائق الإحترام والتقدير.

(الأنباء)