نهج ترامب يجعل الولايات المتحدة غير ذات صلة في السياسة العالمية

لو أتيح لي إمكان أن أختار شخصية السنة العبرية الفائتة في السياسة الإسرائيلية لكنت أختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أحدث انقلاباً في ثلاثة مجالات مركزية في حياتنا، هي الثقافة السياسية، وجدول أعمال الأحزاب، والسياسة العامة حيال الفلسطينيين. ويعتبر القرار الأخير القاضي بإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن حلقة واحدة في السلسلة.

بالنسبة إلى الفلسطينيين، لا بُد من ملاحظة أن ترامب يتبنى نهجاً فحواه أنه من أجل الحصول على تنازلات من خصمك ينبغي تهديده وتحقيره. وإذا لم يفلح ذلك يتم فرض عقوبات عليه. ومع أن مثل هذا النهج مألوف في السياسات الداخلية، التي تتبعها الدول، بما في ذلك دول ديمقراطية، فإنه يعتبر نهجاً مرفوضاً وخطراً في السياسة الخارجية.

حتى الآن لم يتسبّب نهج ترامب هذا، الذي يتبعه أيضاً حيال شعوب أجنبية أخرى وحيال زعمائها، في اندلاع أي حرب، ولم يحدّ من ازدهار الاقتصاد الأميركي ونموّه. لكنه في المقابل لم يسفر عن التوصل إلى أي صفقة أو أي اتفاق، باستثناء اتفاق واحد غير مهم مع المكسيك. وما يزال السؤال بشأن الوجهة التي سيسير العالم فيها تحت وطأة الحرب التجارية التي بدأ ترامب بشنها ضد كل من الصين وكندا وأوروبا الغربية والنقابات الأميركية الكبرى سؤالاً مفتوحاً، مثله مثل السؤال بشأن الوجهة التي ستسير فيها قصة الغرام بينه وبين الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، أو قصة الغرام بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وينسحب هذا الحكم على العلاقة بين ترامب والفلسطينيين. فقد بدأت هذه العلاقة بقيام الرئيس الأميركي باستضافة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في البيت الأبيض، وتعيين صهره جاريد كوشنير مبعوثاً خاصاً له إلى منطقة الشرق الأوسط، والإعلان أنه يسعى لتحقيق صفقة القرن، التي ستثبت عبقريته في عقد الصفقات، وتبرهن على عجز سلفه باراك أوباما ومنافسته هيلاري كلينتون. وعندما تبين له أن الفلسطينيين لن يخضعوا لأي إملاءات إسرائيلية- أميركية، انتحى جانباً، وبدأ بفرض عقوبات عليهم، بدءاً بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، مروراً بوقف المساعدات المالية لهم، وانتهاء بإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير في واشنطن.

ومع أن المسؤولين في إسرائيل يرون أن كل هذه العقوبات هي بمثابة هدف وتشكل هدايا لهم، فلا بُدّ من الانتباه إلى أن ترامب يرى فيها وسيلة وليست هدفاً، وبالتالي فإنه قد يغيّر موقفه، كما غيّر موقفه حيال كوريا الشمالية. فضلاً عن ذلك فإن ترامب يبقى بعيداً عن ساحة المواجهة مع الفلسطينيين القريبة منّا. ولا شك في أن التلامذة الفلسطينيين، الذين ستقفل مدارس وكالة “الأونروا” في خان يونس وبيت حانون أبوابها أمامهم، سيقومون بإلقاء زجاجات حارقة باتجاه جنود الجيش الإسرائيلي في منطقة الحدود مع قطاع غزة.

ما من أحد بإمكانه أن يتكهن بالوجهة التي قد يدفع اليأس بالفلسطينيين نحوها، هل نحو الخنوع أو نحو انتفاضة جديدة؟. كما أنه لا يجوز أن نتغاضى عن حقيقة أن نهج ترامب هذا يجعل الولايات المتحدة غير ذات صلة في السياسة العالمية. وشهدنا ما يمكن أن يترتب على ذلك في سياق الحرب الأهلية في سورية، وأيضاً في سياق الاتفاق النووي المبرم مع إيران.

بطبيعة الحال ثمة تأثير لسياسة ترامب على الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية. ونظراً إلى أن الكثير من التحليلات سبق أن توقف عند هذا التأثير، فسأكتفي بالإشارة فقط إلى أن تلك السياسة رفعت كثيراً من أسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وأسهم حلفائه من زعماء سائر أحزاب اليمين المتطرّف، بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر تهدّد الثقافة السياسية في إسرائيل، ومنعة نظامها الديمقراطي.