رسائل السويداء وقراءة جنبلاط: لا ارتماء في حضن النظام

منير الربيع (المدن)

في تاريخ الدروز الحديث، لم تحصل مجزرة مماثلة لما تعرّضوا له في السويداء. استنفرتهم عمليات تنظيم داعش التي أدت إلى مقتل أكثر من 250 ضحية. ما جرى أذهل دروز المنطقة، ودفع البعض منهم إلى توجيه دعوات للذهاب إلى القتال، بينما يفضّل آخرون، كالحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط، التفكير بروية وهدوء، والتيقظ لمحاولات النظام السوري الساعية إلى إيقاع الدروز في شركه، وضمّهم إلى نظرية حلف الأقليات، على قاعدة تخييرهم بين تأييده أو مواجهة المجازر الداعشية. طرح جنبلاط سلسلة تساؤلات بشأن كيفية وصول عناصر التنظيم إلى المحافظة، وفضّل الاكتفاء بوقفات تضامنية، بدلاً من الذهاب إلى استخدام لغات شعبوية ومذهبية من شأنها تعزيز الشرخ المذهبي داخل المجتمع السوري.

في مقابل موقف جنبلاط، كثيرون حاولوا الاستثمار بما جرى سياسياً. لكن، وفق ما تؤكد مصادر لبنانية متابعة، فإن السياق واضح وأهالي المنطقة يعرفونه. لذلك، عملوا على طرد ممثلي النظام الذين حضروا للمشاركة في تشييع الضحايا، كما طردوا شخصيات لبنانية محسوبة على النظام. بمعزل عن التفاصيل الميدانية، فإن النظام يريد تطويع المحافظة، والانتقام منها على خلفية الحياد الذي اعتمدته خلال السنوات الماضية، ورفضها المشاركة في القتال إلى جانبه. وثانياً على خلفية الموقف الرافض للمشاركة في الخدمة الإلزامية، خصوصاً بعد امتناع نحو 50 ألف شاب من المحافظة عن الالتحاق بالجيش السوري. ومنذ سنوات وعمليات ترهيب السويداء مستمرة، إن عبر داعش أو عبر المعارضة في درعا.

أسئلة عديدة يطرحها دروز لبنان بشأن ما يجري، خصوصاً أن خروج التنظيم من مخيم اليرموك في اتجاه الريف الشمالي الشرقي للسويداء كان له هدف أساسي، هو ترهيب أهالي السويداء تزامناً مع عمليات تجريد من الأسلحة. لكن اللافت هذه المرة أن مشايخ الكرامة ليسوا هم الذين وقفوا ضد ذهاب الشباب إلى الخدمة الإلزامية، بل كان الموقف موحداً من مشايخ العقل والشخصيّات المحلية. وربما هذا ما دفع إلى هذا الانتقام الكبير. ليبقى السؤال الأساسي عن حرية حركة هؤلاء وتنقلاتهم، بدون أي إجراء من النظام، خصوصاً أنه لم يقتل أي عنصر من عناصر النظام أو الجيش السوري.

يطلق على الدروز توصيف بأنهم كطبق النحاس، من أين ما طرق يرنّ كلّه. هذا التوصيف يختصر حالة الغضب العارمة التي سادت في صفوفهم. ودفعت بعضهم إلى استشعار ما هو أسوأ. بعض الرؤوس الحامية دعت إلى الذهاب للقتال. بينما اكتفى جنبلاط بالدعوة إلى اللقاء التضامني في عبيه، الجمعة في 27 تموز 2018، لتنفيس الاحتقان، وتأكيد الموقف الأساسي أن دروز سوريا هم جزء من النسيج الاجتماعي السوري، وليسوا أقلية أو مجرّد طائفة. وتؤكد مصادر متابعة أن أي تصرف من قبيل الذهاب للقتال في السويداء لم يحصل، بل هناك بعض الشبان اللبنانيين الذين يترددون دائماً إلى سوريا ويقاتلون في صفوف النظام. وهذا له أهداف خبيثة، تتجلى بتطويع دروز المنطقة، خصوصاً دروز لبنان، وإيصال رسالة لهم أن النظام وحده يوفّر حمايتهم. لكن، واقعياً، أهالي المنطقة ليسوا بحاجة إلى مقاتلين. بالإضافة إلى أن الدروز لا يقاتلون خارج أراضيهم.

وهذا ما أشار إليه جنبلاط في موقفه في لقاء عبيه. إذ اعتبر أن الأسد يريد استخدام الشبان الدروز في معركة إدلب، ويريد استدراجهم إلى الخدمة العسكرية، مشيراً إلى أنه سيتابع اتصالاته من أجل إيجاد حلّ لهذه المشكلة، بالتواصل مع الروس الذين توجه إليهم جنبلاط بضرورة الحفاظ على شعرة معاوية وإيجاد ضمانات لأهالي السويداء، لأنه لن يسمح بأن يتم المرور على أجساد الدروز في سوريا ولبنان كما حصل في الشيشان. ولن يسمح بالتضحية بهم. أضاف: “ليتني أملك السلاح والعتاد لأتوجه للقتال إلى جانبكم يا أبناء جبل العرب”.

ما جرى كان متوقعاً، ولكن ليس بهذا الحجم، منذ الاجتماع الذي عقد قبل نحو شهر بين الروس والنظام مع مشايخ الكرامة. توجه الروس إلى المشايخ بالقول إما أن تسلموا سلاحكم وتلتحقوا بقوات النظام وتعيدوا الشباب إلى الخدمة العسكرية أو ستصنفون كتنظيم إرهابي. رفض المشايخ هذه المعادلة، بشكل قاطع. بعدها، كان هناك توقّع بأن تحصل ضربة عسكرية، لكن لم يكن التوقع بأن تحصل بهذا الحجم. وضع دروز لبنان في أجواء هذا الاجتماع، وأن هناك أموراً سيئة مقبلة، وتهدف إلى تقويض الدروز. جنبلاط كان قد استبق ذلك، قبل فترة، وأرسل برقيات ورسائل إلى القيادة الروسية، طالبهم فيها بتوفير الحماية للسويداء عامة ومشايخ الكرامة خاصة، لأنه كان يتوقّع ما قد يحصل لهم، لكن ما جرى كان مخالفاً لذلك.

مَن شنّ الهجوم أو سهّله، يعرف كيف ستكون ردّة الفعل الدرزية. وهي في رفع الصرخات المؤيدة للنظام، والالتحاق به، وتعزيز حضور شخصيات معارضة لجنبلاط في لبنان، على غرار وئام وهاب، الذي سارع إلى الذهاب إلى السويداء، ورفع لواء القتال وتوفير الحماية من خلال الجيش السوري. وبالتأكيد، ستتعالى الأصوات في لبنان للعب على الوتر المذهبي، لاستقطاب أكبر قدر ممكن من الرأي العام الدرزي، لحشر جنبلاط ومحاصرته.