الجمهورية الباسيليّة: مدرسة في القمع

عبدالله ملاعب

أنباء الشباب

سألت عن متلازمة شتم كل من يعبّر عن رأيه المناهض للدولة في هذا العهد، ولكنني لم أجد جواباً. بحثت عن تحاليل للإنفصام السياسي بين أقوال جوقة العهد وأفعالها، ولكنني أيضاً لم أجد تفسيراً. إنتظرت حادثة واحدة تظهر لنا ديمقراطية الجمهورية الباسيلية ولازلت حتى هذه الساعة أجلس على قارعة الرصيف بإنتظار قطار الديمقراطية والإصلاح لعله إن وصل يخفف من وطأة حبّات القمع التي تقطر من دمِ كل حرٍّ في عهدٍ قوته على الشعب، يستمدها عبر قمع وتخوين كل من يعارض الفساد وينتفض في وجه الضجيج القائم. لست أكتب، لمواجهة الدولة أو بالاحرى محاربتها لإضعافها. فما من مواطن يستلذّ بإنعكاس فشل دولته. ولكنّ التعثر في الجمهورية الباسيليّة بات لا يطاق ولا بدّ للحبر أن ينتفض خاصة وإن كان كحالتي هنا، متذرع بأدلة وبراهين.

كعادتها، تصدر منظمة العفو الدولية (Amnesty International) تقارير أسبوعية موثوقة تحاكي فيها واقع حقوق الإنسان في دول العالم أجمعين. وبطبيعة الحال، إن لعالمنا العربي حصّة الأسد من هذه التقارير التي تجول أمتنا من المحيط إلى الخليج وتمرّ حيناً مرور الكرام فوق لبنان الديمقراطي كما كنّا نقول، لبنان الحريات كما ظنناه، لبنان الآراء والتعابير الحرة كما كان مؤخراً، قبل الهبوط في مستنقع الجمهورية البوليسيّة! 
نعم، إن الديمقراطية اليوم تصارع لإنتشال نفسها من مستنقع الكبت والقمع. إن لبنان يشهد حقبة زمانية قمعية تكاد تتفوق على حقبة الوصاية السورية بكل ما حملت هذه الأخيرة من إذلال للنفس وطمس للكرامات. ففي أحدث تقارير منظمة العفو الدولية، أظهرت تلك الحركة العالمية الهادفة لوضع حدّ لإنتهاكات الإنسان، إبتزاز أجهزة الدولة اللبنانية لناشطي حقوق الإنسان عبر استدعائهم للتحقيق، وإجبارهم على توقيع تعهدات غير منصوص عليها بأيةٍ مادةٍ قانونية، ولكن مرادها إجبار الناشطين على الامتناع من القيام بأفعال معينة أو التعرض لشخصية سياسية معينة وإلا لا يفرج عنهم! هذه التعهدات بمثابة إجراء تأديبي يهدف لحماية العهد من الرأي العام. ولكنّ هذا الإجراء غير القانوني قائم على مبدأ إبتزاز الناشطين الذين ما كان ينبغي أن يتم إعتقالهم في المقام الأول!

الأمر لا يتوقف هنا، فقد أشار بعض الناشطين الذين تم إعتقالهم، أنهم لم يستطعوا الإتصال بمحام بل قابلتهم المؤسسات الأمنية والعسكرية بمعاملة مهينة تضمنت أعمال تعذيب. فعلى سبيل المثال، في حزيران المنصرم، إستدعت المخابرات العسكرية الطفل يوسف عبدالله الذي يبلغ من العمر ال15 عاماً ووالده، وذلك بعد أن كان قدّ وضع على خدمة “الواتساب”، صورة للرئيس عون ونصّ يتعرض فيه للرئيس والتيار الوطني الحرّ. إذاً، بات العهد اليوم بشقه العسكري والأمني، يراقب الهواتف الخاصة لشعب طالب ذات يوم بمحاربة الفساد ليصبح اليوم بنظر العهد، الفساد بحد ذاته، الخطر بأم عينه، والتهديد الوحيد للسلم الأهلي والأمن القومي.

معيبٌ جدَّا ما آلت إليه الأمور ببلد الحريات الذي تحول اليوم الى بلد القمع، تديره مجموعة خاصة لتلتهم كل ما فيه من مؤسسات وخيرات. تستوقفني مستويات الحرية: في بلد بلغ فيه عدد العاطلين عن العمل 660.000 ، في عاصمة كنّا نعتبرها ست الدنيا لتصبح اليوم ست التلوث، فنسبة تلوث البحر فيها تقارب ال100%. يؤسفني الشلل السياسي ولإقتصادي الذي كنّا لنزيله عن أكتاف العهد لو تجرأ ولو لمرة واحدة بتحمل تبيعات ملف من تلك الملفات الشائكة. فتارةً نلام على تضخيم حجم الجمهورية الباسيلية، وطوراً نفاجئ بتجميد دراسة الصيغ الحكومية المقدّمة، بإنتظار نهائي كأس العالم الذي شاء القدر أن يحضره جبران باسيل ليشجع فرنسا، وما أدراكم من هي فرنسا!

عموماً، صدق وليد جنبلاط عند إنتخابه (Zorba the Greek) في ذاك اليوم التشريني من عام 2016.

(أنباء الشباب، الأنباء)