هل ينجح تحالف الصدر – العامري بلم الشمل العراقي؟

شكل إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عن تحالفه مع رئيس (تحالف الفتح) هادي العامري الذي يضم فصائل الحشد الشعبي المدعوم من إيران، مفاجئة سياسية مدوية قد تقلب موازين القوى وتعيد خلط الأوراق للتحالفات التي تسعى القوى المختلفة على نسجها لنيل أكثرية (156 نائب) والتي على أساسها تتوزع مغانم السلطة في العراق وفق الدستور الذي يمنح الأفضلية للتكتل الفائز بأكبر عدد من المقاعد النيابية تشكيل تحالف الغالبية لتولي الحكومة والتأثير في عملية انتخاب رئيس الجمهورية ونوابه إضافة الى انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي.

وقال الصدر في مؤتمر صحفي مشترك مع العامري، إن “تحالف الفتح مع سائرون في الفضاء الوطني يحافظ على التحالف الثلاثي بين سائرون والحكمة والوطنية” (تحالف سائرون والحكمة والوطنية، هو تحالف – أبوي – بين الصدر وعمار الحكيم وأياد علاوي)، أضاف أنه تم”تشكيل تحالف بين (سائرون) مع (الفتح) لتشكيل الكتلة الأكبر”.

وإذ لم يتضح بعد برنامج وأهداف التحالف الجديد، إلاّ أن أوساطا سياسية عراقية ترجح أنه جاء نتيجة “ضغط إيراني”، إثر الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى بغداد قائد (فيلق القدس) اللواء قاسم سليماني الذي “جمع أقصى النقيضين الشيعيين”، بعد أن فشل في توحيد ولم شمل حزب الدعوى، حيث لا تزال الخلافات عميقة بين رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، ورئيس حزب الدعوة نوري المالكي الحليف الأول والأساسي لإيران في العراق.

إلا أن المفاجأة التي أطلقها الصدر والعامري بإعلان تحالفهما الجديد من مقر الأول في مدينة النجف، قد يشكل تعويضا لإيران التي تلقت صفعة قوية في الانتخابات الأخيرة بفوز لائحة الصدر وتراجع لوائح حلفائها، فأن العديد من المراقبين يرجحون أن “طهران تدرك بأنها لم تعد تملك كل مفاتيح اختيار رئيس الوزراء المقبل الذي لا تزال تسميته معلقة بانتظار انتهاء الجدل بشأن مصير نتائج الانتخابات المؤجل حتى الآن بعهدة القضاء”.

ولا يزال الغموض يسيطر على مصير النتائج النهائية للانتخابات، خصوصاً بعد التعديل الذي أجراه مجلس النواب الحالي على قانون الانتخابات وفرض إعادة العد والفرز اليدوية للعمليات التي جرت إلكترونياً، حيث رفضت المحكمة الاتحادية طلب مجلس المفوضين التابع للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات إصدار (أمر ولائي) بوقف تنفيذ مؤقت لقرار مجلس النواب إجراء فرز يدوي للأصوات، إلى حين صدور الرأي النهائي للمحكمة الاتحادية العليا المناط بها تحديد مصير نتائج الانتخابات التي تلوح حولها العديد من الشبهات.

في السياق عينه أوقفت السلطات القضائية أربعة أشخاص بينهم عناصر شرطة وموظف في مفوضية الانتخابات، بتهمة التورط في حريق نشب في مخازن صناديق الاقتراع الخاصة بالانتخابات التشريعية، بعد أن أكد وزير الداخلية قاسم الأعرجي أن الحريق كان عملا متعمدا.

الحريق الذي أتى على أكبر مخازن صناديق الاقتراع الواقعة في الرصافة بالجانب الشرقي من مدينة بغداد والتي تمثل نحو60 بالمئة من أصوات الناخبين جاء في الوقت الذي قرر فيه مجلس القضاء الأعلى تعيين قضاة للإشراف على عمليات العد والفرز اليدوي عوضا عن أعضاء مجلس المفوضين الذين أوقفوا عن العمل.

