بعض الأسس الرئيسية لانتظام الدولة والإدارة في لبنان / بقلم كمال جنبلاط

من المحقق إن الدولة والإدارة هما بحاجة إلى اصلاحات تتناول المؤسسات والمصالح والقوانين، على أن ذلك لا يكفي، يجب لأجل انتظام الحال في لبنان ان نعمل على تحقيق الاوضاع الأساسية التالية:

1- تطهير ملاكات الإدارة من ارباب الفساد والرجعية في التفكير وانعدام الكفاءة الخلقية والمعنوية والإدارية.

2- تنقية الجو السياسي بتطهير القيادة الشعبية بمجموعها من المفسدين ومن أرباب المدرسة العتيقة في التفكير وفي النهج ومن عملاء الاجنبي.

3- توفير المثل الصالح الصادر عن أربعة أو خمسة قادة للدولة يظهرون في تفكيرهم وخاصة في تصرفهم الخاص والعام بانهم يؤثرون الاخلاص والمصلحة العامة فوق كل شيء. ونحن إذ نشدد على تطهير القيادة السياسية والاجتماعية في لبنان وعلى تجديدها على أسس من الكفاءة والأخلاق لان الشعوب كما يظهر في احدث النظريات الاجتماعية العلمية، لا تنهض ولا تزدهر إلا في وضع تتفاعل فيه قيادة صالحة وذات كفاءة من مجموع جماهير الشعب، هذا التعاكس والتفاعل بين الأقلية والأكثرية واستمرار الأمم في مجالات التفوق والحياة.

اصلاح القوانين والمؤسسات الحكومية الإدارية

1- في حقل رئاسة الجمهورية:

تضطلع رئاسة الجمهورية بمسؤولية كبيرة ولكنها غير مباشرة في حقل انتظام الدولة. فعلاوة على أن رئيس الدولة يرمز في شخصه وفي تصرفه إلى أشرف ما يمكن أن يتجلى فيه الخلق الوطني الخاص لكل امة وما ينفرد به شعب هذه الامة من صفات تميزه عن سائر الشعوب، أنه في اضطلاعه بصلاحياته الدستورية يمارس الوظائف الثلاث التالية:

1- وظيفة الحكم الذي يرتفع فوق مستوى الحزبيات الضيقة والنزعات المتنوعة والمتناقضة، لكي يختار فيما بينها أو يقومها بما يؤثره من مصلحة الوطن ولكي يمارس التوجيه لصالح أفضل العناصر واسلم النزعات.

2- وظيفة القاضي الأول الذي يراقب تنفيذ القوانين واحترام الدستور ويتطلع إلى موافقة أكمل وأمثل بين العدل والقانون.

3- وظيفة الموجه بشكل غير مباشر (لان وظيفة التوجيه المباشر تختص برئيس الوزراة وبزملائه) لآراء مجلس الوزراء ولمقرراته وللإدارة التي هو على رأسها.

وقد بلغ التعقد والتخصص في الدولة الحديثة مبلغاً يوجب فيه على رئيس الدولة أن يحيط نفسه ببعض كبار رجال الدولة والاخصائيين في كافة حقول المعرفة. وقد حرص بعض رؤساء الجمهورية في البلدان المتقدمة كالولايات المتحدة وسواها أن يحيطوا أنفسهم بمجلس استشاري من كبار الادمغة العلمية والخبرة السياسية، يعودون إليه في تقرير التوجيه العام للدولة، ويمكن لمجلس الوزراء الاستعانة بآرائهم قبل اقرار ما يرونه ضرورياً بشكل نهائي.

لذا نرى من المناسب ان يحيط نفسه، رئيس الدولة في لبنان، بمجلس صغير مؤلف من كبار الأدمغة النيرة ذوي الثقافة الشاملة وبعض كبار اساتذة الاقتصاد واخصاء الإدارة والتقنية على الا يتجاوز هذا المجلس أكثر من سبعة أو عشرة أعضاء. ويمكن تسمية هذا المجلس الاستشاري مجلس رئاسة الجمهورية.

