ترويض الفيل… / بقلم خالد بركات

عندما يقوم الصيادون باصطياد فيل حي (لترويضه) يستعملون حيلة للتمكن من الفيل الضخم صعب المراس ..
فيحفرون في طريق مسيره حفرة عميقة بحجم الفيل ويغطونها ..وعندما يقع فيها لا يستطيع الخروج، كما أنهم لا يجرؤون على إخراجه لكي لا يبطش بهم، فيلجؤون إلى الحيلة التالية: ينقسم الصيادون إلى قسمين، قسم بلباس أحمر.. وآخر بلون أزرق لكي يميز الفيل بين اللونين.. فيأتي الصيادون باللباس الأحمر ويضربون الفيل بالعصي ويعذبونه وهو غاضب لا يستطيع الحراك..

ثم يأتي الصيادون الذين يلبسون الأزرق، فيطردون الحمر ويربّتون ويمسحون على الفيل ويطعمونه ويسقونه ولكن لا يخرجونه، ويذهبون ..وتتكرر العملية ..
وفي كل مرة يزيد الصياد الشريك الشرير الأحمر من مدة الضرب والعذاب.. ويأتي الصياد الشريك الأزرق (الطيب) ليطرد الشرير ويطعم الفيل ويمضي.. حتى يشعر الفيل بمودة كبيرة مع الصياد الشريك (الطيب)، وينتظره في كل يوم ليخلصه من الصياد الشريك (الشرير)..

وفي يوم من الأيام يقوم الصياد الشريك (الطيب) بمساعدة الفيل الضخم، ويخرجه من الحفرة، والفيل بكامل الخضوع والإذعان والود مع هذا الصياد الشريك الأزرق الطيب، فيمضي معه..

ولا يخطر في بال الفيل أن هذا (الطيب) بما أنه يستطيع إخراجه، فلماذا تركه كل هذا الوقت يتعرض لذلك التعذيب؟

ولماذا لم ينقذه من أول يوم ويخرجه؟

ولماذا كان يكتفي بطرد الأشرار وحسب؟

كل هذه الأسئلة غابت عن بال الفيل الضخم….!!

هكذا يتم ترويض بعض الشعوب بأفكار واهمة ومقلقة لإبعادهم عن جوهر القضية وحقوقهم ومطالبهم وأوجاعهم.. ثم يشكرون من يروضهم وهم أصلا سبب ما هم فيه من ألم ومصاعب !!

يا رب بارك وأحمِ كل إنسان لنبقى في عالم الإنسانية..

ويا رب احمِ كل مواطن والوطن لتبقى المواطنية..

ونحن نعلم والكل يعلم أن النفوس العالية الكبيرة يدوم فيها الأمل ما دام الدم في العروق وما دامت الحياة.

وأي حياة ترضاها النفوس الشريفة مع اليأس، أيجمع المرء في جسم واحد الموت والحياة؟ إذ اليأس موت حقيقي وأيّ موت..

كيف نيأس ونحن جميعاً عالمون بأن ما يظهر طويلاً في حياة الأفراد هو قصير في حياة الشعوب والأوطان..

فعشر من السنوات في حياة الإنسان طويلة حقاً ولكنها في حياة الوطن قصيرة جداً..

الشعب انتقل من طور إلى طور ومن حال إلى حال حتى بلغ المثل الأعلى في حياته، فهو أبداً قلق يفتش عن حل لمشاكله، وقانون لأوضاعه لعله يقع على السعادة الحقيقية التي ينشدها من وجوده… فترتفع الحلول إلى ذرى رفيعة، خُلقت له، فهو يشكر لهذه الرؤوس المفكرة والأقلام المدبرة والعقول النيرة عظيم ما أسدت إليه من عصارة الفكر وخلاصة الإلهام، لأنها ركزت في سبيل الإنسان أنواراً يستضيء بها في ظلمات العيش ويسترشد بها في الطريق الطويلة الوعرة…
“قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء
وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء”.

أنستسلم إلى اليأس أم أن ثمة رجاء وطن!؟
لن نستسلم لأننا مؤمنون بوطننا وبأن تطغى المصلحة العامة والوطنية الحقيقية الصادقة على المصالح الضيقة والأنانية..
أو لذا يجب أن نقبل الأزمنة بإيمان ورجاء وكرامة وشجاعة..
كذلك تكون التوبة أن ننكر أزمنة لبنان.
وننكر ما يصنعونه اليوم من حكايات الأمس والحكايات الآتية..
وحبذا لو علم من بيدهم الحل والربط..!!
وهم يعلمون ان الخط المستقيم هو أقصر خط.. فلماذا هذا الهدر للوقت ولنعد ونصل إلى ما وصلنا إليه..؟.
فالوقت إذا ما ذهب فإنما يذهب الى غير عودة، وأما الفرصة فإذا ضاعت فإنما تضيع إلى غير رجعة..
أو كأن أصبحت المماطلة من التقاليد المعتمدة والسائدة عند كل استحقاق ..ومن التقاليد أو الإدمان.. عبارة ” شو الحمد لله كأنها انحلت”…..
هلموا نجحد أهل الوطن..
إلى من أشتكي؟ ولمن أناجي
إذا ضاقت بما فيها الصدور..
وما دمتم تحبون الحياة وجب عليكم ألا تضيّعوا أوقاتكم سدى فإن الوقت مادة الحياة..
وبما أن حياتكم المقبلة كامنة فيكم، فإن حياتكم الحاضرة هي الدعامة لمستقبلكم..

(الأنباء)