هل وصلت رسالة المفتي دريان؟

لا تزال قضية الصلاحيات والتضارب حولها بين الرئاسة الأولى والثالثة مدار تداول في الأوساط السياسية، منذ أن خرج رئيس الحكومة محدداً شروطاً ومهلاً زمنية قال أن على الرئيس المكلف الالتزام بها. حاول البعض إضفاء صبغة طائفية لهذا السجال، لكن الموقف الذي صدر عن المطارنة الموارنة في اجتماعه الدوري الأخير، وتعبيرهم عن مدى استغرابهم من إثارة مسائل دستورية وطرح تعديل الدستور عند كل استحقاق، مثّل موقفاً وطنياً يسحب الطائفية من هذا السجال، ويضاف إلى موقف المطارنة موقف حزب القوات اللبنانية الذي يعلن التمسك باتفاق الطائف والحفاظ عليه، بدلاً من الإمعان في تجاوزه أو تخريبه.

لكن السجال استمر في بعض الممارسات، سواء بفرض بعض الشروط للتوزير، أو التهديد بإسقاط التكليف. وهذا الكلام خرج الرئيس سعد الحريري للردّ عليه بشكل مباشر قائلاً إنه يعرف الدستور جيداً، ولا طريق لإسقاط التكليف إلا في مجلس النواب إذا لم تنل الحكومة الثقة. لكن الكلام الذي أطلقه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، كان الأصرح في هذه المرحلة، وما تمرّ فيه البلاد من انسداد سياسي.

أشار دريان إلى أن البلد يعيش في أزمة كبرى، ولكن ليس بِسبب عدم تشكيل الحكومة فقط؛ بل ولسوء الأوضاعِ الاقتصادية والماليّة والاجتماعيّة، والانقسام السياسيِّ العميق، لافتاً إلى أن الأمر يتطلّب التّضامن والتّوافق وتبادل الرّأيِ بِروح طيِّبة، وبِإدراك عاقل للمشكلات الوطنيّة، والإِرادة المخلصة في الوصول إلى حلول لها . مشيراً إلى أننا نحتاج إلى وعيِ المسؤولين الكبارِ بِمسؤوليّاتهِم، لأن التّعاند لا يفيد. وكذلك الإِصرار الحقيقي أو الموهوم على الصّلاحيّات، لأنّه عندما يتهدّد النظام، لا تعود هناك قيمة للصّلاحيّات أو المرجعيّات.

وتوجّه دريان إلى رئيسِ الحكومة المكلّف، قائلا”: وقد سرّنا جميعاً التّضامن من حوله. لكنّني أتوجّه إِليه بالتّحيّة، لأنّه لا يشارِك في هذه المنافرات الكلاميّة، التي لا تفيد إلا زِيادة في الشقاق، مشدداً على أن نحن مع رئيسِ الحكومة المكلّف، في بعده عنِ الإِثارة، وسعيِه للوِفاقِ الوطنيّ، والتّوازنِ الوطنيّ، والنّهوض الوطني. وعلى هذه الشّاكلة الوطنيّة، نرجو أن تتشكّل حكومته، لتكون حكومتنا جميعاً، فالعصبِيّات الطّائفيّة تنتج كلّ منها الأخرى، ولا يبقى للوطنِ شيء أيّاً كان.

هذا الموقف المتقدم الذي أطلقه دريان يشير إلى عمق الأزمة، ولكنه يمثّل حاضنة أساسية للرئيس المكلف، ستكون داعمة له في مسعاه لتشكيل الحكومة، بدون تقديم تنازلات جوهرية تمس بالطائف، أو بصلاحيات رئيس الحكومة. خاصة أن كل الطروحات التي يتقدّم بها رئيس الجمهورية ووزير العدل ورئيس التيار الوطني الحرّ تعتبر مساً بالدستور والصلاحيات. أضاف دريان دعماً جديداً لرئيس الحكومة الذي لقي الدعم من رؤساء الحكومات السابقين ومن أفرقاء آخرين، وهذا الموقف سيحصن وجهة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، مع التركيز على الخروج عن منطق الإصطفاف والانقسام الطائفي. لكن تبقى العبرة في من سيتلقف هذه الدعوة، وأن لا يضعها في حسابات طائفية جديدة فتضيع، ويضيع معها النقاش الجدي، ليتحول إلى نقاش حول جنس الملائكة، قائم على الشعبوية الطائفية، فهل وصلت الرسالة؟

(الأنباء)