2- في حقل اقتراح مشاريع القوانين ومناقشتها:

ان الذي  يقترح اليوم قوانين الدولة على ما يبدو، هو مكتب خاص للاستشارات القضائية في وزارة العدل أو كل وزارة وفق ما تندفع إليه. وهذا الوضع تعتريه نقائص كثيرة لا مجال لذكرها هنا ليس اقلها الاخطاء التي تتسرب إلى مشاريع القوانين. فيجب طبعاً تقوية هذا المكتب ببعض كبار المشترعين والاخصائيين بمختلف نشاطات الدولة. على ان المصلحة تقضي بانشاء مجلس آخر لاقتراح مشاريع القوانين قبل عرضه على مجلس الوزراء ومناقشتها أو القيام بهاتين الوظيفتين في آن واحد قبل عرض المشروع على المجلس النيابي وتصديقه من قبل هذا المجلس الاخير بوصفه السلطة الشعبية التمثيلية الوحيدة.

ويؤلف هذا المجلس من ممثلين من مختلف الكفاءات والهيئات المعنوية في البلاد لتمكينه مثلاً من تمثيل مختلف نشاطات الفكر والعمل الهادي في شطريه العمالي وارباب العمل وبعض ذوي الخبرة السياسية وكبار رجالات الاختصاص والثقافة والعلم.

ويمكن للمجلس الاستشاري أو لبعض لجانه ان يرسلوا مفوضين عنهم امام المجلس النيابي لشرح وجهة نظرهم في المشاريع المقترح مناقشتها وتنفيذها. وفي كل حال لا يكون من صلاحيات المجلس المذكور تصديق القوانين والمساهمة في الثقة الوزارية الاسئلة والاستجوابات والتحقيق البرلماني وابرام القوانين.

وفي حقل الاصلاح التشريعي يستحسن ان يضاف إلى اللجان البرلمانية التي يؤلفها المجلس النيابي عادة، بعض كبار المشترعين والاخصائيين بنسبة النصف أو الثلث لكي تستطيع ان تتخذ مقرراتها على ضوء المعرفة الحقيقية للموضوع المطروح على بساط البحث. ويجب أيضاً أن ينتخب المجلس النيابي في كل سنة لجنة دائمة للتحقيق وان يكون لها الصلاحيات القضائية لكي تتقبل مختلف الشكاوى المقدمة للمجلس النيابي، والتي تختص بتصرف الموظفين وأعمال الدولة. ويجب أن يشترك في هذه اللجنة بعض كبار رجال القانون.

وهنالك لجنة برلمانية يجب انشاؤها تتولى التحقيق في طريقة تحقيق الموازنة وصرفها ويسمونها في الغرب مجلس (Auditor) وتعرض هذه اللجنة نتائج تحقيقاتها على المجلس النيابي وعلى ديوان المحاسبة الذي يجب ان يتحول إلى محكمة حقيقية للشؤون المالية.

3- في حقل إصلاح الوزارة:

يجب أن يهتم الوزراء كل في دائرته في التوجيه العام لشؤون وزارته، أو بالأحرى لسياسة وزارته وانطباقها أو عدم انطباقها على البرنامج العام الذي وضعته الحكومة، وذلك دون التعرف إلى التفاصيل التي هي من شأن الإدارة، وتتعلق بالمدير أو الامين العام أو رئيس الدائرة أو المصلحة المعنية، فتتوزع المسؤولية ضروري وشرط أساسي لانتظام كل عمل.

وللوزير في الواقع مهمتان اساسيتان:

  • التوجيه العام.
  • المراقبة العامة لسير أعمال الوزارة لكي تتوفر فيها على الدوام العدالة والابتعاد عن الحزبية والتجرد والسرعة والمثابرة والإخلاص.

ونرى من المناسب ان يحيط كل وزير نفسه بوكيل وزارة واحد (sous secretaire d’etat) أو أكثر تتوفر فيه الموهبة الإدارية والمقدرة الفنية للإشراف مع الوزير وبتوجيه منه على شؤون الوزارة المعنية خاصة، وان العادة درجت ان يتسلم في لبنان كل وزير حقيبة أو حقيبتين وزاريتين أو أكثر مما يجعل عمله شاقاً، إلى حد ما… وطبعاً يجب ان يختار الوزير ذاته من هذا الصنف من الرجال الذين يتقنون ادارة ومراقبة الاعمال وتنفيذها، وان تكون له أيضاً موهبة القيادة التي تحترم روح المبادرة لكل موظف من موظفيه في مجال اختصاصه، وتعرف في آن واحد كيف تتدخل للتوجيه والمراقبة دون تعريض العمل للعرقلة أو التأخير أو الحاق الضرر باصحاب المصالح.