حريق صناديق الانتخابات وضع العراقيين امام حالة ارباك وانقسام حاد بين معارض لنتائج الانتخابات ورافض لها ولأي تشكيل للسلطة على أساسها ويطالب بإجراء الانتخابات من جديد، وبين محذر من الفراغ الدستوري والتلاعب بمصير البلاد ودفعها نحو الفوضى والحرب الأهلية بهدف الإمساك في السلطة، فرئيس (ائتلاف دولة القانون) نوري المالكي كان واضحا في تغريد قال فيه، “أن لا تحالفات وتشكيل حكومة وفق نتائج مزورة”، مطالباً بالعد والفرز اليدوي. أما رئيس الوزراء حيدر العبادي وصف الحريق بأنه “مخطط لضرب البلد ونهجه الديمقراطي”.

فيما ذهب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى أبعد من ذلك إذ ربطت مصادره الخاصة حريق الصناديق بالمخططات الفاشلة لتقويض تقدمه الانتخابي، محذراً من “المسارات الحالية التي تدفع إليها البلاد”، مؤكداً أن العراق في خطر، ومشيراً إلى عدم اهتمامه بالمناصب.

وكتب على موقعه في الإنترنت: “كفاكم صراعاً من أجل المقاعد والمناصب والمكاسب والنفوذ والسلطة والحكم”، مضيفاً: “أما آن الأوان لأن نقف صفاً من أجل البناء والإعمار بدل أن نحرق صناديق الاقتراع أو نعيد الانتخابات من أجل مقعد أو اثنين؟”. وقال إن هناك محاولات من البعض للتسبب بحرب أهلية، لكنه تعهد عدم الانزلاق في هذا الطريق: “لن أبيع الوطن من أجل المقاعد، ولن أبيع الشعب من أجل السلطة، فالعراق يهمني، وأما المناصب فهي عندي أهون من عفطة (عطسة) عنز”.

في المحصلة العراقية ترى مصادر مطلعة على مجريات الأحداث، أن “التحالف المعلن من مدينة النجف المقدسة عند الشيعة هو أول خطوة جادة باتجاه تشكيل حكومة جديدة”، وأنه بإمكان التحالف الجديد “تخفيف التوترات التي يخشى العراقيين أن تقودهم إلى حرب أهلية بين الشيعة أنفسهم، حيث أن العامري الذي يعرف بأنه من أقوى الشخصيات الشيعية هو أيضا رجل طهران في العراق، ومقتدى الصدر الذي شن في السابق حملات على الاحتلال الأمريكي، ويظهر حالياً في صورة معارض وطني وبطل بين الفقراء، ورافض لهيمنة الأحزاب الشيعية المتحالفة مع إيران، وهو الفائز الأول في انتخابات كانت بمثابة اختبار قوة بينه وبين حلفاء إيران، فإن تحالفهما يخدم أهداف الأطراف الأقوى على الساحة السياسية المؤثرة في العراق، ويحقق مصالح الأطراف كافة المعنية في إعادة الإعمار لبلد أنهكته الحروب المختلفة”.

وترى المصادر أن “هذا التحالف في توقيته أيضاً يضمن نفوذ ومصالح إيران المتغلغل في العراق، في الوقت الذي تتعرض فيه الجمهورية الإسلامية لضغوط كبيرة من الولايات المتحدة الأميركية على خلفية الاتفاق النووي، وتواجه مع حلفائها الحوثيون في اليمن أكبر هجوم عسكري يشنه عليه التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وتواجه في سوريا حربا مباشرة مع إسرائيل بغطاء روسي.”
فطهران، المعروفة بأسلوبها العملي، تدخلت بحنكة في تشكيل حكومات عراقية عديدة في السابق حيث يمثل حلفاؤها المقاتلون أقوى طرف مسلح في البلاد، هي بحاجة الآن لضمان الاستقرار في هذا البلد العربي لتثبيت شرعية مقاتليها ومكانتهم في السلطة، بعيداً عن مغامرات غير محسوبة كإعادة الانتخابات من جديد، أو جر البلاد إلى أزمة دستورية تفتح أبواب التدخل الإقليمي بصورة أكبر من تلك القائمة حالياً”.

وترى المصادر أن أمام تحالف (الصدر – العامري) عقبات عديدة أولها تأكيد نتائج الانتخابات والاتفاق على اسم رئيس الحكومة، وتوزيع المقاعد السياسية على القوى المختلفة لضمان أوسع مشاركة للقوى السياسية الفاعلة في السلطة.

فوزي ابو ذياب- “الأنباء”