ترامب خذل الولايات المتحدة

مارك لندلر (الحياة)

درج الرئيس ترامب على تحدي معايير السلوك الرئاسية، ولكنه في لقائه بالرئيس الروسي في هلسنكي، فنلندا، أقدم على ما لم يسبقه إليه أي من أسلافه: صدع بتفسير زعيم أجنبي معاد حول نتائج تحقيقات وكالاته الإستخباراتية. ودان ترامب تحقيق وزارة العدل الأميركية في علاقات حملته الرئاسية بروسية، ووصفها «بالكارثة». وأوحى بأن وكالة الـ «أف بي آي» أساءت التحقيق في القرصنة الروسية للجنة الوطنية الديموقراطية (لجنة الحزب الديموقراطي)، واعتبر أن عميل الوكالة الذي قدم شهادته أمام الكونغرس هو «عار على بلدنا». وتصريحاته هذه أرست في السياسة الخارجية ما يوازي تصريحاته في حوادث شارلوتسفيل في الداخل الأميركي. فحينها أطاح إرث الرئاسة الأميركية في الحياد، وساوى بين المتطرفين البيض من حملة المشاعل بالمتظاهرين العزل الذين تصدوا لهم في فيرجينا الصيف الماضي. وفي هلسنكي، أطاح الأعراف الرئاسية الخارجية كلها. فعوض الدفاع عن بلاده في وجه من يهددها، هاجم مواطنيه ومؤسساته. وعوض تحدي بوتين، وهو خصم والبينات بائنة على عدوانه، أشاد به من غير تحفظ. وتصريحاته لا تخدم أهداف السياسة الأميركية، وتخالف سياسات إدارته، وغير مفهومة. وهذا حمل بعضهم على سؤال لطالما أرخى بظلاله على ترامب: «هل روسيا تملك ما يدينه؟».

وسعى الرئيس إلى الدفاع عن فوزه في انتخابات 2016 مهما كان الثمن. ولكنه في سبيل الدفاع عن الفوز هذا طعن فيما خلصت إليه وكالات الإستخبارات الأميركية، ومفاده أن روسيا تدخلت في الحملة. ولا شك في أن الأميركيين اعتادوا لأزمة إتهام هيلاري كلينتون والأجهزة الأميركية في تغريدات الرئيس الصباحية. ولكن أن يكرر مثل هذه الإتهامات وهو يقف إلى جانب رئيس بلد متهم بهجمات على أميركا، هو أمر لا نظير له. وأعلن السناتور الجمهوري، جون ماكين:» لم يسبق أن ذل رئيس (أميركي) نفسه أمام مستبد».

وقبيل القمة، دافع جون بولتون، مستشار الرئيس للأمن القومي، عن اللقاء ببوتين، وأشار إلى سابقة لقاء الرئيس فرانكلن روزفلت بستالين، المستبد السوفياتي في نهاية الحرب العالمية الثانية، في إشارة إلى مؤتمر يالطا في شباط (فبراير) 1945. ولكن المؤرخين يرون أن المقارنة بسابقة يالطا تبرز إخفاق ترامب في هلنسكي، وتسلط الضوء على هول فشله. فـ «روزفلت كان أمام واقع قاس عند الخروج من الحرب العالمية الثانية، في وقت أننا لا نعرف لماذا بدا ترامب العوبة في يد بوتين (في جيبه)»، يقول المؤرخ روبرت دالك. وفي وقت أهال الرئيس النقد على خصومه المحليين، لم ينبس ببنت شفة عن ضم روسيا القرم إلى أراضيها، وشراستها في أوكرانيا ودمويتها في سورية أو عن تسميم جاسوس روسي سابق على الأراضي البريطانية. وبدا أن بوتين يحاول تخفيف وقع ما يقوله ترامب وأنه أدرك مدى ضررها به في بلاده. فحين سئل ترامب إذا اعترض على ضم روسيا القرم في 2014، سارع بوتين إلى الجواب بالإيجاب، بينما كان الرئيس الأميركي صامتاً إلى جنبه. وحين سأله مراسل عما يحمله على تصديق نفي بوتين لتدخل بلاده، جاوب الرئيس الروسي عوض نظيره الأميركي: «من أين تأتيك فكرة أن الرئيس ترامب يثق بي أو أنني أثق به…؟». ولكن بوتين في جواب سؤال عما إذا كان يملك ما يسيء إلى ترامب، لم يطمئن نظيره. وقال إنه سمع الشائعات عن زيارة ترامب قبل تسلمه الرئاسة حين كان رجل أعمال فحسب. ورد على سؤال المراسل بسؤال: هل تحسب أننا نجمع معلومات مسيئة عن كل واحد منهم (مئات رجال الأعمال الأميركيين)؟».

* مراسل، معلق، عن نيويورك تايمز» الأميركية