ونرى ان مثل هذه الروح المعنوية والكفاءة الإدارية لا يمكن أن تتوفر إلا نادراً بين أرباب المدرسة العتيقة في السياسة، ولا تتوفر أيضاً في عدد كبير من المتعلمين – فالعلم لا يعني حتماً الاخلاق والشخصية وحسن التدبير والإدارة – وذلك نظراً لانعدام أنظمة التهذيب والارشاد التي كان يجب أن تتوجه في آن واحد إلى تنمية أخلاق المواطن وابراز شخصيته وتنوير عقله… ويجدر إذن الاستعانة بقبضة من الأعوان الشباب الذين تتوفر فيهم روح التعاون والتضحية وحسن التدبير والإدارة وهم أقرب إلى العمل المنتج وإلى الإصلاح من سواهم من الرجال.

واختبارنا يدلنا على ذلك واختبار الشعوب الجديدة الناهضة في مشارق الأرض ومغاربها، وخاصة شعوب الدول التي يسمونها الديمقراطيات الشعبية التي ارشدتنا أوضاعها إلى أنها لم تتمكن من النهضة ومن تجديد معالم الحياة واعلاء الروح المعنوية بين مواطنيها إلا بفضل القادة الشباب الذين تزعموا فيها، ليس فقط الحياة الاجتماعية، بل الحياة السياسية والدولة أيضاّ.

ومهمة الحاكم الأساسية هي في أن يوجد حوله قبضة صغيرة من المعاونين يكفي أن لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة عدا، لكي يقوموا بمهام الحكم كما يتوجب ان يكون الحكم. ويؤثر عن أحد كبار القادة قوله: انه نجح في تحقيق هدفه السياسي والاجتماعي لانه نجح على حد تعبيره في إيجاد خمسة معاونين له كما كان يرجوهم أن يكونوا. كذلك هي حال جميع القادة الذين نجحوا في مهماتهم التنظيمية السياسية والاجتماعية في الحكم وخارجه.

ولا بد في لبنان من ايجاد هذه القبضة من الرجال العاملين باخلاص وكفاءة وإيمان حماسي مثابر لكي تتلقح بهم الحكومة والإدارة ويصطبغ بروحيتهم الشعور العام في البلاد.

وإذا نظرنا إلى هيئة الحكومة، وجهة جدوى الإنتاج، وحسن تقسيم المسؤوليات رأينا أن رئيس الحكومة يجب ان لا يضطلع بأية مسؤولية وزارية، وان لا يكون له أي حقيبة إلا إذا كان من ذوي الكفاءة، واراد أن يعطي مثلاً لزملائه الوزراء في حقل التنظيم والإنتاج. والا فعليه أن يحصر اهتمامه بمسؤوليته كرئيس للحكومة فحسب، أي مراقبة أعمال سائر الوزراء وبملاحقة تنفيذها وكل ما له علاقة بتحقيق البرنامج الوزاري في حينه.

وفي الواقع فان الحاجة ملحة لمثل هذه المراقبة  والملاحقة خاصة في الدول الديموقراطية الليبرالية، وقد شعر المسؤولون في الدول الشيوعية بهذه الحاجة الملحة لمراقبة وملاحقة أعمال الوزراء فأنشأوا وزارة خاصة لمثل هذا الأمر هي في الواقع، نظراً لمسؤوليتها الشاملة، اكثر من وزارة لوزير ويسمونها على ما نذكر وزارة التفتيش والمراقبة.

ويجب إعادة النظر في تسمية بعض الحقائب الوزارية وتوزيع مسؤولياتها. فوزارة الإقتصاد مثلاً يجب أن تشمل إدارة الجمارك وان تتبع مصلحة التبغ والتنباك لوزارة الزراعة… والزراعة هي أيضاً اقتصاد.

