معطيات جديدة تفرض نفسها لبنانيا… وحزب الله الصامت الاكبر

في خضّم الاشتباكات السياسية والمعارك على تحديد الأحجام بين القوى السياسية، يبدو حزب الله الصامت الأكبر بشأن عملية تشكيل الحكومة. تقود بعض الإشارات إلى أن هناك أدواراً انقلبت. سابقاً، كان حزب الله هو المتهم في عرقلة البلد وعجلة مؤسساته، نظراً إلى رفعه سقوف مطالبه وفرضه الشروط، اليوم هناك من يتحدث عن تواضع حزب الله ومطالبه. وهذا يظهر تغيّراً في الأولويات بالنسبة إلى الحزب.

هي المرة الأولى التي يتعاطى فيها حزب الله مع الشأن السياسي بدون تظهير قوته. على عكس كل القوى السياسية الأخرى التي تريد الاستثمار في أحجامها لتعزيز المكاسب. على المستوى الشعبي، خرج حزب الله بأنه صاحب أكبر تمثيل، ونوابه حصلوا على أعلى النسب من الأصوات. تقدّم حزب الله على نواب حركة أمل في المناطق كلها. والمسألة الثانية بشأن حلفائهم وأدوارهم في المرحلة المقبلة. وما قاله قاسم سليماني عن انتصار محور إيران وحزب الله في الانتخابات اللبنانية لم يأت من فراغ، علماً أن حزب الله لم يوافق عليه، ويؤكد أنه يريد تخطيه.

منذ انتهت الانتخابات اتخذ حزب الله قراراً لتخفيف حجم النتائج وقوته الشعبية، وذلك لعدم إخافة أي طرف آخر، سواء أكان خارجياً أو داخلياً. يريد الحزب مواجهة مقولة ليستلم البلد فنرى ما سيحصل. ويعتبر الحزب أن هذه اللحظة غير مؤاتية وستكون عبارة عن فخ منصوب له. لذلك يتمسك بالحريري لرئاسة الحكومة، ولمواجهة كل ما يحاك من مكائد، لأن الحريري قادر على مواجهة التحديات الداخلية.

الوضع في سوريا يسير بالاتجاه الذي كان الحزب يطالب به دوماً، ووضع النظام أقوى. واما سيطرة الجيش السوري على معبر نصيب، يخدم خيار التنسيق مع النظام الذي ترفضه شريحة واسعة من القوى السياسية، من البوابة الاقتصادية والتصدير الخارجي البري، الذي ينتظر لبنان تعزيزه في المرحلة المقبلة. وهذا عنوان تنسيقي أساسي سيفرض نفسه على العلاقات اللبنانية السورية، والصادرات اللبنانية ستتركز عن طريق الأردن في اتجاه خليج العقبة وصولاً إلى مصر. هذه معطيات كلها ستفرض نفسها على الواقع اللبناني، قبل الوصول إلى ملف إعادة الإعمار في سوريا.

أما في ما يخص ملف اللاجئين السوريين، فترتيبات العودة تجري من خلال التنسيق مع النظام السوري، ويعمل حزب الله على حلّ مشكلات بعض اللاجئين الذين عليهم علامات استفهام من قبل النظام. كل هذا يريد حزب الله تمريره بشيء من التواضع، لأن مصلحته تقتضي تسيير شؤون البلد، وعدم العرقلة، نظراً لما يستشرفه. لذلك، كانت مطالبة حزب الله خافتة نسبياً لجهة حصته وحصة حركة أمل، على الرغم من تمسكه بتمثيل السنة من خارج تيار المستقبل. وبذلك يكون الحزب قد حصل على ثلث معطّل في الحكومة. وبذلك يكون الحزب قد حصّن نفسه شرعياً ورسمياً بمواجهة أي ضغوط خارجية.
ربيع سرجون – الانباء