رحلة إلى الماضي وعبر للمستقبل!

بقلم: أنور ضو

 

بقلم: أنور ضو (*)

بالأمس عدت إلى مدرستي الرسمية في ديرالقمر بعد غياب ٥٤ سنة عنها منذ أن تخرّجت منها في نهاية المرحلة التكميلية (كما كانت تُسمّى آنذاك).

كنت برفقة العائلة والأحفاد، فالمدرسة تحوّلت مطعماً وفندقاً!

 

حملتُ الصغار وأمسكتُ بيد الكبار، وتجوّلتُ معهم على الشرفات وأمام صفوفي التي تعلمتُ بداخلها، وقد تحوّلَت إلى غرف منامة.

كدتُ أطرق الأبواب لأدخل معتذراً لأساتذتي عن تأخري كل هذا الزمن، ولرفاقي الذين قد لا يتعرفون إليّ بعد أن يروا وجهي وقد ترك العمر فيه خطوطه، وشعري وقد وخطَ الشَّيبُ أكثر سواده.

لكني انتبهتُ إلى أن غفلة العمر مرّت، فلأدع الماضي بذكرياته الحلوة والمرة، ولأنقل للأحفاد ما أثاره المكان فيّ من عبر ودروس؛ قلت لهم: “تعلّمنا في المدرسة الرسمية وخرجنا منها مزوّدين بالعلم والقيم الأخلاقية والوطنية الجامعة، ولَم نتعلّم في مدارس الطوائف، لذلك تخرّجنا إلى الوطن”…

تعلّمنا معاً في دير القمر، وكانت الصداقة تجمعُنا وشيطنات الفتوة تصهرُنا، ولَم ننتبه إلى أي فارقٍ طائفي أو مذهبيٍّ بيننا، وبقينا كذلك يوم التقينا في الجامعة اللبنانية التي تخرٌجنا منها آتين من كل المناطق والمذاهب والاتجاهات، فتصلّبت وحدتُنا، وما زلنا إلى الآن أخوةٌ وأصدقاء رغم ما عصف بوطننا من حروبٍ وأحداث.

واسترسلتُ فقلت لهم: المدرسة الرسمية خرّجت رجالات الوطن الكبار، وقادةَ الرأي، وبُناةَ الدولة، والأدباء والشعراء والعلماء ورجال العلم والفكر والقانون، غذّت عقولَهم بالعلم، وصقلت نفوسَهم بالأخلاق، ووحّدت بينهم في الوطن.

إنتبَهوا جيداً لكلامي، ثم سألني كبيرُهم، وقد نجح في الشهادة المتوسطة هذه السنة من إحدى المدارس الخاصة: “لم تَعُد المدرسة الرسمية اليوم كما كانت في زمانكم، فهل ستعود؟”

أطرق القلبُ، ثم غامت أعيني

فحدّقتُ فِيهِ، وتجاهلتُ السؤالا

(بالإذن من عمر أبو ريشه).

(*) مستشار وزير التربية والتعليم العالي، مدير عام تعاونية موظفي تعاونية موظفي الدولة سابقاً.


(فيسبوك، الأنباء)