ويجدر انشاء وزارة خاصة تسمى وزارة الشؤون البلدية والقروية يلحق بها كل ما له علاقة بالبلديات وموازناتها وتصاميم القرى وانعاش المهن (Metiers) والحرف (Artisanat) والمحافظة (Folklore) على سكان القرية وعلى أوضاعهم التقليدية الخاصة الإقليمية في الفن والعادات الإجتماعية والأناشيد والألحان وسواها، ويوكل إلى هذه الوزارة شأن خطير من شؤون الدولة وهو تعبئة الشباب القروي في تعاونيات للعمل تساهم مع الدولة في تعمير مرافق للبلاد، وتعيد للمواطنين روح النشاط والتضحية – وهذه التقاليد التي كانت طوال العصور تجعل المواطن يعمل مع اخيه المواطن في وحدات تعاونية للفلاحين كانت تعرف ولا تزال بإسم “المجاملة” أي وضع الجهد بالجملة أو اقتران الجهد بالجهد (Cooperation)

ويجب تدعيم وزارة الارشاد القومي والأنباء التي طالبنا بإنشائها سنة 1959 وذلك بتوفير الرجال والموظفين الذين يستطيعون أن يوجهوها التوجيه الوطني والإجتماعي السليم. وتضطلع هذه الوزارة المستحدثة اذ ذاك بوظيفة التهذيب العام بالنسبة للجماهير وتقوية روح التضامن الاجتماعي فيما بينهم، ودفعهم إلى العمل لأجل الواجب والمثل الثورية الاجتماعية، وتنمية روح الوطنية فيهم، وتقويم ما أعوج من تصرفهم بالإرشاد والتنويه، وذلك بواسطة مختلف وسائل الإذاعة والصحافة.

ويجب أيضاً إنشاء وزارة خاصة للصناعة (1) تعنى بتنمية الصناعة بشكل تصميمي منسجم وشامل، لأن الصناعة وحدها تستطيع أن تشغل هذا العدد العامل من اللبنانيين الذي هو بدون عمل وهو في سن العمل، ويقدر الأب “لوبريه” هذا الفريق بأربعماية وخمسين ألفاً من السكان… ويجب أن تكون لهذه الوزارة ميزانية للتجهيز تمكنها من إنشاء الصناعات مباشرة التي تتملكها الدولة، وأن تساهم في إنشاء سائر الصناعات، مالياً وإدارة… اذ لا يجوز أن يكون شأن خطير كهذا الشأن تحت تأثير نزعة الربح الرأسمالي وما تتضمنه من أهواء.

وطبعاً يحتم ذلك سياسة للمصارف والتسليف وتوظيف الأموال الخاصة توجهها الدولة أو تستثمرها للصالح العام. فلا يعقل أن يكون في مصارفنا ثروة من مليارين من الودائع الوطنية والعربية ولا نفيد منها لأجل تنمية البلاد وخلق صناعة كبيرة منتجة. وهذه الصناعة وتنميتها تسهم بدورها بواسطة عمالها ومستخدميها في حل المشكلة الطائفية المستحوذة على البلاد.

(1 تم إنشاء وزارة صناعة في لبنان بعد عشر سنوات من هذا الاقتراح للمعلم).

وقد يكون من المصلحة خلق وزارة للإعمار تعتني بوضع المشاريع وتنفيذها على أساس التصميم الذي تكون وزارة التصميم قد هيأت خطته على عدة سنوات ولها صندوق مالي مستقل يرصد له المجلس النيابي المال جملة لا تفصيلاً على أن تتولى توزيع هذا المال هيئة من كبار الاخصائيين في شؤون الإقتصاد والإجتماع والتصميم، وبموافقة وزارة التصميم ذاتها. فتأتي الخطة مستقلة عن الأهواء السياسية العارضة وهم يجتمعون ويقرون التصميم الإعماري للبلاد والبرنامج المتسلسل على سنوات معينة لأجل تنفيذ هذا التصميم.

ومهمة وزير الأعمال هي في إعطاء الملاحظات العامة والتوجيه المنسجم مع سياسة الحكومة والمصالح الوطنية العليا على أن تخضع جميع صرفيات هذه الوزارة لمراقبة وتدقيق الدوائر المختصة في الجهاز الحكومي. وتضطلع هذه الوزارة بمسؤولية الإنشاء في جميع حقوله، أما وزارة الاشغال فتبقى فقط للعناية بكل ما له علاقة بأعمال الصيانة والمحافظة على مسالك المياه وعلى الطرق والأبنية وسواها من المشاريع المنجزة ولاستغلال هذه المشاريع.

