شرطيات الشورت يثِرْنَ الجدل… لا للتنميط!

لم تكن “شرطيّات الشورت” اللواتي ارتأت بلدية برمانا افتتاح موسم الإصطياف في البلدة بهنّ ، لتثرْنَ هذا الكم الهائل من الجدل والأخذ والرد ربما ، لو أن بعض المعترضين لم تعلق عيونهنّ عند شورتاتهنّ القصيرة، أو لو أن رئيس البلدية بيار الأشقر لم يبرّر للمعترضين من باب رفض تسليع المرأة بكلامٍ إن دلّ على شيء، فعلى العقلية اللبنانية المريضة المصرّة على حصر المرأة بقالب نمطي يكاد الخروج منه يبدو شبه مستحيل!

ليست بلدية برمانا الوحيدة او الأولى التي ضمّت تاء التأنيث إلى طاقمها الأمني بل سبقتها إلى ذلك بلديات عدّة أثبتت الشرطيات فيها كفاءتهنّ وجدارتهن في حفظ الأمن والسهر على تطبيق القوانين بنسبة تفوق التزام الرجال بها في بعض الأحيان. وهي مبادرة قيّمة ومشكورة لمساهمتها بالفعل بكسر الصورة النمطية للنساء في ميدان العمل، والتأكيد على أنهن قادرات على امتهان الأعمال الأمنية والعسكرية أسوةً بالرجال.

ولا شكّ بأن بلدة كبرمانا، قلب جبل لبنان النابض بالسياحة والإصطياف، بحاجة لعديد شرطي كبير لمواكبة نشاطها الذي لا يهدأ. ولا شكّ بأن وجود عنصر نسائي في الشرطة من شأنه أن يجذب السياح من باب السهر على راحة النساء الخليجيات منهنّ مثلاً، ممّن قد يجدن في التعامل مع شرطية امرأة طمأنينة مضافة، ناهيك عن الإطلالة الحضارية ومستوى الإنفتاح والتحرّر الذي يعكسه كسر الصورة النمطية للمرأة، ليس بتعمّد إلباسها الشورت لعرض “سيقانها” في بازار التسويق السياحي لا، بل من باب مساواتها بالرجل في كافة ميادين العمل والحياة!

هنا أتى ردّ رئيس البلدية على المعترضين فاقعاً فـ “كسرها بدل ما يجبرها” عندما قال في تصريح صحفي أن تعيين الشرطيات وتخصيصهنّ بلباس قصير خلافاً للباس الرسمي المعتمد للشرطيين الرجال أتى “لإحداث صدمة ولفت النظر الى بلدة سياحية، وإيصال رسالة وصورة جميلة عن لبنان المنفتح والجاذب للسياح والسهر وحب الحياة وليس بلد الموت”.

في هذا السياق، أكّدت رئيسة “الإتحاد النسائي التقدمي” منال سعيد لـ “الأنباء” أن “كسر الصورة النمطية للمرأة يتمّ بالمساواة التامة بينها وبين الرجال في أماكن العمل وليس بالشورت الذي يكرّس الصورة النمطية بحقّها في مجتمع ذكوري ما زال غير جاهزٍ لتلقي مظاهر الإنفتاح بغير إيحاءات جنسية مريضة”، وأكّدت أن “هذا اللباس يعرّض سلامة الشرطيات للخطر خصوصاً أنهن يعملن في أوقات غير آمنة وقد لا يكنّ مدرّبات للدفاع عن أنفسهنّ من التحرش اللفظي والجسدي على سبيل المثال”، مستغربةً الإصرار على استعمال جسد المرأة للتسويق السياحي بعد أن أصبح استعمال جسدها سلعة ترويجية في كافة المجالات الدعائية في وسائل الإعلام”.

وإذ دعت سعيد إلى “التمييز الإيجابي بين الإنفتاح والتحرر من جهة وانتهاك حرمة النساء وأجسادهنّ وتسليعهنّ من جهة ثانية”، استنكرت “السمعة السيئة التي تكرّست بحق المرأة اللبنانية في الخارج، بفعل تسليعها المتواصل في الإعلام”، متمنّيةً أن تكون بلدية برمانا قد مارست انفتاحها وسلوكها الحضاري في تكريس المساواة بين الرجال والنساء في كافة مجالات العمل البلدي وليس فقط في الوظائف ذات الطابع الترويجي حيث يتم توظيف المرأة وجسدها لغايات الجذب والإغراء”!

في المقابل، قد يرى المطالبون بالمساواة بين المرأة والرجل في مبادرة بلدية برمانا خطوة على طريقها، وقد يبدو الشورت القصير بالنسبة للبعض تفصيلاً غير مهم في مهمّة أمنية تقتحمها النساء، فيما قد يرى فيه البعض الآخر تفلّتاً وانحرافاً نحو سياحة قائمة على التعرّي والإغراء والجنس، وهو وجه لبنان السياحي حتى الآن بفعل حملات الترويج السياحي التي تصرّ على زجّ جسد المرأة ومفاتنها في كل إعلان وملصق.

وأبعد من ذلك بكثير، هو الإختلاف العميق لبنانياً بين ثقافتيْ الحياة والموت، ونهجيْ الإنفتاح والمحافظة أو التزمّت. وهو جسد الأنثى المتهالك بين حدّيْ المقصلة!

(*) غنوة غازي – الأنباء