ما وراء خطاب العرفان!

وهيب فياض

قد يكتب الكثيرون عن خطاب وليد جنبلاط من على منبر مدارس العرفان، في السياسة والمواقف الوطنية، والموقف من سوريا، فيفسرون ويؤولون، ويستنبطون ويستنتجون.

ولكنني رأيت ان اهم ما جاء في الخطاب استشرافا واستراتيجيا، هو الامر التعليمي والتربوي، وتوجيه الجهود نحو التعليم المهني والتقني.

لقد انشأ الحزب التقدمي الاشتراكي، شريحة واسعة من الأطباء والمهندسين والصيادلة وحملة الدكتوراه واصحاب الشهادات العليا، عبر المنح التي استطاع تأمينها من دول العالم الاشتراكي في الثمانينات من القرن الماضي، وعبر تعزيزه آنذاك للتعليم الرسمي والجامعة اللبنانية بالنضال الذي قادته نخب من مدرسة كمال جنبلاط.

انهم أبناء الفقراء الذين لم يكن اهلهم يحلمون ان يحمل ابناؤهم ألقابا علمية رفيعة بسبب ضيق الحال، ونقص المال، ولكن هذا الكم الذي ابلى البلاء الحسن في رفع المستوى الثقافي والعلمي والمادي للمجتمع، بقي جيشا من الضباط بدون جنود، لان التراتبية بينه وبين القاعدة العمالية بقيت فارغة، بسبب عدم وجود الاختصاصات الوسيطة من الفنيين، وان وجدوا على ندرتهم وقلة أعدادهم، فهم مهنيون بالممارسة بلا بالتعليم، مما عمَّق الفجوة بين الشرائح الاجتماعية، فكان من النتائج السلبية لهذا الإنجاز العظيم، إيجاد نخبة محدودة، وجيشا من الشباب الذين يبحثون عن لقمة عيشهم، بدون سلاح من العلوم التقنية، محملين الزعامة السياسية عبء إيجاد وظائف لهم في عداد القوى المسلحة، وشركات الأمن والحراسة، وكلها مظاهر للبطالة المقنّعة، على ما فيها أيضا من تحويل الانتماء، الى نفعية سياسية، لم تكن ولن تكون أبدا هدفا من أهداف زعامة آل جنبلاط، ولا الحزب الاشتراكي.

ان إطلاق وليد جنبلاط، لحملة تعميم التعليم المهني والتقني، والتزامه بدعمها ماديا ومعنويا، ما هو الا ثورة على انتشار ثقافة النفعية السياسية، وتحويل القيادات السياسية الى مؤسسات للتوظيف في مهن البطالة المقنّعة.

لم تكن المختارة ولن تكون يوما رهينة في قرارها السياسي، او في معارضتهاوموالاتها، لضغوطات طالبي لقمة العيش على مائدة نظام فاسد، ولم يكن جمهورها، ولن يكون، جيشا من طالبي الوظائف والخدمات، بل جيش من اصحاب الكرامة والمبادئ ، يزورونها للتزود بالموقف الوطني، والقرار الحر والجريء.

يحاول كثيرون تصنيف اللبنانيين طائفيا، على القاعدة العددية، وان يجعلوا من اهلنا في الجبل، مواطنين من الدرجة الثانية، يلهثون وراء رغيف من معجن الدولة، وان يجعلوا زعامتهم اسيرة رغيف الفقراء.

هذا هو البعد الاستشرافي والاستراتيجي لدعوة وليد جنبلاط الى مسيرة التعليم المهني والتقني. وهو ان قال فعل، وان وعد وفى، ويقينا، اننا كما رأينا كوكبة من أبناء الفقراء تصبح نخبا علمية وفكرية وثقافية، تطل علينا من منح التخصص في الثمانينات، سنرى نخبا من التقنيين والفنيين، تدخل أسواق العمل بعد عقد من الزمان، يحتاجها سوق العمل، ولا تحتاج الى واسطة للارتزاق، لتحرر الزعامة السياسية من قيد يدمي قلبها، ليبقى الالتزام السياسي على صورةومثال المبادئ، فيعود الى السياسة ألقها وبريقها.

انه سبيل جديد الى الحرية، يحطم القيد الاقتصادي، بالعلم والعمل.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم وهيب فياض

جنبلاط يهادن مجدداً وينعي اتفاق الطائف

أيها المعلم المشرق علينا من عليائك

نزار هاني: أرزتك أطول من رقابهم!

عن الفتح المبكر للسباق الرئاسي: قتال بالسلاح الأبيض والأظافر والأسنان!

عهد القوة ام العهد القوي؟

من موسكو: تيمور جنبلاط يجدل حبلاً جديداً من “شعرة معاوية”!

لجيل ما بعد الحرب: هذه حقيقة وزارة المهجرين

حذار من تداعيات إزدواجية المعايير!

عن دستور ظاهره مواطنة وباطنه عفن سياسي!

لا تحطموا برعونتكم أعظم إختراع في تاريخ الديمقراطية!

رسالة من العالم الآخر: من أبو عمار إلى أبو تيمور!

لتذكير من لا يذكرون: تجارب وزراء “التقدمي” مضيئة وهكذا ستبقى!

يحق لوليد جنبلاط أن يفاخر!

تبيعون ونشتري

إنه جبل كمال جنبلاط!

إلا أنت يا مير!

ادفنوا حقدكم لتنهضوا!

الإصلاحيون الحقيقيون: إعادة تعريف!

مطابق للمواصفات!

خيارات المختارة وتحالفاتها: قراءة هادئة!