4- في حقل الإصلاح الإنتخابي

1- زيادة عدد نواب المجلس النيابي إلى 121 نائباً وهذا العدد شرط أساسي لتمكين المجلس من التحرر من التعبير الأكثر شمولاً عن مختلف تيارات الشعب وذلك في سعي تجديد القيادة الشعبية.

2- يجعل الاحتكام بصحة الانتخابات أو عدمها يعود للقضاء لا للمجلس النيابي وذلك بإجراء تعديل المادة المختصة من الدستور.

3- تحديد نفقات الدعاية الإنتخابية لكل مرشح بمبلغ معين لا يجوز أن يتعداه والا تعرض المرشح لإلغاء نيابته.

4- يمنع نقل الناخبين إلى مراكز الاقتراع من قبل المرشحين، وبإنشاء الدساكر اقتراع في المدن الكبرى وسواها من المراكز التي يكثر فيها عدد الناخبين الذين ينتمون إلى مناطق أخرى.

5- بإنشاء الغرفة السرية والبطاقة الإنتخابية.

6- تقسيم المناطق الإنتخابية على أسس جغرافية طبيعية صحيحة.

 

5- في حقل إصلاح قوانين الحقوق الشخصية

يتناول في هذا الإصلاح:

1- وضع تشريع يمنع بموجبه توقيف المتهم لأجل التحقيق أكثر من مدة معينة يحددها القانون.

2- وضع تشريع يحق بوجبه التعويض لكل متهم أوقف ولم يثبت التحقيق أو القضاء التهمة المنسوبة إليه.

3- وضع تشريع يجبر بموجبه الوزير أو الموظف المختص على تنفيذ قرارات مجلس الشورى أو الموظف الذي يستنكف عن تنفيذ أحكام القضاء – طبعاً إذا كان قضاة مجلس الشورى يؤلفون هذه الهيئة الجديرة بإصدار الأحكام.

4- وضع تشريع جديد للأحزاب السياسية وللصحافة.

5- وضع تشريع جديد للتظاهر السلمي والاجتماعات العامة، مثلاً يمنع تأسيس أي حزب لا يحوى على نسبة معينة من مختلف الطوائف.

6- إلغاء القوانين الزجرية التي كان وضعها المفوض السامي في حقل الحريات الشخصية.

 

الإصلاح القضائي

1- وقف الحصانة لمدة معينة لتمكين المسؤولين من تطهير القضاء.

2- إنشاء محكمة عليا تتولى:

أ- الإشراف على القضاء.

ب- أمر البت في الطعون الإنتخابية.

ج- النظر في دستورية القوانين والمراسيم.

د- محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء.

3- تشديد الرقابة على القضاة لغاية دفعهم إلى الإسراع في البت في الدعاوى المعروضة عليهم وان أمكن تحويل القاضي إلى مجلس التأديب بتهمة التحيز إذا استغرق أمر النظر في الدعوى مدة غير طبيعية وإعطاء المتقاضي حق الشكوى والإدعاء لهذا السبب.

4- اعادة المحاكم البدائية إلى المناطق تحقيقاً لمبدأ اللامركزية في القضاء وإعادة النظر في مبدأ الحاكم المنفرد.

5- إعادة النظر في المهل القضائية بغية التعجيل في أمر البت في الدعاوى (لا مهل طويلة للمراجعات والالتجاءات).

6- تخفيض نفقات الرسوم القضائية إلى الربع أو الثلث مما هي عليه وهذه الرسوم هي الآن فادحة تجعل رابح الدعوى يدفع نصف الملك أو المال المتنازع عليه بدل رسوم ونفقات متنوعة.

7- إنشاء تفتيش دائم للقضاء يتناول:

أ- سلوك القاضي.

ب- مواظبته على العمل.

ج- مقدرته الحقوقية، وتمكين هذا التفتيش من معاقبة القضاة وتحويلهم للتأديب مباشرة.

8- أماكن ترقية القاضي دون الاعتداد بدرجة المحكمة التي يتولى فيها القضاء (يمكن القاضي البدائي أن يرقى إلى درجة رئيس استئناف مع بقائه في منصبه البدائي).

9- جعل القاضي مسؤولاً عن خطأه القانوني الجسيم المعتبر قرينة على سوء القصد.

10- إنشاء سلطة قضائية عليا لتوحيد الاجتهاد (محكمة تمييز تجتمع بهيئتها العامة)..

11- تعيين حقوق وواجبات القاضي ومقتضيات تصرفه الخاصة بشرعة شرف (كمثل امتناع القاضي عن ارتياد المقاهي العامة والأندية الليلية وجميع الأماكن المشبوهة أو التي لا تليق بحضور القاضي، وامتناع القاضي في حياته الخاصة عن كل عمل لا تتضمنه الرصانة والمحافظة على المركز المعنوي الذي يتولاه)، أو كمثل عدم رضوخ القاضي للإستدانة مما يؤثر على وضعه ومعنوياته، أو تردد القاضي على الوزراء والنواب وسواهم من الزعماء والسياسيين بشكل يبدو منه التزلف ورغبة الارضاء إلخ…

وفي هذا الباب يجب الاستعانة بواجبات السلوك الشرفي الذي يوجبها القضاء البريطاني على أعضائه.

12- رفع مستوى القاضي المادي وجعله قادراً على أن يعيش العيش الذي يتلاءم مع وضعه المعنوي.

13- إدخال الآليات الحديثة إلى قصر العدل والتحسينات التقنية التي تمكن من التسجيل والنقل وتنظيم الاضبارات بشكل سريع وسواها من التحسينات التي تسرع في سير الدعاوى وتخفف من الارهاق المادي على القضاة ومعاونيهم.

14- عدم تعيين أي مرشح للقضاء بعد فوزه في الامتحانات العلمية المطلوبة إلا بعد القيام بتحقيق واسع يشمل تصرفه في الحقل العام ويثبت كفاءته الخلقية لمثل هذا المركز. ولا يثبت القاضي في وظيفته إلا بعد أن يتمرس مدة ثلاث سنوات في القضاء كمعاون متمرن لقاضي أصيل، وبعد التحقق من كفاءته وسلوكه وخلقه في فترة التمرين هذه، ومن المستحب أن يؤخذ بعض القضاة من عائلات تمرس أسلافهم بالقضاء لكي تنشأ تقاليد إجتماعية يتوارثها الخلف عن السلف في حسن التصرف والاعتزاز بتطبيق موجبات الضمير والعدالة.

15- تعديل بعض القوانين المتعلقة بسير الدعاوى بحيث لا تكون هنالك معارك قضائية يستغل فيها القانون ويصبح القاضي يدير المحاكمة وينبه إلى الطرق التي تثبت الحق ولا يكون فقط شاهداً سلبياً لما يجري من مرافعات ومعاملات، ولا تكون هنالك قواعد شكلية تطغى على الحق، فالقانون اداة للعدل كما انه يجب إنشاء تشريع لمعاقبة من يسئ استعمال حق التداعي.

16- تمكين القاضي من أن يلعب دور المصالح في جميع مراحل الدعوى ومطالبته على الدوام أن يكون المقرب بين وجهات النظر المختلفة، وذلك بغية التخفيف ما أمكن من أثار الخصام والضغينة التي قد تنجم عن الأحكام القضائية بين المتقاضين، وهذا يشكل تدعيما لروح التضامن الإجتماعي بين أفراد الشعب الواحد.

17- تأمين السرعة في التنفيذ:

أ- دوائر الاجراء تنفذ التعهدات الخطية دون حكم مع قيود معينة.

ب- لا اعتراض على قرارات التنفيذ.

الاصلاح الإداري:

في حقل التطهير:

1- اعتبار جميع مراسيم التعيين والترقية والصرف التي حصلت منذ أول سنة 1958 حتى نهاية ولاية شمعون لاغية، واعتبار هذه التعيينات والترقيات من جديد على ضوء الأهلية والجدارة. لان احدى مصادر تخريب الإدارة يكمن في هذه التدابير والترقيات الشمعونية.

2- إعادة النظر بشكل تدريجي بالتعيينات والترقيات التي حصلت ابان عهد شمعون والتي تميزت كثرتها الغالبة بالمحسوبية والتحزب والارضاء، رغم انعدام الكفاءة أو الاتصال المشبوه ببعض الدوائر الاجنبية. ويجب أن يتناول هذا التطهير كافة أجهزة الدولة بدون شفقة ولا رحمة لكي يعاد للإدارة حرمتها واحترامها، وبشكل خاص يجب أن تتناول تدابير التطهير صفوف مدراء الدولة والمفتشين ورؤساء الدوائر في المدن وفي المحافظات وضباط الدرك وصف الضباط ومفوضي الشرطة والمعاونين والأمن العام وموظفي البلديات وسواهم من موظفي ملاكات الدولة الخاصة والعامة، وكذلك هيئات المستشارين في المحافظات والهيئات البلدية المعينة وملاكات المياومين في الدولة وفي البلديات.

3- إنشاء لجنة عليا للتطهير مؤلفة من ثلاثة أعضاء، تعين بدورها لجانا فرعية لتحقيق هذا التطهير باستعانتها بكافة المعلومات الخاصة والعامة وبإنشاء مكتب للاستعلامات والاستخبار عن تصرف الموظف في الحقل الخاص والعام، وتقبل المعلومات كافة عند الضرورة لتبريره أو إدانته.

4- التحقيق في ثروة الموظفين، وفصل كل موظف في الخدمة اثرى اثراء غير مشروع إبان قيامه وبوظيفته. ولسرعة انجاز التطهير يمكن اعتماد القاعدة التالية:

ان يفصل كل موظف زادت ثروته بنسبة معينة عن تعويضه او راتبه، على أن للموظف الحق في مقاضاة الدولة امام محكمة الاثراء غير المشروع لتبرير نفسه…

5- يعين أعضاء محكمة الأثراء غير المشروع من شخصيات قضائية مجردة عن كل غاية وصارمة في أحكامها لا تقبل الشفاعات ولا الوساطات.

في حقل التنظيم والإصلاح الإيجابي:

إنشاء مجلس للخدمة المدنية (أي لموظفي الدولة) يتولى أمور التعيين والترقية والصرف من الخدمة على غرار ما هو حاصل في بريطانيا وفي الهند وفي السودان. حيث مكن هذا النظام من القضاء على المحسوبية وعلى الارضاء في التعيين وعلى الحزبية وسواها من النقائص التي تشوب جهازنا الإداري. وهذا المجلس للخدمة المدنية هو مستقل في تكوينه وفي سير أعماله عن السلطة السياسية أية كانت ومستقل عن أي نفوذ، ولكنه يجدر أن يكون لأعضاء هذا المجلس ضمانات وحصانات تشبه تماماً حصانة القضاة، فلا يعزلون ولا ينقلون إلا الاخطاء جسيمة تثبتها بحقهم المحاكم النظامية أو الإدارية.

ومن المفروض ان يسهر هذا المجلس خاصة على تكوين اضبارات كاملة لكل موظف تشمل نواحي حياته وخاصة تشير إلى كفاءته وإنتاجه. وكذلك يعني مجلس الخدمة المدنية بإجراء المسابقات لجميع وظائف الدولة لاجل التعيين أو الترقية، ويعلن النتائج، ولا يجوز لمجلس الوزراء أن يتعدى صلاحياته بعدم تعيين أو ترقية الذين نجحوا في المسابقات، والا تمكن هؤلاء من مقاضاة الحكومة أمام مجلس الشورى وفرضوا بذلك تعيينهم على الحكومة فرضاً. ويكون لهذا المجلس طبعاً فروع ثانوية تعنى بمختلف الإدارات الحكومية وبموظفيها تسجل على الدوام الملاحظات والمعلومات التي ترد بشأنهم.

ويمكن الاستناد إلى معلومات مجلس الخدمة وهيئة التفتيش في اجراء التطهير الإداري المشار إليه.

2- تخويل التفتيش القضائي صلاحيات واسعة لأجل القيام بمهمته.

3- التبسيط في الإدارة، ونعني بالتبسيط تجنب التعقيد في المعاملات الناجمة عن كثرة التواقيع التي تتطلبها المعاملة. فلا يجوز في حال من الأحوال ان تتجاوز هذه التواقيع للمعاملة الواحدة على الثلاثة أو الخمسة. ويجدر أن يكلف بعض الاخصائيين في شؤون الإدارة بأن يقوموا بدرس أجهزة الإدارة جهازاً جهازاً وأن ينصحوا بالتحسينات التي يجب ادخالها لمنع تأخر المعاملات والاستغناء ما امكن عن قسم من التواقيع التي تتطلبها اليوم المعاملات.

ونعني بالتبسيط أيضاً تنظيم الإدارة على أساس غير بيروقراطي وعلى أساس سهل لا يمكن فيه للموظف ان يتلاعب في أمر القيام بوظيفته. ونرى من المناسب ان تقتبس الإدارة العامة بعض التنظيمات التي تحققت في عالم الأعمال الخاصة.

ونورد على ذلك مثل المصارف، فإنه في الواقع يمكن تنظيم أكثر مصالح الدولة على نمط ما هي عليه المصارف من قاعات واسعة مكشوفة يحيط بها جدار خشبي أو حديدي ويقوم كل موظف ضمن الإطار مما توجبه عليه وظيفته وهو جالس على طاولته بينما يتوجه المراقب من طاولة إلى طاولة لكي يراقب سير المعاملات ويحول دون تأخيرها ويشرف مباشرة على الموظفين.

ويكون صاحب المصلحة قائماً ينتظر دوره في تقبل المعاملات أو اعادتها إليه بواسطة اعداد حديدية يعطي لكل موظف رقماً محفوراً منها على معدن أو على خشب.

ويستطيع المراقب بمراقبته هذه المباشرة أن يدرك نقاط الضعف والتعقيد في جهاز الإدارة وان يقترح إصلاحها.

تحقيق اللامركزية في الإدارة على أوسع نطاق ممكن اقتباساً وامتداداً لبعض أنظمة جبل لبنان القديم وأنظمة البلدان الإشتراكية، وقد يكون من المستحسن إنشاء مجالس إدارة في المناطق يقوم بانتخابها أرباب الهيئات البلدية، ويكون من صلاحية هذه المجالس الإدارية القيام بأعمال عمرانية في المنطقة تغذيها ميزانية خاصة ناجمة عن رسوم بلدية وإقليمية معينة، كما وان هنالك خدمات زراعية وصحية وسواها تستطيع أن تؤمنها هذه المجالس الإدارية بشكل أفضل مما تستطيعه السلطة المركزية. ويكون لكل منطقة إدارية حاكم إداري ذو صلاحيات واسعة جدا تعينه الحكومة من بين ثلاثة أو خمسة أسماء تتقدم بها للحكومة للهيئات الإدارية في الإقليم ذاته. وتنفذ مجالس الإدارة مشاريعها بواسطة أجهزة المديريات الإقليمية للأشغال وسواها التي تكون قد نظمت لمثل هذا العمل.

وتقسم الطرقات إلى فئات ثلاث:

1- الطرقات الإقليمية التي يعنى باصلاحها مجلس الإدارة ثم 2 و 3 الطرقات الأساسية والدولية التي تعنى بها السلطة المركزية.

4- ويكون من حق الإدارة تقرير بعض الرسوم من اجل تغذية ميزانية الاقاليم أو يكون لها الحق بتوزيع ورصد بعض مخصصات الموازنة العامة للأشغال في هذا السبيل. ويكون للحاكم الإداري راتب ومركز كبير في الدولة هما كراتب ومركز المدير أو وكيل الوزارة كما هي الحال تماماً في بعض البلدان. ولا يختار لهذه المراكز إلا الذين توفرت فيهم الكفاءة والشخصية والقدرة على العمل. ويمكن هذا تخفيف أجهزة الدولة المركزية وتحويلها إلى المناطق كلا أو فرعاً.

5- توسيع صلاحيات كبار الموظفين ورؤساء الدوائر إلى أوسع حد ممكن، فانتظام العمل الإداري لا يتم إلا بتوسيع الصلاحيات مع تنمية التفتيش ودوام المراقبة الفعالة.

6- استخدام ذوي الاختصاص والأهلية والإستعانة بالخبراء من وطنيين وأجانب لاجل تأمين تنظيم الإدارة وإنتظام تسهيل أعمالها كما وأنه من المستحسن الإستعانة ببعض الذين نجحوا في أعمالهم الخاصة في التنظيم وفي الإدارة.

ان إنتظام الإدارة أسهل ما يمكن تحقيقه إذا توفر انتقاء الرجال المخلصين القادرين وإذا توفرت القوانين والأنظمة التي أشرنا إليها.

 

*المصدر: كمال جنبلاط، “من أجل المستقبل” الدار التقدمية، آذار 1987، ص: 30-45.